Home»Régional»مذكرات الأستاذ بنيونس المرزوقي / الارتسامة رقم 39: سيناريوهات طريقة إلقاء الدرس الأول

مذكرات الأستاذ بنيونس المرزوقي / الارتسامة رقم 39: سيناريوهات طريقة إلقاء الدرس الأول

0
Shares
PinterestGoogle+

ما بين توقيع محضر الالتحاق بالعمل وإلقاء الدرس الأول، وقعت أشياء كثيرة..
تم تعيين الأستاذ امحمد جلال عميدا للكلية، وبذلك انتهت مهمة عميد كلية الآداب الذي كان يقوم في نفس الوقت بمهمة « مشرف » على كلية الحقوق..
عميد كلية الآداب آنذاك كان هو الأستاذ المقتدر محمد بنشريفة.. توفي المرحوم سنة 2018..

تعرفت على طاقم هيئة التدريس الذي كان في أغلبيته من الأساتذة الأجانب وخاصة منهم المصريين؛

حضرت أول اجتماع ترأسه عميد الكلية..
كان اجتماعا غريبا من حيث الشكل..
لم يكن هناك لا مجلس للمؤسسة، ولا مجلس للجامعة، ولا رؤساء للشعَب..
لذلك تم عقد جمع عام للأساتذة قصد تحضير الدخول الجامعي..
أذكر لكم بعض أسماء الأساتذة آنذاك: من مصر الأساتذة محمد المرغيني، البدراوي، رأفت تركي، مأمون عبد الرشيد، علم الدين …. ومن سوريا الأستاذ محمد عرب صاصيلا، ثم التحق الأستاذ حلمي من العراق..
شعبة الاقتصاد كانت « مليئة » بالأساتذة الفرنسيين أساسا.

روح الدعابة لم تكن تفارق المصريين؛
بعد توزيع المواد هنأوا الأستاذ محمد عرب صاصيلا على إسناد إحدى المواد إليه بالصيغة التالية:
لقد تحملت لوحدك إزر كل مشاكل العالم.. وتركتنا دون هموم.. فأنت ستدرس مادة « المشاكل »، « السياسية »، « الكبرى »، و »المعاصرة »، وإذا نجحت في ذلك، فسيتم حل الأمم المتحدة، وإحالة أمينها العام على التقاعد؛
قهقهاتهم كانت عالية؛
لم نشاركهم الضحك لأن اللهجة المصرية آنذاك (1979) كانت لا تزال غير مألوفة: أجهزة التلفاز نادرة، والتلفزة المغربية صعبة الالتقاط، وسياسة مسلسلات المصرية لم تكن قد انطلقت بعد.

سألني الأستاذ صاصيلا (الذي سيصير من أعز الأصدقاء) عن الجهة التي تحدد مضمون المقررات..
شرحت له الحرية المطلقة التي يتمتع بها الأساتذة في المغرب لاختيار المضمون..
لم يصدق ذلك وهو الذي اشتغل فقط بجامعات في الدول العربية المعتمدة لنظام الحزب الواحد والتي تفرض مضمونا معينا على الأستاذ..
تأكد لاحقا من صدق كلامي.

تم تكليفي بتأطير الأشغال التطبيقية في مادتي القانون الدستوري والقانون الإداري..
كان الحضور إلزاميا بالنسبة للطلبة..
وكانوا يقبلون عليها بشكل كبير لأنها كانت مجالا لمناقشة الدروس النظرية.
توكلت على الله وشرعت في تحضير بطاقات الحصص التطبيقية بتنسيق مع الأستاذ صاصيلا، الذي بدوره أعطاني « الحرية المطلقة » في اختيار العروض.

شرعت في عملية تحضير الدرس الأول.. وذلك بعد نقاش واستشارات بيننا نحن الأساتذة المغاربة..
كان عددنا ضئيلا: أحمد بنكوكوس، الحسين بلحساني من الحقوق، والأساتذة مجدوبي الهبري وقصاب عبد الرحمان من الاقتصاد..

لم تكن المادة تخيفني، لكن مشكلتي كانت في الرباط لأن موعد الامتحانات السنة الثانية من دبلوم الدراسات العليا قد اقتربت:
فهل أعمل كطالب يحضر للامتحان أم كأستاذ مكلف بالتدريس؟

سهرت الليالي للتحضير لهما معا..
نجحت في الامتحان بالرباط..
وانطلقت حصص الأشغال التطبيقية..
بدأت أشعر بالأمان نتيجة التحاق زملاء كانوا طلبة معي في فاس وفي الرباط وخاصة منهم في البداية الأستاذ إنفاذ لحبيب..

جاء موعد الحصة الأولى..
بدأ القلق يراودني..
لقد لاحظت أن الطلبة والطالبات « أكبر حجما » مني..
وأن نقاشهم في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان عاليا..
ازداد القلق، وانضاف الخوف..

لم يكن يهمني مضمون الحصة لأنني كنت أضبط مادة القانون الدستوري بشكل جيد..
وكنت قد حضرت بطاقة لكل درس..
وحفظت المحاضرة الأولى  » عن ظهر قلب »..
ولم أكن أتخوف من مجابهة الجمهور، لأنه سبق أن أديت أغاني الشيخ إمام أمام « الجماهير الطلابية » في الرباط..
غنيت مرات عديدة قصائدَ من ديوان أحمد فؤاد نجم « بلدي وحبيبتي »..
كانت تُعجبني قصيدة-أغنية « كلام عن الكلام »
للتذكير سأكتب لكم كلماتها في نهاية هذه الارتسامة..
لكن..
ما كان يزعجني هو تلك الجمل الأولى التي سأبدأ بها الدرس.

حضرت سيناريو في ذهني..
سيناريو يعتمد على محادثة الطلبة قبل دخولهم القاعة قصد الاستئناس..
لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن..
تأخرت الحافلة بخمس دقائق،
هرولت نحو القاعة رقم 5، ….
فوجدت الطلبة والطالبات قد دخلوا القاعة.. وينتظرون الأستاذ..
فتحت الباب لأصطدم بصمت رهييييييب..
كدت أن اغلق الباب وأن أبحث عن عمل آخر..

تذكرت دعوات المرحومة والدتي.. توكلت على الله..
ودخلت القاعة متجها مباشرة نحو المكتب المخصص للأستاذ..
أعداد الطلبة والطالبات كان كبيرا..
لم أجد كرسيا للجلوس..
وانهار السيناريو الثاني.

« السلام عليكم »..
قلتها بصوت منخفض كدت معه ألا أسمع نفسي..
« وعليكم السلام » جاءت من قبل الطلبة والطالبات مبعثرة..
سألت أقرب طالب: هل انتهيتم من الحصص المخصصة للدولة في الدرس النظري؟
أجاب بالإيجاب..
بصراحة كنت أعرف الجواب.. وكانت فقط فرصة « للاستئناس »..
وقفت وراء المكتب وشرعت في التعريف بنفسي وبأهمية الدروس التطبيقية والمنهجية التي سيتم اعتمادها..
أحسست أن الطلبة والطالبات بدأوا يستأنسون بكلامي..
شرعت في إلقاء أسئلة بسيطة عليهم:
ما معنى القانون؟
ما هو الدستور؟
ما معنى الدولة؟
ما هي أركان الدولة؟
هل هناك فرق بين الأمة والشعب؟
أسئلة لم تكن الإجابة تهمني إلا بالقدر الذي « التقط فيه أنفاسي »..
تدرجيا حولت النقاش حول موضوع الحصة..
وأحسست من تجاوبهم أنني في الطريق الصحيح..
وزعت الطلبة إلى مجموعات وخصصت عرضا لكل مجموعة..
فتحت باب المناقشة..
خبرتي في العمل السياسي ساعدتني..

أول سؤال وجه الي كان حول علاقة القانون الدستوري بعلم السياسة..
أبدعت في الإجابة وفق منهجية لا زالت اتبعها لحد الآن:
الفكرة الرئيسية، ثم التفاصيل، ثم خلاصة حول الجواب..
ميزت بين علم يَدْرس ما هو كائن وبين قانون يَدْرس ما ينبغي أن يكون..
توالت الأسئلة والتي كانت ذات طابع سياسي أكثر منه قانوني محض..
وحتى كلمة « علم » السياسة أحسست أنهم لم يستسيغوها.. فالسياسة بالنسبة لهم هي النضال ولا علاقة لها بالعلوم..
وتوالت أجوبتي لولا أن طلبة الفوج الثاني بدأوا يطلون علينا مستعجلين الدخول،
فكانت حصة الفوج الثاني ثم الفوج الثالث…،

وتلك كانت بداية مشوار سيدوم 40 سنة..
قلتها ولا زلت أكررها: مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة.

ملحق بالكلمات الرائعة لقصيدة قصيرة لأحمد فؤاد نجم وأداء الشيخ إمام تحت عنوان « كلام عن الكلام » (باللهجة المصرية):
« مُر الكلام.. زي الحسام.. يقطع مكان ما يمر..
أما المديح.. سهل ومريح.. يخدع لكن بيْضُر..
والكلمة دين.. من غير إدين.. بس الوفا عَ الحر »

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *