التفتيش التربوي مطلب إلزامي لتحقيق جودة التعليم
لا يمكن لأحد أن يجادل في أن المفتاح الأساسي لتوفير الجودة في التعليم هو العنصر البشري باعتباره أبرز مكونات البنية التربوية التي يمكن أن تعوق أو تيسر ما تراهن عليه المدرسة التي تتوخاها الأنظمة التربوية الحديثة.
إن الجودة التي ينشدها أي نظام تعليمي لا يمكن قطعا أن يتبناها طرف دون الآخر أو ينسب تحقيقها إلى مجهودات عناصر معينة، إنها (الجودة) نتاج فكري جماعي، شراكة تتغيى إغناء الثقافة التربوية . وباعتبارها نتاجا جماعيا فإن هذا لا يبطل القول بأن الجهود المبذولة على مستوى الممارسات التربوية والتعليمية تختلف أو تتفاوت حسب الظروف والإمكانيات والمسؤوليات…
فدور كل من المتعلم والمدرس والمدير والمفتش يفرضه منطق البنية التربوية ومتطلباتها ولا يمكن لأحد أن ينكره أو يتغافل عنه.
وأما حديثنا في هذا المقال عن المفتش التربوي في علاقته بالجودة فهو ليس امتيازا أو تفضيلا بل هو أمر تستدعيه المهمة المنوطة بهذا العنصر في علاقتها بما يجري في ساحتنا التعليمية وبالخصوص ما ارتبط منها بأجرأة مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما يعتريها من خلل وتعثر واضحين.
كثيرا ما وصف المفتش التربوي عند البعض بالمتقاعد وبعديم الرغبة في العمل كما نعت عند البعض الآخر بالسلطوي وبصاحب ثروة أو المقاول … وإلى كل هؤلاء منا تحية تربوية وأما المسؤولية التي حملناها فإنها تطالبنا بمستوى رفيع من التعامل الإنساني الحضاري مع الآخرين حتى إن خالفونا، ومع المعارضين حتى إن اشتدوا علينا، كما تلزمنا أيضا هذه المسؤولية بأن نرد عليهم بروح العقلاء: " من جاء بأفضل من قولنا أو فعلنا قبلناه" .
إن ما نريد إبرازه من خلال هذا المقال هو الكشف عن حقيقة العلاقة التي تربط " أو قد لا تربط" مهمة مفتش التعليم بالجودة المنشودة. لعلنا نجد في ذلك ما يشفي الغليل لفك لغز مطروح أو لتأكيد حقيقة منكورة لترتاح بعد ذلك الضمائر وتصحح التمثلات والأحكام الجاهزة. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو إذا كانت الجودة مطلبا أساسيا للإصلاح الذي جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وإذا أضحت مسؤوليات تحقيقها ملقاة على عاتق كل الفاعلين التربويين بالدرجة الأولى ، فإلى أي حد يمكن أن يساهم مفتش التعليم في تحقيق هذا المطلب؟ ولكي يجد هذا التساؤل إجابة صريحة ومقنعة بشكل شاف يبدو ضروريا الوقوف عند بعض الحقائق "وما أكثرها" والتي يمكن أم نلمسها من خلال ما يلي :
1- الجودة ومهنة التدريس.
يكفي هنا استحضار الرهانات النوعية للإصلاح التي حددت في المادة 167 من الميثاق . ومن أبرزها : " حفز الأساتذة والعناية بشؤونهم الاجتماعية والعمل على تكوينهم المستمر" وبالتمعن في هذا الرهان ألا يحق لنا أن نجزم بأن توفرها والاستفادة منها يرتبط أشد الارتباط باختصاصات مهنة التفتيش التربوي والمتمثلة في التأطير والمراقبة التربوية الهادفة إلى تكوين المدرسين أثناء الخدمة وتفقد أحوالهم والاطمئنان عليهم أينما وجدوا ثم تقويم مجهوداتهم عبر تلمس أثر ما يتعلم في المتعلمين؟ وأن عمليات التكوين وإعادة الاعتبار للمهنة والالتزام بأخلاقياتها قد تضعف أو تكاد تنعدم في غياب هذا الفاعل البيداغوجي ؟ والخبر اليقين عند أهل الميدان.
2- واقع الجودة في الميدان :
إن تتبعنا عن قرب لما يجري بمؤسساتنا التعليمية يجعلنا نقف عند حقائق لا جدال فيها:
– تدني مستوى المتعلمين في التحصيل بشكل ملموس وتراكم تعثراتهم عبر مختلف مراحل التعليم.
–
عدم الاهتمام بالمشاريع التربوية والبيداغوجية، بالمؤسسات التعليمية، ذات الدور البالغ في الارتقاء بجودة التربية والتعليم.
– تجلي بعض الظواهر السلبية داخل المؤسسات (الفوضى–عدم الانضباط والمواظبة – التسرب …)
– بروز بعض الأصناف من العناصر المستحدثة في الحقل التعليمي ( فائض – متمارض – مكلف بلا شيء …) .أليس من المنصف ومن المنطق أن نربط ذلك كله بغياب المراقبة التربوية الصارمة ومجالس الإنصاف لتغيب معهما إمكانية تفعيل الإجراءات اللازمة والملائمة التي تتخذ في حق المتلاعبين بالمسؤوليات ؟
3- المشاريع المرتبطة بالجودة:
لقد أبرمت الوزارة عدة اتفاقيات مع مجموعة من الشركاء تدعيما لمعالجة قضايا التربية والتكوين وتحسين نوعية التعلم. ونقف هنا عند نموذج على سبيل المثال لا الحصر، حيث تم إبرام اتفاقية التعاون بين الوزارة والوزارة المكلفة بحقوق الإنسان بهدف دعم نشر الثقافة الحقوقية عبر المناهج الدراسية ، وقد أجهض هذا المشروع في مراحله التطبيقية لا لشيء سوى لتغييب جهاز التاطير من الميدان وعلى مستوى مقاطعات التأطير ليغيب معه استفادة الأساتذة من أهمية التربية على حقوق الإنسان ومن منهجية إدراج مفاهمها ضمن المناهج الرسمية. إن أسباب هذا الإجهاض يعرفها المسؤولون وشرح الواضحات من المفضحات كما يقال.
هذا بالإضافة إلى عدم إطلاع هذا العنصر (على المستوى الابتدائي) أو حتى إخباره بما أنجز على مستوى المناهج الجهوية والمحلية والتي لا يمكن بأي خال من الأحوال أن تجرب أو تطبق بالمؤسسات التعليمية في غياب مؤطرين موجهين ومشاركين فيها، ومتتبعين ومقومين لها.
وعلى العموم فإن مفتش التعليم وتواجده في الساحة التربوية والتعليمية باستمرار أمر تفرضه كل الأوضاع التربوية من أدناها إلى أعلاها مستوى ثم أن جميع الأنظمة التربوية الحديثة تعتبره بحق فاعلا أساسيا في التوجيه والتخطيط والتدبير ومن ثم مساهمته الفعالة في الرفع من منتوج التربية والتكوين .
صحيح أن إقصاء المفتش هو تأزيم للمنظومة التربوية لكن من حقنا أيضا أن نقول إن أي تجاهل لمطالب هذا الجهاز أو محاولة لتغييبه وإقصائه بشكل أو بآخر نعتبره استراتيجية واضحة للتصدي لمشروع جودة التعليم .إنه أكبر مساس واستخفاف لمشروع تربوي وطني طالما عقدنا عليه جميعا آمالا كبيرة للارتقاء بالمنظومة التربوية لبلادنا.
7 Comments
أحيي الاستاذ الكريم، لاثارته مجموعة من النقط المهمة، مبينا ثغرات نظامنا التعليمي، لقد حان الوقت ليقف السيد المفتش الى جانب المدرس في خندق واحد، ليعمل على اصلاح ما يمكن اصلاحه، فالمفتش يجب ان يكون حاضرا،فاعلا ، متدخلا في اسناد الاقسام، و في توجيه العملية التعليمية، عن طريق اجتماعات دورية مع المدرسين.
يجب الا يتلخص دور المفتش في زيارة سنوية على اكثر تقدير، لمنح نقطة التفتيش، لم لا يحضر السيد المفتش اجتماعات اول السنة ليطلع على الوضع عن قرب، و ليستمع الى المدرسين في عين المكان؟
الأخ التومي هل تعلم أن وجودالمفتش أو الرقيب في منظومة تربوية هو مؤشر ضعف ، ضعف نتاج العملية التربوية ، فهو وضع شبيه بالمدير السلطوي عندما يحضر يحضر الجميع وعندما يغيب يغيب الجميع. وهكذا المفتش عندنا. نخن بحاجة إلى من يؤطر لا من يراقب ويفتش، ونخن بحاجة أيضا إلى المؤطر المدرس. ومفروض أن مفتشكم هو في الأصل مدرس نابغة فلماذا يتهرب من التأطير والتدريس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تقرير المجلس الاعلى للتعليم اقر بوجود اختلالات اذكى فينا جراة الاعتراف اخي الكريم لو بسطت لنا الاختلالات التي يشهدها هذا الميدان…بعض الامور التي يمكن مناقشها :
الهبة ـ الهروب والخوف من الوقوع في المشاكل ـ الاتهامات الباطلة في مواجهة ثقافة الواجب ـ
التقاعس التاطيري ( التقارير المستنسخة ,صلوات الجمع عفوا زيارات الجمع : اختزال البرنامج السنوي فيي ستتة ايام ـ صعوبة الالمام بكل المستجدات المذكرات الوزارية المثبطة :الاجتماعات خارج اوقات الدراسة و و و كل عنصر يحتاج الى تبادل وجهات نظر
تحية إلى الأخ التومي:
أحيي فيك روخ النقاش وطرح معضلة المراقبة التربوية في مختلف مجالات التعليم.
إن ما يوجع حقاً هو هذا الإقصاء الذي أصبح أمراً واقعاً لا يضاهيه إلا إقصاء حملة الشواهد العليا المعطلين في المغرب.
فأصبح المفتش يحتج بدوره بعد الأستاذ من الأسلاك الثلاثة والمستشار في التوجيه ونظيره في التخطيط والتقني بكل أصنافه والطبيب والممرض و هلم جراً…
فالشكوى لله ممن تحملوا المسؤولية ولم يرعوها حق رعايتها منذ ما يقارب الخمسين سنة، حتى وصل الاحتقان إلى ما نحن فيه.
وإلى فرصة قريبة للاحتجاج…
لقد اصبحنا جميعا ننظر و نسمتع الى تقرير المجلس الأعلى للتعليم وقبله تقرير البنك الدولي ولسان حالنا يقول هل هي بداية النهاية لتعليمنا أم مجرد نقطة تحول وانطلاقة جديدة في المنظومة التربوية والسياسة التعليمية -التعلمية أم أن لكل جواد كبوة.
أستاذي وأخي سيدي محمد التومي الموقر، سلام الله عليكم. إن ثقافة الجزيرات المتمفصلة في الفكر التربوي الرسمي والثقافة التعليمية؛ لن تسمح بمد الجسور بين مكونات المنظومة التربوية من أجل التكامل والتعاون خدمة للمتعلم وللمنظومة التربوية والتكوينية، فالوزارة التي تفتقد رسميا قسما لتنسيق جهود مكونات المنظومة التربوية والتكوينية لا يمكن إلا أن تنتج فكرا متناحرا في بنيته لا متكاملا ومتعاونا. لأن منطق هذه الوزارة يفيد البحث عند الأخطاء على مشاجب لتعليق تلك الأخطاء. وكل من مكوناتها يلوم الآخر ولا يقول بنسبيته في الخطأ. إن بنية الفكر التربوي المغربي مازال في حاجة إلى النحث فيه وبه وعليه لأجل إبداع منحوثة تربوية في المستوى. لكم كل التحية والتقدير. والسلام
هسئة التفتيش جعلت نفسها خارج سياق الاصلاح. لانها اساءت التقدير وكانت تضن أن الادوار التي تقوم بها هي زكيزة المنظومة لكن تبين بالملموس ان للمنظومة ركائز اخرى غير تربوية لم تفطن الهيئة لدورها. وبما ان الهيئة دخلت السنوات الماضية في « اضراب مفتوح » دون ان يؤثر ذلك على « الموسم الدراسي » بحث ان هناك ايادي خفية »الخريطة المدرسية » تصنع النتائج خارج السياق التربوي . وتبين انه يمكن الاستغناء عن المفتشين لكن تنقيط الاساتذة للترقي يشكل عائقا لحد الساعة في وجه الاستغناء عن الهيئة ولذلك حينما تسند هذه المهمة لمجلس التدبير او اي جهة اخرى فإن السادة المفتشين الذين اختاروا التمتع بالاستقلالية »واية استقلالية؟ » و الراحة بدون رقيب او حسيب فيتعين عليهم انتظار المفاجآت…..اما ان تحاول الهيئة « ان تهميشهم » هو من سبب فشل الاصلاح فهذا مجرد وهم لا يصدقه احد فالمعيقات اكبر من السادة المفتشين بكثير و ربما يشكل بعضهم احدى المعيقات الاساسية ……