Home»National»بوح الحروف

بوح الحروف

0
Shares
PinterestGoogle+

محمد شحلال
خلال فترة الاحتلال الفرنسي لبلادنا،كانت احدى الشركات المنجمية قد ازدهرت بمسقط رأسنا(جماعة سيدي لحسن)،وقد اشتهر مقر الشركة باسم،،ملكونة،،(الكاف معجمة).
عملت الشركة على إقامة البنى التحتية الأساسية لتتمكن من استغلال المعادن المتوفرة وباقي الخيرات الطبيعية،وقد اشتغل فيها الكثير من الأهالي.
وإلى جانب المباني المختلفة،فقد شيدت السلطة الاستعمارية مدرسة ابتدائية ،كتب لبعض المحظوظين من أبناء المنطقة ولوجها قسرا ،بسبب معارضة الأهالي الذين كانوا يفضلون أن يصبح أبناؤهم رعاة مواش متمكنين ثم مزارعين،بدل الاستجابة لأوامر النصارى الذين قد يحولون الأبناء إلى مخلوقات غير مألوفة !
كانت إحدى الفيلات الفخمة المنعزلة المقامة على الطريق المؤدية إلى السوق ،قد اكتسبت شهرتها من نمط عمرانها، وكذلك من اسم الشخص الذي كان يقيم بها بمعية زوجته.
عرف هذا المعمر باسم،،بيير،،Pierre،بينما كانت زوجته الشقراء،تدعى : باية.
لم يكن الزوجان موظفين،وإنما كانا في الواقع يحرسان الفيلا في غياب صاحبها الحقيقي والمسؤول في الشركة،لكنهما لم يبخلا بمساعدة البؤساء المجاورين من الساكنة بما تيسر أيام المجاعة، حينما تحركهما النزعة الإنسانية وهما يسمعان عن امرأة نفساء تتضور جوعا أو مريض لا يجد الإسعاف.
عاش ،،المسيو بيير وزوجته باية ،،عدة سنوات في الفيلا الأسطورية، والناس لا يعرفون عنهما إلا أنهما زوجان فرنسيان ربما قدما من الجزائر،،الفرنسية،،يومئذ.
في أواسط الأربعينات من القرن الماضي،تمكن أحد أبناء خالتي من تدشين مشواره الدراسي إلى جانب أبناء القائد وأبناء معظم الأعيان ناهيك عن أبناء النصارى.
كان جل المدرسين فرنسيين ،وكانوا يعملون على ترسيخ لغتهم وثقافتهم من خلال تشجيع المتعلمين على التنافس مقابل جوائز ورحلات ترفيهية.
كان زوج خالتي يعمل بالشركة المنجمية، ويقيم على بعد أمتار من فيلا،،بيير،،مما سمح للعائلتين بالانفتاح والتواصل وهو ما مكن كذلك ابن الخالة من اكتشاف سكن معقد في تصميمه ومكوناته التي تختلف عن بساطة الخيمة التي تتساوى فيها كل الساكنة.
في إحدى زيارات قريبي للسيدة،،باية،،برفقة أمه،وكان يحمل ما يدل على أنه مشروع متعلم،اهتمت صاحبة البيت بالطفل،وراحت تسأله عن الدراسة،ثم ما لبثت أن سألته عن الحروف العربية !
استغرب الطفل ذلك وأجاب بما لم يرض السائلة التي شرعت تعرض عليه مفتاح التمييز بين الحروف العربية :
الليف ما ينقطشي،الباء وحدة من تحت،التاء جوج من فوق،الجيم وحدة من تحت…
لم تتمالك خالتي نفسها فسألت السيدة،،باية،،:
-هل تعرفين العربية ؟
-نعم،فأنا عربية كما يجب أن تعلمي، وجزائرية الجنسية !
-ما الذي جاء بك إلى هنا مع،،الكافر،،؟
-كنت مخطوبة لرجل لم يحتمله ابن عمي الذي كان يحبني،فلما تبين له أني لم أعد من نصيبه،دفعه الجنون إلى قتل زوجي ليلة زفافي فحصلت مأساة ركبت على إثرها أول سفينة من ميناء ،،الغزوات،، في صباح اليوم الموالي، وكان اللقاء مع هذا النصراني الذي أنقذني من الضياع،وجاء بي إلى هنا لنعيش حياتنا دون أن يعلم أحد بقصتي الحقيقية !
لم يطل مقام ،،بيير وباية،،بعد هذا البوح كثيرا،ذلك أن الشركة قد أوقفت نشاطها، وغادر الأجانب إلى غير رجعة،ولم يبق للأهالي من أخبار إلا إعادة إنتاج مسلسل ،،باية،،المتزوجة بنصراني بعد أن كانت خالتي وابنها سببا في انكشاف سرهما !
*ملحوظة :
سبق أن أتيت على قصة فيلا بيير في موضوع مغاير ،وتوجد صورة لها في ثنايا الصفحة….

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *