في شأن توقيع محاضر الخروج بالنسبة لهيأة التفتيش

في شأن توقيع محاضر الخروج بالنسبة لهيأة التفتيش
من المفروض أن تتعامل وزارة التربية الوطنية مع إجراء ما من الإجراءات التي تقررها وفق النصوص القانونية والضوابط المهنية حتى يكون الإجراء مبررا ولا يكون موضوع انتقاد أو طعن من لدن المنتقدين والطاعنين، لكن ما حدث مع نهاية السنة الدراسية الحالية بخصوص توقيع محاضر الخروج بالنسبة لهيأة التفتيش شيء آخر بعيد كل البعد عن هذا المنطق. فالوزارة أصرت إصرارا غريبا على إرغام هيأة التفتيش على توقيع محضر خروج هو في آخر المطاف مجرد عملية تقنية محضة ليس لها أية قيمة مضافة في « مشروع الإصلاح » وذلك بشهادة الخاص والعام. فبالرجوع للمقرر الوزيري للسنة الراسية 2012/2013 الذي هو بمثابة خارطة طريق تنظيم السنة الدراسية لا نجد لهذا الإجراء أثرا ، أي لا إشارة للتوقيع من عدمه ، إلا أن مقرر السنة الدراسية المقبلة 2013/2014 ينص بصراحة على توقيع محاضر الدخول والخروج حيث يحدد بدقة تاريخ الدخول ليحصره في 02/09/2013 في حين لم يحدد تاريخا بعينه لتوقيع محاضر الخروج واكتفى بعبارة فضفاضة هي أقرب للإبهام منها للدقة والوضوح اللازمين توفرهما في قطاع حساس من المفروض أن كل عملية فيه تخضع لبرمجة دقيقة في الزمان والمكان تستند على تخطيط مسبق ومدروس لا مكان فيه لعبارات من قبيل » إلى حين انتهاء المهام ». بعد أيام من صدور هذا المقرر أصدرت الوزارة مراسلة تؤكد فيها على عملية توقيع محاضر الخروج وأرفقتها بمطبوعات مخصصة للموقعين وأخرى لغير الموقعين دون أن تحدد تاريخا معينا لذلك، بمعنى أن عبارة » إلى حين انتهاء المهام » لازالت سارية المفعول. اختلط الأمر على المعنيين بالأمر من مفتشين و مسؤولين و كثرت الاجتهادات و تعددت التأويلات، فمن المسؤولين من فتح أبواب التوقيع ابتداء من تاريخ 18 و 19 يوليوز وربما قبل هذا التاريخ ، ومنهم من أخرها إلى 29 أو 31 يوليوز، علما أن هذه المراسلة بعينها سئل في شأنها السيد الوزير أمام نواب الأمة فصرح لهم أنها من مستجدات الموسم الدراسي المقبل. أمام هذا الارتجال الواضح اتخذ المفتشون قرارهم القاضي بمقاطعة عملية توقيع محاضر الخروج مستندين في ذلك على بيانات وتوضيحات نقابتهم. أمام هذا الموقف النقابي العادي جدا ثارت ثائرة السيد الوزير وأبلغ مديري الأكاديميات والنواب في اجتماع رسمي نهاية شهر يوليوز بعزمه الأكيد على حجز حوالات غير الموقعين وإرغامهم على المجيء إلى الرباط لتوقيع محاضر الخروج وتسلم حولاتهم على شكل حوالة بطاقة(حوالة صفراء)، وللتاريخ فإن إجراءا مثل هذا لم يتخذ لا في حكومات اليمين ولا في حكومات التقنقراط ولا حتى في سنوات الرصاص، ولكنه يحدث في ظل إقرار دستور جديد للبلاد وتحت مسؤولية حكومة منتخبة من الشعب.، و على مرآى ومسمع ممن يهمهم أمر السهر على تطبيق القانون . بمجرد انتهاء هذا الاجتماع تهاطلت المكالمات الهاتفية على المفتشات والمفتشين الموقعين و غير الموقعين من كل صوب وحدب لإبلاغهم قرار الوزير، تارة من باب النصح و استحضار عرى الصداقة والأخوة ليس إلا ، وتارة من باب الخوف على مصيرهم ومصير أسرهم من إجراء محتمل من لدن وزير غاضب، و أخرى من باب التخويف والترهيب والتلويح بقطع الأرزاق، مع أن الرازق الرزاق هو الله الذي بيده كل شيء بما فيه رزق الوزير نفسه. شخصيا أتفهم أن يقوم بمهمة استدراج المفتشين للتوقيع مسؤول إقليمي أو رئيس قسم أو مصلحة أو حتى موظف بسيط أوكلت إليه هذه المهمة لأن هذا من صميم عمله . أتفهم أيضا أن يوقع مفتش ما لأنه على مسافة ما من نقابة مفتشي التعليم بسبب موقف مبدئي ثابت أو جراء خلاف ظرفي مرحلي، وأتفهم كذلك أن يوقع مفتش آخر خوفا من شر رآه وشيكا ، لكن ما لم أفهمه واستغربته له حقا هو أن ينخرط في هذه المهمة جنبا إلى جنب مع الطاقم الإداري قلة من الزملاء المفتشين معبئين في ذلك كل طاقاتهم لدرجة أن منهم من بذل من الجهد ما لم يبذله أعوان الإدارة في إقناع المفتشين بخيار التوقيع .
إن قرار توقيع محاضر الخروج لهذه السنة بغض النظر عن السب أو الأسباب التي دعت نقابة المفتشين لمقاطعته هو في نظري قرار مرتجل ، وحتى نتبين جميعا بعض أوجه هذا الارتجال، أسوق أمثلة حية لما تم تسجيله من تناقض صارخ في المواقف وعدم احترام كلي للإجراءات القانونية والإدارية الجاري بها العمل حيث وقفنا مثلا على حالات غريبة تمثلت في توقيع بعض الزملاء لمحاضر الخروج بداية من 18 و 19 يوليوزز 2013 ، مما يعني حسب منطق ونصوص نظام الوظيفة العمومية أنهم دخلوا في وضعية عطلة سنوية رسمية، إ لا أننا لا حظنا أنهم انخرطوا بعد هذا التاريخ وبطلب من الإدارة في مهام إدارية وتربوية رسمية ( تصحيح، لجان تتبع، ..).
إذا علمنا أن الخروج من وضعية العطلة والدخول في وضعية العمل تتطلب قانونيا وإداريا القيام بإجراءات معينة- وهو ما لم يتم – ففي أية وضعية من الوضعيتين التاليتين يمكن إنزالهم، وضعية مزاولة العمل أم وضعية التواجد في عطلة رسمية. ثم كيف يفسر أهل القانون والتشريع أن يوقع مفتش ما محضر الخروج قبل نهاية شهر يوليوز بعشرة أيام أو تزيد ولما يطلب من الإدارة تسليمه شهادة مغادرة التراب الوطني تسلم له بتاريخ 01 غشت 2013، فأي منطق قانوني هذا الذي تتعامل به الوزارة مع هذه الفئة من موظفيها، أليس هذا دوسا صريحا على حقوقها وعلى قوانين وضوابط تدبير المرفق العمومي. ثم إن هناك على الصعيد الوطني عمليات إدارية ومالية (تخطيط، صفقات ) حددت سلفا في تواريخ لاحقة لتواريخ توقيع محاضر الخروج يتطلب إنجازها تواجد المفتش ضمن لجانها وذلك بحكم مذكرات ومراسلات السيد الوزير نفسه، فترى كيف سيتم التعامل مع هذه الحالات. أليس هذا عبث بالقانون التي ما فتئ السيد الوزير ينادي بالحرص على تطبيقه. ثم هل يعلم السيد الوزير أن الهيأة لم يسبق لها يوما أن وقعت محضر دخول أو محضر خروج وهي في هذه الحالة في حالة اشتغال مستمر وعندما يطالبها اليوم بتوقيع محضر الخروج إنما يزكي فرضية كونها في وضعية اشتغال مستمر وذلك منذ أن وقعت محضر الالتحاق بعملها وان الوزارة متهمة بقرصنة حقها في عطلة رسمية تقرها قوانين الشغل والوظيف سيرا على عادتها في قرصنة مستحقات سنوات التكوين. كيف سيكون إذن موقف السيد الوزير لو أن الهيأة تصرفت وفق منطقه هذا ورفعت دعوى قضائية للمطالبة بأشهر وسنوات من حقها في العطل الرسمية السنوية على اعتبار أنها المرة الأولى في مسارها المهني التي ستستفيد من عطلة سنوية يزكيها محضر خروج رسمي مذيل بتوقيع المشغل نفسه أو من فوض له أمر التوقيع. ببساطة كبيرة هذه مجرد أمثلة من بين أخرى تبين بالملموس ما شاب هذا القرار من عيوب قانونية وما ترتب عنه من تخبط وارتجال كنا في غنى عنه لو أن السيد الوزير تعامل مع الموضوع بما يلزم من الحكمة والتبصر. .
إنني كمفتش ملتزم بقرار النقابة الداعي إلى مقاطعة توقيع محاضر الخروج لهذه السنة ، لكن هذا لا يمنعني من التعبير عن رأيي الشخصي في الموضوع حيث قلت مرارا وفي مناسبات رسمية وغير رسمية إن توقيع محضر الخروج هو في صالح المفتش وفي غير صالح الإدارة، ولو أني على يقين من أن التوقيع من عدمه لن يقدم أو يؤخر شيئا في ملف « إصلاح وهيكلة التفتيش » . نعم هو في صالح المفتش لأنه و بمجرد توقيع محضر الخروج يكون في وضعية عطلة سنوية رسمية كباقي موظفي الدولة، يتصرف فيها كما يشاء ويريد ولن يعكر صفوها مكالمة هاتفية مستعجلة تدعوه للقيام بمهمة طارئة أملتها ضرورة ملحة . وقد حدث هذا مرارا ويحدث الآن. ولما أقول إن توقيع محضر الخروج هو في غير صالح الإدارة فهذا لكونها في حاجة لخدمات هذا الإطار على مدار السنة وليس في قترة معينة من السنة الدراسية كما يتوهم البعض ، وخاصة في المهام المستعجلة التي يفرضها سياق معين بمتطلبات و كفاءات محددة، و أتذكر ويتذكر الزملاء معي جيدا كيف أننا في عز شهر غشت من سنة 2010 انخرطنا في مختلف العمليات التي همت مباريات التوظيف والتي عرفت تنظيم الاختبارات الكتابية في بداية الشهر وعملية التصحيح في منتصفه و الاختبارات الشفهية في أسبوعه الأخير.
في نهاية هذا المقال أعود للتأكيد مرة أخرى أن عبارات » إلى حين انتهاء المهام » الواردة في المقرر الوزيري لتنظيم السنة الدراسية 2013/ 2014 الذي لا يجادل أحد في كونه وثيقة إدارية رسمية لها ما لها من قوة قانونية هي عبارات مستفزة وحاطة بالكرامة ولا علاقة لها بالقانون و لا بالحكامة وتحيل على سجل مشبع بالفكر التحكمي الاستبدادي. وعندما يتحدث واضعوها ومهندسوها عن المهام لا ندري عن أية مهام يتحدثون بالضبط. قد يقول قائل إن الأمر يتعلق بالدورة الاستدراكية لامتحانات الباكلوريا وما يترتب عنها من إجراءات تربوية وإدارية، فهذه عمليات محددة بدقة في دفتر مساطر امتحانات الباكلوريا بزمانها ومكانها ولا تحتاج إلى عبارات فضفاضة تؤطرها . وإذا كانت هناك مهام أخرى من قبيل الترتيبات المتعلقة بتحضير الدخول المدرسي المقبل فهذه أيضا عمليات مؤطرة زمانا في دلائل الوزارة ولا تحتاج لعبارات كهاته. إذن لماذا شق على الوزارة تحديد تاريخ معين لتوقيع محاضر الخروج في الوقت المناسب واكتفت بعبارات ضبابية ومسيئة معنويا لفئة من موظفيها. و ما دام الشيء بالشيء يذكر، فإن الحديث عن مهام المفتش يجرنا إلى موضوع أعمق وهو هل استطاعت الوزارة إلى حدود الساعة أن تحصر مهام واختصاصات المفتش بشكل واضح ودقيق لا مكان فيه للإبهام والتأويل. بالطبع لا، ومن يساوره شك في هذا فما عليه إلا أن يعود للنظام الأساسي لوزارة التربية الوطنية في شقه المتعلق بهيأة التفتيش ويقارنه بما يوكل للمفتش من مهام متنوعة ليقف على هذه الحقيقة. و من باب التذكير لا غير، فإن هذه نقطة من بين نقط أخرى كانت من وراء مطالبة نقابة مفتشي التعليم بوضع نظام أساسي خاص بالهيأة يحدد بدقة مهامهما واختصاصاتها حتى يعرف المفتش ما له وما عليه بالضبط كما هو جار به العمل في منظومات تربوية أخرى إقليمية وجهوية. ولتتأمل مليا في هذه العبارات السالفة الذكر من حيث مرجعيتها القانونية ودلالاتها الرمزية والأخلاقية. فهل نسيت الوزارة أم تناست، وهي التي تتوفر على مديرية من عيار مديرة المنازعات والشؤون القانونية يشرف عليها أطر عليا يقام لهم ويقعد في القانون و تعضدها مفتشية عامة بقطبين واحد تربوي والآخر إداري، أن المفتش موظف لدى الدولة بمقتضى قوانين تؤطر عمله وتحفظ له كرامته وليس عبدا في ضيعة السيد حتى يحبس في الضيعة إلى حين انتهاء مهامه التي قد لا تعرف لها نهاية لأن المتعارف عليه في تاريخ العبودية وثقافة الرفق أن العبد يظل عبدا مأمورا لا حول ولا قوة له، وأن مزاج السيد ونزواته التي لا حصر لها تظل قائمة ولا حد لها، فهل نحن عبيد حتى يعاملنا السيد الوزير بهذا المنطق. و إني على يقين تام لو أن الهيأة فكرت يوما ما في رفع شكوى لدى المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية في شأن هذه العبارات المخالفة لمبادئ وأبجديات حقوق الإنسان و المنافية للأعراف الإنسانية والقيم الأخلاقية لكانت وحدها كفيلة بوضع حد لهذه المهزلة التي لم يشهد لها تاريخ وزارة التربية الوطنية مثيل، وإلى إشعار آخر هذه هي أوضاع وزارتنا، وهذا هو واقع حال وزيرنا وتقبل الله منا و منكم الصيام والقيام.
محمد ناصري





3 Comments
بما أن السيد المفتش التربوي هو موظف بوزارة التربية الوطنية ، له واجبات وحقوق كباقي الموظفين,
يستفيذ من عطلة سنوية محددة ومظبوطة تتناسب وطبيعة المهام الموكولة له ,
فالدفاعلى مشروعية عدم توقيع محاضر الدخول والخروج هو حق يراد به باطل
فعدم التوقيع سيعطي الفرصة للبعض الإستفادة من عطل طويلة وأحيانا خارج الوطن دون رقيب أوحسيب
فالوزارة تريد ظبط عطل موظفيها وهاذا من حقها
مقال يستحق القراءة والتأمل
ليس من العدل في شيئ ن لا يوقع المفتش محضر الدخول و الخروج فهو كغيره من الموظفين يجب ان يلتزم بتوجيهات السلطة الوصية . كفى من التسيب و دعوا الوزير يعمل.