Home»Enseignement»المدرسة العمومية المغربية والإصلاح المؤجل

المدرسة العمومية المغربية والإصلاح المؤجل

1
Shares
PinterestGoogle+
 

                                            المدرسة العمومية المغربية والإصلاح المؤجل.

محمد الجيري – مفتش تربوي، نيابة تنغير. 

تعد منظومة التربية والتكوين عماد التنمية بمختلف أبعادها وتجلياتها الاقتصادية والاجتماعية ضمن كل مشروع مجتمعي ، وهذا يستتبع بالضرورة طرح السؤال بشأن إنتاجية ومردودية هذا القطاع وعائده بالنسبة للإنسان والمجتمع، وكثيرة هي المؤشرت الدالة على إخفاق معظم مسارات الاصلاح التي عرفتها المنظومة التربوية ببلادنا منذ عقود، ما أدى الى تراكم حصيلة سلبية لا تؤشر على تحول نوعي على مستوى المنظومة والمجالات المرتبطة بها، وهذا معناه أن العجز عن تدارك مساحات الضعف والفتور الذي يعتري المنظومة في كثير من الجوانب سيشل قدرتها في الآن نفسه على مواكبة متطلبات المجتمع،  وعلى اقتحام غمار التنافسية العالمية، وتعزيز حظوظها للانخراط ضمن مجتمعات المعرفة.

 

    ومن الإنصاف القول أن المدرسة المغربية لعبت ادوارا ايجابية في التنشئة الاجتماعية، وتكوين الاطر، وساهمت بنصيب وافر في الحراك التنموي وفي البناء المادي والفكري للوطن، وتنامت  بوتيرة ملحوظة مؤشرات الولوج والإرتقاء المدرسيين، لقد بذلت منذ الاستقلال جهود كبيرة وتحققت منجزات هامة في مجال التربية والتكوين تمثلت  في ارتفاع نسبة التمدرس،  وخاصة لدى الفتيات ، وفي توسيع شبكة المؤسسات التعليمية،  وتوفير العرض المدرسي بشكل يستجيب للحاجيات ، ققد ناهز  عدد المتمدرسين في الوقت الحاضر الستة ملايين ، وعدد المؤسسات المدرسية العشرة آلاف ، ووصل عدد المدرسين الى ما يربو عن مائتي الف، علاوة على الامكانيات المستثمرة  في مجال تجهيز المؤسسات وربطها بشبكة الانترنت والاطعام المدرسي والدعم الاجتماعي.

   بيد ان إيقاع تفاعل المنظومة مع التحولات، وديناميتها البطيئة، وغير المتوازنة، وتراكم مؤشرات الضعف والهشاشة الذي يهدد مردوديتها يدفع الى مساءلة المدرسة المغربية وتحديد مواطن الاختلال، باعتبارها قطاع يستهدف بناء المستقبل وإعداد أجيال الغد ، بغرض التفكير في إعادة البناء واستعادة الثقة في المدرسة  كفضاء أنسب لبناء الذات والإرتقاء بقدرات الانسان، وضمان تكافؤ الفرص، وتحقيق الاندماج الاجتماعي.

   تواجه المدرسة المغربية تحديات تتعلق بالقدرة على الاستجابة لمتطلبات المجتمع بالإيقاع والحجم المطلوبين، وفي الوقت نفسه كسب رهان التنافسية العالمية في المجالين الاقتصادي والمعرفي ، فبالرغم من عمليات توسيع البنيات التحتية، وتقديم الدعم الاجتماعي للتلاميذ، فإن المدرسة المغربية لم تستطع بعد مسايرة متطلبات المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ،بدليل حالة اللاتوازن القائمة بين منتوج المدرسة وسوق الشغل تعبيرا عن علاقة غير متوازنة بين المدرسة ومحيطها الاقتصادي عنوانها المزدوج بطالة الخريجين من جهة، وندرة الكفاءات والأطر في قطاعات انتاجية معينة ، إن النتائج الايجابية التي تحققت على مستوى اقرار التعميم ومحاربة ظاهرة الهدر المدرسي ستفقد بريقها أمام غياب مقاربة تنموية شاملة لظاهرة الانقطاع الدراسي، بحكم أن استمرار منابع الفقر، وهشاشة البيئة المحيطة بالمدرسة سيطرحان عوائق أمام تمدرس التلاميذ واستمراريتهم .

 تعبر المنظومة التربوية وتعكس في نهاية المطاف طبيعة التنظيمات والبنيات الاجتماعية والسياسية التي تشتغل في إطارها، ولذلك فإن ما تواجهه المدرسة من مشاكل مصدره الأصلي هو المجتمع، ومن ثم يرتهن كل إصلاح تربوي بشروط وتحولات مجتمعية محددة، فاستمرار نزيف الهدر المدرسي في كثير من المناطق برغم الجهوذ المبذولة سينعكس سلبا على دينامية المنظومة التعليمية ومردوديتها وستمتد آثاره حتما الى مجال التنمية البشرية والاقتصادية بصورة عامة.وتعثر موضوع تعميم التعليم مرده بالدرجة الاولى الى أن التعليم العمومي بالمغرب ما يزال أسير المؤشرات الكمية يراهن على رفع معدلات الولوج، دونما الالتفات الى نوعية الخدمات المقدمة، وهذا ما يجعل مسألة التعميم الحقيقي بعيدة المنال، ومن نواتج هذا الحال التوجه المكثف نحو التعليم الخصوصي لتجاوز قصور وظيفة المدرسة العمومية، وللتعبير عن مشاعر الاحباط وفقدان الثقة في التعليم العمومي.

 يبقى تحسين المؤشرات النوعية والكيفية للتعليم هو السبيل الى تحقيق جودة التعلم والانخراط في مجتمع المعرفة، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تبني اختيارات بيداغوجية ملائمة وناجعة تمكن زبناء المدرسة المغربية من اكتساب الكفايات التي تتيح لهم الإسهام في تدبير المعرفة وانتاجها.فالانحدار المسجل على مستوى المؤشرات التربوية النوعية والكيفية تعد سببا للمشكلات الاجتماعية الحادة ذات الارتباط بظاهرة البطالة، وتحديدا بطالة خريجي المدارس والجامعات    التي لا تنفصل عن أمر واحد هو نوعية التكوين الذي يتلقاه الخريجون.

تؤكد مختلف الأبحاث والدراسات الدولية على مركزية المورد البشري ومكانته في إنجاح المنظومة التربوية، فتكوين الاطر التربوية والادارية وتجديد مؤهلاتها وتحفيزها يساهم في الارتقاء بالعمل التربوي، لأن تقادم الخبرة وانقطاع حبل التجدد والتجديد يخلق الجمود ويفقد الفاعلية والحيوية في الأداء المهني، بيد أن  وضعية التكوين بشقيه الأساسي والمستمر في المرحلة الراهنة مدعاة للقلق بالنظر الى ظروف الاشتغال وآليات التكوين وغياب التنسيق بين المتدخلين وعدم استشارة المستفيدين، فما يقدم من منتوج لا يؤهل للمهنة ولأداء الرسالة التربوية قياسا الى هزالة الموارد والكفايات المهنية المكتسبة، أما التكوين المستمر فيغلب عيه طابع التسرع وتكثيف البرنامج واقتصاد الوقت لذا تكون قيمته المضافة ضعيفة، كما أن عدم تفعيل شبكات التكوين على الصعيدين المحلي والجهوي تظل قائمة، بحيث ظلت الحصيلة على مستوى  الارتباط والتكامل بين المؤسسة المدرسية وشركائها من التأهيل المهني والمعاهد التطبيقية متواضعة، ويبقى التعليم المهني ضعيفا مقارنة بالتعليم العام ، أما التعليم ما قبل المدرسي فما يزال دون المستوى المطلوب على صعيد مردوديته.

 

يتوجب على كل عمل إصلاحي لمجال التربية أن ينطلق من مساءلة الذات بهدف خلق الشعور بالحاجة والرغبة في التغيير والتقدم، وينبني على تشخيص دقيق وتقييم موضوعي للمراحل السابقة وتحديد مواطن القوة والضعف وتعيين العوائق الموضوعية  قبل الانتقال الى مرحلة تجريبية في افق الاقتراحات العملية لتجاوز الوضع الراهن.إن الاصلاح المبني على التوافق وجبر الخواطر ، وتوظيف المنظومة على مدى عقود من قبل جهات عدة كحلبة للصراع السياسي والنقابي كانت له تداعيات سلبية على قطاع التربية ، لذا يجب أن ننآى بتدبير قطاع التربية عن المزايدات والحسابات السياسية والإديولوجية، الشخصية والفئوية، وإن فك الارتباط بين التدبير التربوي وإطاره الطبيعي  التنموي والخدماتي ستكون آثاره غير محمودة لقطاع يراهن عليه لتآهيل المورد البشري وبناء مجتمع المعرفة.

  وإذا كان الأمر يقتضي منا تقدير دور المدرسة المغربية على مستوى تكوين وتأهيل الرأسمال البشري، فإننا بلا شك نشفق عل حال هذه المدرسة ونطمح في أن تتخلص من عاهاتها وتتعافى من الأمراض التي تهدد مردوديتها ومصيرها.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.