أحمد الجبلي
لم أكن أتوقع أن أجد نفسي وسط عرس بهيج تقرع فيه كؤوس الفرح والحبور، وتنتشي فيه النفوس بما نشرت من وعي، وغرست من قيم، وصقلت من مهارات، وشحنت من طاقات، وغرست من بذور الخير، وحققت من نتائج بكل إخلاص وتفان في سبيل نشر قيم هذا الدين وتعاليم الحق المبين.
لم يخالجني أي تفكير، ولو مجرد تفكير أنني سأجدني في عمق شهد ترامى رحيقه ليحولني إلى تائه في دروب حفل انقشع في دجى المستحيل.
ولم أكن لأصدق لولا أنني كنت واعيا بلحظتي وزمني كامل الوعي، ويقظا جاحظ العينين أرى بنفسي جنبات هذه القاعة الحمراء الجميلة الأشبه بقصر مؤتمرات، هذه القاعة الأليق لتكون مكان احتفال وانتشاء بما تتحقق من أهداف سامية طيلة سنة كاملة.
ولم أكن لأصدق لولا أنني كنت حاضرا أصغي للمسيِّرتين الصغيرتين البارعتين نجاة وزهور وهما تنتقلان وسط المنصة كفراشات الجنة تنثران عبق الإبداع، وتقدمان ما جادت به قريحات المؤلفات من لوحات سحرية أخاذة، ترجمها على الخشبة المحترفون من الأطفال والفتيان والمحترفات من الفتيات.
ما أروع هاتين الفراشتين وهما ترحبان بالضيوف والزوار والحضور من الأمهات والأطفال والفتيات من أصحاب الشأن والغاية، بلسان عربي مبين، وببيان يخلب الألباب والعقول، وهما تعلنان عن افتتاح هذا العرس المؤتمر..العرس الملحمة.. بتلاوة خاشعة مما جادت به حنجرة المقرئة الكبيرة ذات الصوت الرخيم فاطمة الزهراء الذهبي.
لم أكن لأعي موقع قدمي، لولا صدى كلمات الأستاذ الدكتور عبد الوافي مزيان وهي تتسرب إلى أعماقي تاركة شذرات أفكارها المتسلسلة معبرة عن بهجة وامتنان وشكر لهؤلاء الأشاوس من نساء التوحيد المبدعات والعاملات والمجاهدات وهن يترجمن خلاصة عمل دؤوب  ويعرضنه في هذه اللوحة الساحرة التي لا تضاهيها لوحات بيكاسو ولا ديفنشي.
كعادته فعل اليوم وقد فعل من قبل، وهذا ديدنه وعهدنا به، إنه فرع بلمراح التابع لجمعية حركة التوحيد والإصلاح  وهو يقوم بتنظيم حفله السنوي المميز ليقول كلمته من خلال كل شيء في هذه القاعة، من خلال اللوحات الاستعراضية التعبيرية المتناسقة الأفكار والألوان، وذات المضمون المفعم بالحب لهذا الوطن، والدعم اللامشروط لقضية الأمة المركزية قضية فلسطين والأقصى الأسير، ومن خلال عروضه المسرحية التي صدحت بها حناجر الأطفال المبدعين والفتيات المبدعات لتكون شاهدة على الناس وحاثة لهم على التمسك بالقيم والأخلاق وما جمل من الشيم.
ومن خلال الحناجر الذهبية في زيها الموحد دلالة على مطلب وحدة الأمة، ومن خلال سياق سرد الكلمات، ومخارج الرنات، انتشى الحاضرون والحاضرات على أنغام الثناء على رب العزة والجلال، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، وبذكر الصحب والآل الكرام، في نسق موسيقي قد اقتبس لحن الملحون والغيوان بقيادة رائدة الأركسترا المتميزة الأستاذة المبدعة أمال عثماني.
ومن خلال تواجد البهلوانية المرحة، التي بلوحاتها الفنية الرائعة جعلت الأطفال يقفزون مرحا ويمرحون فرحا، ويضحكون بهستيريا أنستهم بعضا من تعب سنة كاملة من الجد والعمل والدراسة.
هذه اللوحات وهذه الشواهد وهذه الأزهار المعطرة بنفحات الفرحة والزهو بما تحقق من مرام،  تم تتويجها بتكريم براعم وزهرات القرآن، والداعمات لأهل العلم والتحصيل، وأهل الفضل والعمل والتنوير، وأهل الصناعة والفن والتطريز، وأهل الأنشودة والطرب والترخيم، ليكون أجمل تكريم هو تكريم أحد أبرز الوجوه العاملة، والأخوات الفاضلات اللائي قدمن للجمعية الشيء الكثير بعمل دؤوب ونفس طويل وصبر جميل، وهي الأستاذة الفاضلة وفاء زغيون.
ومما أثار الجميع أن تقوم فتيات الفرع بمبادرة نادرة ومتميزة، وذلك بقيامهن بتكريم أمهن وأستاذتهن الأستاذة خديجة اليامودي، بعدما انطلقن من تلقاء أنفسهن وساهمن بمبالغ مالية خاصة أبدعن بها في صناعة لوحة معبرة تحمل صورة الأستاذة وكلمة شكر وامتنان بما قدمته لهن الأستاذة من حسن الرعاية والتوجيه والتدريب.
إن حتمية الزمن والمكان، وحتمية القدر الذي شاء له الله أن يتجلى في التحام هذا الحضور الكبير، والجمهور العريض، برائدات هذا الحفل البهيج، ليطرح التحدي في وجه هؤلاء الرائدات في توفير المكان والمجال للطاقات الجديدة والملتحقين الرواد، والموهوبات الشابات.
إن جمعية حركة التوحيد والإصلاح ستظل فاتحة أبوابها لكل هؤلاء المعجبات والمتعاطفات من أطفال وفتيات ونساء، وما عليهن سوى أن يسهمن من خلال الأنشطة التي يحببن ويخترن حتى تستمر هذه المؤسسة شعلة لا تنطفئ ونبراسا لا يخبو.