Home»Régional»مديرُنا الأولُ في ذمّةِ الله

مديرُنا الأولُ في ذمّةِ الله

1
Shares
PinterestGoogle+

محمد بنعلي
نحن الآن نعيش زمناً تتساقطُ فيه أوراق الشجرة الأولى في بستان التربية التربية والتعليم بواحتنا المعطاء، الذي غرسه جيلُ الحاج محمد فرج والشيخ مشراوي ومحمد صفوان ومحمد جبور وسواهم كثيرٌن رحمهم الله وأسكنهم الفردوس الأعلى من جنته… فمنذ أيامٍ قلائلَ فقدنا العزيز محمد كمّو رحمه الله.. وها نحن اليوم نفقد مديرَنا الأولَ في مدرسةِ ابن رشيقٍ، أول ما لا يزالُ عالقاً بذهني من ذكرياتٍ معهُ، يومَ ربتَ على كتفي ضاحكاً مستبشراً بنجاحي في الشهادة الابتدائية، التي كنا – إن لم تخنّي الذاكرة – نجتازُها في مدرسة أحمد بن عبد ربّه بزناقة، يومها سلقتْ لي والدتي رحمها الله بيْضةً، ودعتْ لي بالنجاح قبل أن تودعني وأمهاتُ الكوكبةِ التي كنتُ فيها.
العربي بن بوعزة رحمه الله لا يمكن أن نقول إنه كان استثنائيّاً في عهده، فجيلُه كلُّه كان استثنائيا فيما قدَّم وأعطى، استثنائيّاً في إخلاصه وفي تفانيه وفي تضحيته ونكرانِ ذاتِه.. لكنّ المرحوم العربي بوعزّة كان متميّزاً في مدرسةٍ متميّزةٍ، كان وصيّاً أميناً عليها، محبّاً لهيئتها التدريسية، حريصاً على مظهرها ونظافتِها.. لا نقول هذا تخميناً ولا رجماً بالغيب، وإنما راكمناه من شهادة معاصريه، ومن معاشتنا له صغاراً وكباراً، وعرفناه من خلال تقارير المفتشين وخلفائهم في نهاية الخمسينات وبدايات الستينات، جاء في أحدها: « القسم يتوفر على شروطِ الصحّةِ والنظافة الكاملةِ والهواء الطلْقِ الساطع، ومزخرفٌ بعدّةِ صورٍ ملائمةٍ لبيئةِ التلاميذ، من شأنها أن تبعثَ في القسم جوّاً مدرسيّاً لطيفاً. كما يشتمل على متحفٍ مدرسيٍّ، مجهّزٍ بعدة وسائل الإيضاحِ من ذواتِ الأشياءِ والنماذج الصالحة لتوضيحِ الدروسِ.. » وما أحوجَ مدارسَنا الآن إلى استلهام مثلِ هذه النماذجِ الرائدةِ بمواصفاتها التي يخيَّلُ إليك أنها من مدارسِ الدولِ المتقدّمة
لم تصرفه اهتماماته في مكتبه عن اقتحامِ مجالاتٍ أخرى مع أولوياتِ ارتباطِها بمسارِه المهني، فقد قدّمتْه لنا وثائقُ الوقتِ عضوا فاعلاً غير ما مرّةٍ في « جمعيّة الصندوق المدرسي »، تولى مهمة الخليفةِ الثاني في المكتبِ الأولِ المنتخبِ في: 13 نونبر 1962.. واعترافاً بجِدِّه المُفْرِط في إنجاحِ التجربةِ، تمَّ اختياره رئيساً في المرحلةِ اللاحقة التي انطلقت عام 1964.
وإلى ذلك بذل جهوداً مكثّفةً عزيزةً في الكشفيّةِ والتخييم والأنشطة المدرسية التي كان ابن بجدتِها وباريَ قوسِها بلا منازعٍ. وهو في كلِّ ذلك كان يضع نصبَ عينيْه أن تكون مدرستُه أنموذجاً مميّزاً في المنطقةِ الشرقيّة؛ تساعدُه حنكتُه، وأسلوبه الذي جمع بين الانفتاحِ والصرامةِ الناعمةِ، وحسن التخطيط والتدبير.
لما تقاعد المرحوم سلك مساراً آخرَ يضوعُ منه مسكُ الدعوةِ إلى الله، فهجرَ راحته، واحيا ليله ونهاره بالأسفار والتنقلات بين الأمصارِ، داعياً إلى الله… ومثلُ هاته الخواتم لا يلقّاها إلا حظٍّ عظيمٍ.
آخرُ مرّةٍ لقيتُه فيها تعود إلى شهورٍ كثيرةٍ، وأنا في طريقي إلى منزل ابنة عمتي القريبِ من منزله العامر، شاهدتُه جالساً أمامَ البابِ، تقدمت نحوهُ، قبلتُ رأسه، لم يستطعْ معرفتي، ولم أشأْ أن أثقِلَ عليه بالكلام الكثيرِ..
حينما جاوزتُه فهمتُ لماذا لم يعد (الكرورب) يزيِّن أرجاءَ حديقتِه الأمامية من زمانٍ.. فهمتُ أنّه هو الذي كان يعتني بها، وكانت بحقٍّ رائعةً جميلةً جذّابةً رغمَ صغرها، ولما هرِمَ ومشتْ رواحلُه اختفى الجانبُ البهيُّ من معالِمِها.
رحم اللهُ مديرَنا الأولَ، وعزائي الصادِق لكل أفراد أسرته وأقاربِه وإنا لله وإنا إليه راجعون….

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *