Home»Régional»إيه ظهر المحلة

إيه ظهر المحلة

1
Shares
PinterestGoogle+

إيه ظهر المحلة !
لازاري أو ظهر المحلّة، إسمان لحيّ واحد. هو من الأحياء القديمة بمدينة وجدة المغربية المحاذية للحدود الجزائرية. و قد استقبل هذا الحيّ الشعبي الأفواج الأولى من الهجرة القروية لما بعد الاستقلال.
بعد كل هذا الزّمن ، يتساءل المرء كيف استطاع مهندس الحيّ أن يدسّ كل ذاك الخلق في ذلك الحيّز الضيّق.
المنازل خلايا نحل و الدّاخل إليها يجد نفسه و هو يخطو الخطوة الأولى في وسط الدّار و بعد ثلاث خطوات أو أربع يبلغ جدار الجار.
حينَ يعطِس العاطِس يُشَمّتُه الجار الخامس و السادس. الجُدران لا تحفظ الخصوصية إلّا عن الأعيان أمّا الأصوات و الحركات فتتجول في الجوار لتتحول إلى أخبار و مواد دسمة للنّميمة. و كم جرى بين الجارات من حوار من وراء الأسوار.
يبدو أن الفرنسي الذّي أسّس آنذاك للتّهيئة العُمرانية نَسي أو تناسى أنّ تحديد النّسل لم يكُن عند الناس من الأسئلة الآنية، و أن أحدا لم يكن بعد قد جرّب « الهلال » و اللّولَب.
كان القادمون من القرى و البوادي شباب يحلمون بمستقبل واعد جديد في ظل وعود الاستقلال المجيد. تناسلوا، للتّباهى بين الأمم، ليجدوا أنفسهم في الهمّ و قد التهم مدخولهم الشّهري الهزيل ثلالثي: البطاطس و الطماطم و البصل و بعض البقوليات، أما باقي الخضروات فلم تكن تزور البيوت إلاّ في المناسبات.و أما اللّحم فكانت له حُرمة خاصة و كان الناس لا يقربونه إلاّ صحبة ضيف أو مُضيف أو إذا ذبحوا الأضحية. و لكي يعيش العيال، كان قدر الناس اقتراض كل شيء بشهادة كنانيش صاحب الفُرن و البقال .
هذا الفقر المشترك خلق ثقافة التكاتف في أنصع صورة ، فكان عاديا أن تطلب المرأة من جارتها نصف بصلة أو بندورة.و لم يكونوا يمنعون الماعون، على قِلّته، بينما تمنع الآن حتى التّحية في كثير من الأحياء الرّاقية .
جل المنازل كان بها فناء تتوسطه في الغالب شجرة مثمرة و كلما نضجت الثمار طافت أطباق التذوّق على بيوت الجوار: عيب أن تستأثر العائلة بغلتها من التين أو العنب؟أمّا الآن فقد أصبحت أشجار الثمار في المدينة قليلة ، غابت كما غابت كثير من العادات القديمة الجميلة.
لم تكن قد استبدت بعدُ بالنّاس الأنانية، فكان من عادتهم وضع خابية في الأيام الحارة ليرتوي منها المّارة. و لم يكن وقتها الماء مصدرا للثراء و لم تكن له قنينات و أسماء.
لنساء ظهر المحلة في ذلك الزمن البسيط من ستينيات و سبعينيات القرن الفارط عادات جميلة: في الأيام الأخيرة من رمضان تتم صناعة حلوى العيد في جماعة. تتقاسم السيدات المهام فتتكلف واحدة بالعجين و الثانية تُمدّد العجينة على الطاولة لتقطعها بقوالب على شكل قلوب و نجوم و أهلّة. والأخرى تتفرغ لتصفيف الحلوى في أطباق مستطيلة. و عند انتهاء العملية تنطلق القافلة بالأطباق فوق الرؤوس في اتجاه الأفران ، عند « الفجيجي » أو عبد الرحمان .و قد برعت نساء الحيّ ،كما كل نساء شرق المغرب ، في تحضير كعك على شكل قرص مزيّن بضربات مقص.
كان النّاس يأكلون ممّا يعجِنون وكان رغيفهم على شكل أقراص. أما خبز المخابز الطويل فكان استهلاكه قليل. كان خبزهم عزيزا، يستهلكونه حتى و إن صار جبيزا و كانوا يسمّونه « نعمة » و لا يلقونه في القمة.
قبل أن يصبح خبزا جاهزا للأكل، يمرّ البُر في رحلته من الجرن إلى الفرن بمراحل عديدة تشرف عليها في كل البيوت السّيدة . تبدأ العملية بغسل القمح أو الشعير ثم نثره على حصير. و ما إن يجف حتى تبدأ في تنقيته قبل إرساله إلى المطحنة. و كُلّما كبرت، بجانب الحصير، كومة الشوائب العديدة تأكدت حدّة بصر السّيدة.
لم تكن بعدُ قد فتكَت بالشّبكيات الشّاشات: لم تكن التلفزات في متناول كل العائلات و البثُّ كان فقط لبضع ساعات.
المذياع هو مصدر الأخبار و التسلية بلا منازع . و مع واقع تفشت فيه الأمية، كان كل ما يبث عبره ذو مصداقية.
كان وقت الذّروة و قمة التّسلية حين يأتي أوان « الأزلية »: يلزَم الناس بيوتهم فتصبح الطّرقات و الأزقّة خالية. تتحلق القلوب حول المذياع فلا يجرؤ أحد على الكلام حين ينطق عيروض أوعاقسة أو ميمون الهجّام. أما إذا أطل البطل سيف بن دي يزن، من وراء صوت حسن الجندي الجهور ، خُيّل للجمهور أنه حيّ يتحرك وسط الحضور.
تم اختيار الأزلية لمجتمع تنخره الأمية و تقرّر حشوَ الرؤوس بِقصَص السقرديس و السقرديون و منية النفوس و الكل يعلم أنّ النّاس لا تفرّق بين الأشخاص و الشخوص؟
في هذا الجو المشبع بالعجائب، اختلط على الناس أمرهم حتى شاع بينهم خبر مشاهدة وجه في القمر. وقد تنافسوا في وصفه و رُمي من لم يرَه بضعف البصر.
كانت تلك هي الحصيلة الأولى لملء العقول بحكايات الأزليّة و لونجة و الغول. ثم توالت بعد ذلك نسخ أخرى من الأزلية و الغولة تكفلت بنشرها الصحافة الصفراء المأجورة و الجهات المعلومة و المجهولة.
تغيّرت أمور كثيرة منذ ذلك الوقت .تغير الإنسان و البنيان و بقي الحيّ معروفا باسمه الفرنسي « لازاري. أمّا تسمية »ظهر المحلّة » فقد اضمحلت و لم يعد لها وجود إلاّ في الوثائق الرسمية. هكذا تعيش الفرنسية بيننا كابنة البلد و تُعامل العربية كالرّبيب؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *