Home»International»بنكيران: خريف البطريرك

بنكيران: خريف البطريرك

0
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الإدريسي

حافلات أثينا للوصول الى اسبرطة:
بعد طول انقطاع التقى صديقان،وقد بلغا أرذل العمر:
سأل أحدهم الآخر: كيف حال البعيدين؟ فكان الجواب:صارا قريبين. وسأله ثانية: كيف حال الاثنين؟ أجابه: صارا ثلاثة. وسأله ثالثة: كيف حال الجماعة؟   فأجاب: تفرقت.
وحتى لا تتفرق بكم السبل إليكم تفسير الأسئلة والأجوبة معا:
-البعيدان هما العينان في شبابهما،حيث مدى الرؤية بعيد. -الاثنان هما الرجلان؛وإذ وهن العظم صارا ثلاثة (العكاز). -الجماعة تعني الأسنان الشابة المتراصة؛يأتي عليها الزمان فتتساقط.

بدا لي أن هذا التوصيف الشعبي الحكيم لخريف العمر ،ينطبق،إلى حد بعيد،على المستقبل السياسي للأمين العام لحزب العدالة والتنمية،بعد أن تنتهي –أو تُنهى- ولايته على رأس الحكومة المغربية التي ليس أمامها ؛بعد أن عرفت التآكل  ،و تعرف الترميم،  سوى الانهيار.تماما كالأسوار الترابية في مدننا العتيقة .
لقد واكبتُ ،كما يشهد بذلك الأرشيف الرقمي،أداء هذا الرجل، عبر محطات عديدة – بدءا من ركوبه على حركة20 فبراير،وهو لم ينزل بعد- أكثر مما انتقدت أداء حكومته،التي دشنت عملها بانقلاب مذهل على أغلب محاور تصريحها ؛وهي تعلم أن شرعيتها مستمدة من التصويت الايجابي عليه من طرف الأغلبية ،وليس من صناديق الاقتراع ،كما تُشنَّف آذاننا بمناسبة وغير مناسبة.
شرعية التصويت النيابي ناسخة لشرعية الصناديق ،حتى وهي تزكيها.ولمن يجادل أقول:لو افترضنا أن التصريح رُفض نيابيا فهل تقوم شرعية الصناديق مقامه ،وتمضي الحكومة في تطبيق برنامج مرفوض؟  الرفض متصور حتى من الأغلبية، في برلمان يتشكل ،ليس من فرق راسخة في قناعاتها، وإنما من كثبان رملية تذروها الرياح.
استحضروا أن فريق الأحرار كان ضمن جبهة الرفض ؛وهاهو اليوم كالإبل،غناؤها الحُداء ؛كما قال الشاعر. ثم صفقوا على فريق الميزان ،وهو يحبو في المعارضة الحالية.
لم يدخر الرجل جهدا في الإزراء بمؤسسة رئاسة الحكومة،رغم أنها تدلي بدستور لم يجف مداده.
حتى بدا وكأن عقارب الزمن المغربي عادت إلى بدايات الاستقلال ،حيث كان على الحكومة الأولى أن تتلمس طريقها ،وتبدع في كل شيء،محاصرة بانتظارات شعبية لا حصر لها.
بدا وزراء حزب العدالة والتنمية ؛ إذ أقبلوا على « البصارة » و »الزعبول » والتبضع من جوطية يعقوب المنصور،وركوب الدرجة الثانية في القطارات ،وكأنهم يؤسسون لحكومة تنقل مجالسها إلى باب الحد، »أكورا » الرباط.
من أين هذه الممارسة الدعوية المغرضة؟     لم يسبق أن نازع المواطنون في حقوق الوزراء وامتيازاتهم المشروعة.
ركبتم حافلات أثينا، لكن صوب اسبرطة.
والحال أن مؤسسة رئاسة الحكومة/الوزراء، قائمة بكل تراكماتها ؛بما فيها تراكم اليسار ،والتناوب التوافقي.  وقد تمكنت هذه المؤسسة ،حتى دون سند دستوري صريح، من انتزاع مكاسب من عرين الأسد الذي مثلته ملكية المرحوم الحسن الثاني ،ووزيرها الأول إدريس البصري ،الفظ الغليظ القلب.
بدا بنكيران وكأن به مس من الصدر الأعظم ؛كارها حتى لدستور نقله من الدعوة الى الدولة.
كان من الطبيعي ،وهو بكل الغرور الذي تربى عليه ،من خلال انتصاراته السهلة ,داخل حزب يبايع على الطاعة ؛واذ يبايع يبايع ملكة الخطابة المقعقعة ،ولو بالشِّنان ,والضرب على الطاولة،أن يعادي الإعلام,ويتهم بالتشويش كل من انتقد ،ولو أخلص.
