من أسباب تحول قيمنا الأسرية

من أسباب تحول قيمنا الأسرية:
كان المغاربة يستمدُّون أهمّ قيمهم من الحضارة ومن التُّراث العربي الإسلامي ، ومن العادات والتقاليد والأعراف الجماعية والقبلية الخاصَّة بالبلاد. إن هذا النظام، الذي تَرَسَّخ عبر الزمن وتَغَذَّى باستمرار من الداخل، قد تأثر بالإسهامات الخارجية، وبالتفاعلات التي أقامها المجتمع المغربي مع محيطه، إلاَّ أنه وعلى غرار البنيات الاجتماعية، فإن الاتصال مع الغرب بوجه خاصٍّ هو الذي خلخل الخزان التقليدي للقيم بالمغرب، ووضع على المحكِّ نظام المرجعيات، بدخول قيم جديدة مرتبطة بالعلاقة مع الزمن والمكان والفرد، وبالعلاقات الاجتماعية بصفة عامَّة. وخلال العقدين الأخيرين شهد المجتمع المغربي قيمًا ومرجعيات جديدة، نتيجة العولمة الجارفة التي ترتكز على تغليب الماديات والحياة العاجلة على أية قيم مطلقة واختزال الإنسان في بعده المادي الاستهلاكي وأحيانا الشهواني .
عرفت مرجعية القيم بالمغرب إذن تحولاً، وهي تمرّ اليوم بمرحلة انتقال، تتميز بما استأنس به المغاربة من تعايش بين القيم التقليدية، و القيم الجديدة التي توجد في طور البروز و الترسّخ، ويرى الدكتور ربيع مبارك أن : » العلاقات العائلية و القيم المرتبطة بها من أهم ما لحقه التحول الاجتماعي و يلحقه باستمرار « 2
و من المعروف أن أي مجتمع يمر بمرحلة تغير تنتابه حالة من عدم وضوح الرؤية – إن صح التعبير- في القيم والمعايير فهو غير قادر على الاستمرار في التمسك بقيمه القديمة من ناحية و من ناحية أخرى غير قادر على التكيف مع القيم التي رافقت انتقاله إلى مرحلة جديدة من التطور و النمو .يقول الدكتور محمد عباس نور الدين في معرض حديثه عن الأسباب الكامنة وراء تغير القيم المغربية: » تشكل المدن فضاء فسيحا للحركة و التغير السريعين
1- قيم النفير الحضاري في مقابل قيم النفور الحضاري- ص 7- امحمد طلابي – الفرقان- العدد 60- مطبعة النجاح الجديدة – 2008 م
2- الشباب : التحول و صراع القيم- ص 18- مبارك ربيع- الشباب المغربي في افق القرن الواحد و العشرين -الجمعية المغربية للدراسات النفسية- منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية- الرباط – ط1- 1996م
بفضل عوامل كثيرة ، أبرزها انتشار : وسائل الإعلام و توسع التعليم في شكله الحديث و كذلك انتشار العمل الفردي المأجور »1
وفي ضوء هذه التحولات عرف السلوك الزواجي للمغاربة بدوره تحوُّلات ملموسة، من أبرزها الارتفاع التصاعدي للعزوبة نتيجة امتداد سنوات التمدرس ، كما أن العمل الفردي المأجور أثر على نوعية العلاقات داخل الأسرة ، كما أن تزايد عدد الأسر النووية على حساب العائلة الممتدة الشيء الذي غيّر الكثير من ملامح قيم التضامن و التآزر التي كانت سائدة إلى زمن غير بعيد. فأمام كثرة متطلبات الحياة اضطرت الكثير من النساء للخروج إلى العمل ، بل نجد الكثير من الأطفال يشتغلون في ظروف قاسية لتأمين لقمة العيش . و ترى رحمة بورقية : » أن القفزة النوعية التي عرفتها المجتمعات الحديثة تكمن في أن الأسرة و كذلك المدرسة لم تعودا مرتكزا للقيم ، بل إن هذه المرتكزات تعددت و تنوعت »2 و تضيف : » بأن تطور المجتمعات و تصاعد تعقيدها طرأ عليها تحول عميق من حيث وظيفتها و علاقتها بالقيم . « 3 فوسائل الإعلام و الاتصال الحديثة فرضت نفسها على كل أسرة و صيرت العالم إلى قرية صغيرة ، و في غياب الرقابة كان أول متضرر هو القيم الشيء الذي عقد من مهام الأسرة و المدرسة . ومما لا شك فيه أن الأسرة تعتبر وسيطا ضروريا بين الفرد و المجتمع ، و في الأسرة تتكون الملامح الرئيسية لشخصية الفرد ، و من خلالها يتمثل الفرد القيم و المعايير الاجتماعية و الأخلاقية السائدة في المجتمع لكن : » عندما تتخلى الأسرة عن القيام بهذه الوظيفة ، لن تتاح للفرد فرصة تكوين صورة إيجابية عن ذاته و عن المجتمع ، مما يؤدي إلى اضطراب في صورته عن ذاته و اهتزاز علاقته بالمجتمع ، و من تم يصبح الفرد معرضا لشتى أنواع الانحراف و السلوك المناهض للمجتمع »4
تقول الدكتورة سمية بن خلدون في معرض حديثها عن بعض الأمراض الاجتماعية التي
1- التنشئة الأسرية : رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها و الإشكاليات التي تطرحها- ص 143- مرجع سابق
2- القيم و المجتمع : الأبعاد المحلية و العالمية – ص 270- رحمة بورقية – مجلة الأكاديمية – العدد 24 – تصدرها أكاديمية المملكة المغربية – مطبعة المعارف الجديدة – الرباط سنة 2007م
3- القيم و المجتمع : الأبعاد المحلية و العالمية – ص 270- مرجع سابق
4- التنشئة الأسرية : رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها و الإشكاليات التي تطرحها- ص 148
عرفها المغرب كمؤشرات عن اهتزاز قيم الأسرة: » ارتفعتنسبةالأسرالمتخلىعنهامن طرفالزوجوكثرعددالأطفال المشردينفيالشوارعبسببالخلافاتالزوجيةوالطلاق وكثرتحالاتالشكوىلدى العديدمنالزوجاتوالأزواجبمبرراتمختلفة »1فالأسرة باعتبارها جماعة صغيرة لها ديناميتها ، ترتكز أساسا على التفاعل بين أفرادها فهو اللحمة الذي يمكنها من القيام بدورها الذاتي و الاجتماعي إلا أن الملاحظ حاليا هو: » أن الأسر أصبحت تفتقد التواصل الداخلي فيما بين أطرافها المكونة لها مما جعلها في نهاية المطاف عبارة عن أمكنة للإيواء و الإطعام و الراحة فقط »2 أما بالنسبة إلى التضامن الأسري، فقد أصبح يتعرض هو الآخر لتحوُّلات، وإن كانت ما زالت في بدايتها. ولقد أفادت أبحاث حديثة العهد أن : » العديدمنالأسر أصبحت مجردشكلاجتماعيبدونروححيثغابعنها مفهومالميثاقالغليظ،وغابتقيمالمعاشرةبالمعروفوالإحسانللأهل،ومفاهيم الرعايةوالحماية،ومنثمغابتمشاعرالمودةوالرحمةمماانعكسسلباعلىالأبناء،حيثيستحيلعلىالأسرةفيهذاالإطارأنتقومبدورالتنشئةالحضارية،مماجعل شريحةواسعةمنشباباليومعرضةللانحلالالخلقيوتعاطيالمخدراتوإتباع المذاهبالشاذة« 3 و يرى الدكتور محمد عباس نور الدين : » أن هذا التراجع في قيم التضامن و التآزر و الإيثار لم يؤد إلى اندثار هذه القيم … و إنما إلى تضييق نطاق ممارستها تحت تأثير المعطيات الجديدة للعيش في المدينة ، لا سيما ما يتعلق منها بالجانب الاقتصادي و الاجتماعي ) الدخل السكن متطلبات الشغل…(« 4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الإرشادالأسريبالمغرب: الحصيلةوالآفاق- ورقةعمل- ص 24- دة سمية بن خلدون- مؤتمر (الإرشادالأسري)-4-6 مارس الكويت ـ 2007م
2- سعادة الأسرة – ص 199- مرجع سابق
3- الإرشادالأسريبالمغرب: الحصيلةوالآفاق- ص 24
4- التنشئة الأسرية: رؤية نفسية اجتماعية تربوية لعلاقة الأسرة بأبنائها و الإشكاليات التي تطرحها- ص 144- مرجع سابق





Aucun commentaire