لم أستغرب في « غارة الشيخ بيد الله » الأخيرة، أن يكون الجواب: » أنت رئيس حكومة افعل ما تشاء ».ولم يفعل غير ما يشاء طيلة ولايته هذه.حتى مصطلحات التدبير الحكومي عاث فيها فسادا ،لفظا ومعنى .
وزراء وأسنان:
توالت العديد من الانتقادات ،بما فيها التحليلات الأكاديمية الرصينة،لقتل الصدر الأعظم في ذهن بنكيران ،ولإقناعه بأنه  مجرد عابر في مرحلة عابرة؛لأن المغرب أكثر من أن يسيره رئيس حكومة يتوقع من لسانه كل لفظ جامح ؛مما جعل بعض الأسر المحافظة تنفض من أمام التلفزة حينما يتصدى للكلام. يتوقع منه السيء ،ومن مخاطبيه الأسوأ،وصولا إلى التعري في البرلمان.
شباط لا يقبل أن يكون هناك من هو « أشبط » منه؛مادام الموسم موسم بلطجة لفظية، لم لا يشق عصا الطاعة ،ويغادر مقتلعا أسنان بنكيران ،دون تخدير. خاطبه ذات مناقرة: »أنت اختصاصي في حشيان الهدرة ،وأنا أكثر منك ».
نعم إذْ ذهب بوزرائه ذهب أيضا بأسنان بنكيران ، وتركه لغريمه ،وغريم صقور الحزب، مجرد شفتين مزمومتين على فراغ فمي لا يستطيع عضا،إلا رخوا ناعما كحلزون.
انه يفعل ما يشاء؛بدل الاستجابة لشباط ،إذ رغب – ميكانيكيا- في إكرام أنصاره بالاستوزار، والاقتصاص من خصومه،غداة غزوة البطحاء ؛ مانع ودفع صوب رفع السقف ليصبح سياسيا ؛تنجز فيه المذكرات ،الكاشفة للعورات.
« هيت لك   »  يا مزوار ،صقر قريش, أقبل فجنات الأندلس تنتظرك,افترش وافترع على هواك وبشروطك.   لم تعد رئاسة بنكيران عاضة ولا عضوضا.
الى خوارزم:
كانت تعني عند سفاح بني العباس-حينما يأمر بها- السفر بالأسير الى العوالم السفلى.
لم يعد بنكيران مقبلا ؛ برؤية واضحة للحاضر،وأخرى مستقبلية ،ناظرا إلى أفق بعيد يحلم به المغاربة.  كَلَّ بصرُه ,وصار أعشى العدالة والتنمية .يعيش ولايته يوما بعد يوم ؛ولا يستنكف أن ينكص عل عقبيه لينتظر حبل النجاة من خصم الأمس الذي قال عنه بلغته المفضلة »مافيدوش » ،وأكثر من هذا حل محل القضاء مبرئا .
ومن شدة نقاء المتهم/الحليف المنتظر، قبل البراءة السياسية ،وفضلها على براءة القضاء،التي يستقيل الوزراء في الأنظمة الديمقراطية للحصول عليها،دفاعا عن نقاء ذمته بما هو متأت لكل الناس.    غير بعيد عنا مثال الأمير هشام العلوي ،حينما اتهمت ذمته.
أي ترميم هذا الذي لا ينطلق من رؤى موحدة ،أو حدود دنيا من التفاهم.  لكن بنكيران فعال لما يريد.
لا تسألوه عن رفضه لانتخابات سابقة لأوانها لأنه سيتهمكم بالتشويش على الترميم.
كان الرجل منتصب القامة يمشي،برجلين ؛يهز عطفيه في البرلمان ،ملوحا بقاموسه في جميع الاتجاهات ،ومهددا بريبع خاص به ،يبعثه من رماد ،كطائر الفنيق؛فإذا به يبحث عن عصا ليمينه ،يتوكأ عليها ،ويهش بها على النواب ،ولا مآرب أخرى له فيها .
أي عصا هذه التي تسندك؟.أي حليف هذا الذي لا تعرف متى يصبحك أو يمسيك بنجلاء تجندلك فتهوي كسور طيني قديم مات ترابه.
ثم كانت الجماعة ،وتفرقت .بعد مسايرتك ,وتكذيب حديث الهاوية , ها هو الخبر اليقين يأتيها:
كان حزبا عتيدا ،ببرنامج يشمخ بأنفه ،وبسند شعبي ،ريعي وغير ريعي،فانتهى كما تنتهي قصيدة عذبة لكنها كاذبة.
هكذا تكاملت اجابات الشيخ، الحكيمة و الملغزة, لترسم آخر خريطة طريق لرئيس حكومة فاشل.
رغم شرعية الصناديق.
Ramdane3@gmail.com
www.histoirzkara.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *