Home»International»بين الشدة والرحمة

بين الشدة والرحمة

2
Shares
PinterestGoogle+

 

بين الشدة والرحمة

في معرض رد أحد القراء على موضوع يتناول موقف الاسلام من الايمان والكفر ويوضح الطريقة التي تعامل بها الاسلام مع مخالفيه ، وكيف أنه لم يجبر أحدا على اعتناقه ولم يرغمه على الدخول فيه ، لأن مسألة الايمان والكفر مسألة تتعلق بالقناعة الذاتية والموقف الشخصي ابتداء ، إلا أن صاحب الرد استدل بآية من سورة الفتح وهي قوله تعالى :( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) سورة الفتح آية 29   ليوحي بأن الاسلام عامل الكفرة بالشدة والقسوة ….حسب منطوق الآية ، إلا أن هذا الاستنتاج مخالف للحقيقة التاريخية ، والآيات القرآنية ، فقد قال تعالى في سورة البقرة آية  256 (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ).

كما أن مآت الشواهد التاريخية توضح بما لا يدع مجالا للشك كيف حافظ الاسلام على حياة مخالفيه ،فقد عاش الى جنب الاسلام ملايين من الهنود والاسلام هو الحاكم في الهند لمدة عشرة قرون وكان بإمكانه التنكيل بهم وبعقيدتهم ولكنه لم يفعل ، رغم أنهم ليسوا أهل كتاب ،  كما عاش جنبا الى جنب مع الاقباط في مصر وهم نصارى ،ولم تكن جهوده لإخضاعهم او ادخالهم في الاسلام عنوة ، ومع ايمانه بخطىء اعتقادهم وانحراف تصورهم عن الله عز وجل  وعن قدرته ، لم يجبرهم على الخروج من هذا الدين والدخول في الاسلام ، بل ترك لهم حرية التدين وحرية الاعتقاد ، ونفس الشأن بالسبة ليهود ونصارى الاندلس فقد عاشوا مع المسلمين في وئام وتوافق لمآت السنين …ولكن بمجرد سقوط الاندلس بأيدي النصارى اقيمت الاعواد والمشانق ، وتكونت محاكم التفتيش لتعذيب المسلمين واليهود ، مما اضطر عددا من المسلمين واليهود للفرار بدينهم الى شمال المغرب خاصة ، فلاحظ كيف عاشت مختلف الديانات مع الاسلام آمنة مطمئنة .في مختلف بقاع العالم الاسلامي  وكيف تعملت الديانات الاخرى مع خصمها …

ونظرا لسماحة الاسلام وتسامحه  ظهرت في فترات من تاريخه حركات ونزعات تختلف كثيرا مع توجهات الاسلام العامة  وإذا لاحظ البصير كثرة الفرق الاسلامية والاجتهادات الفكرية والفلسفية في الاسلام  يعلم  مدى الحرية التي كان يتمتع بها أهل ذلك العصر .

والإسلام عندما يتحدث عن الايمان والكفر  فيرغب في الاول وينفر من الثاني ، لا يعني أن لهما نفس الاعتبار،أو يضعهما في نفس السلة ، أو أنه يغض الطرف عن الكفر وعن أئمته  طبعا لا ، فهو يشجع على الاستسلام لله ويرغب فيه ، وينهى عن الكفر والفسوق والعصيان إنما لقدرة الاسلام على التغلغل الى أعماق النفس البشرية وإقناعها من الداخل ولقناعته أنه  دين الفطرة  ، ولعلمه المسبق أن هذا الأسلوب هو الطريق الامثل لصناعة القناعات ، لذا ترك حرية الاختبار العقدي للشخص ذاته ، لأنه اذا ترك وشأنه فسيختار الفطرة  …

ولأن الاسلام اعتقاد وعمل ، وهو حالة وجدانية وعقلية يتحول الانسان بعدها الى كائن غير الذي كان ، فإنه لا يحتاج الى أن  يساق الناس اليه سوقا وإنما يعتقدون به اعتقادا ويستسلمون له  استسلاما عن طواعية وانقياد ، فيفتخرون بالانتماء اليه والاحتماء بأركانه  ، لأن الذي آمن بإرادته واختياره سيتبنى هذا الاعتقاد  ويخلص له ،  ويكون جنديا صاهرا على حمايةحدوده  والذود عن حياضه  ، بينما الذي أجبر على الايمان بفكرة ما فإنه سيتحين الفرص للانقضاض على هذه الفكرة أو هذا الدين  ، وسيكون معول هدم عوض أن يكون لبنة في البناء ، وسيكون جنديا في صفوف الاعداء رغم أنه  تواجده  بين صفوف المؤمنين .

 إن الاسلام يريد جيلا ممتثلا لفلسفته  مطيعا لأوامره مستجيبا لهديه  منافحا عن أرضه مدركا لرسالته ،وهذا الجيل لا يمكن ايجاده بالإكراه ، ولا يمكن خلقه بالقوة  والحدة ، ولا يمكن استخراجه من رحم الامة بالقهر والشدة ، وإنما بالحق والإقناع قال تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر )

ولا تعارض بين هاتين الآيتين السالفتي الذكر وبين قوله تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم ) سورة الفتح ، والتي استدل بها  القارىء .

لأن آية سورة الفتح تتحدث عن حالة المؤمنين ، وكيف هم في واقع امرهم وحقيقة هيأتهم ، فالآية لا تنشيء حكما ولا تكلف عبدا ، وإنما تتحدث عن ظاهرة معيشة بين جميع الهيآت والجمعيات والمنظمات والأحزاب والقبائل …في جميع  الأزمان ،

إذ لابد أن يحدث نوع تجاذب واتفاق بين أعضاء الجماعة الواحدة  ولابد أن يجمع بينهم ود وصدق ، نلاحظ ذلك بين مختلف التجمعات البشرية ، وبين ارباب المهن والحرف المختلفة ، فالكل يحس بنوع انتماء لهذه الجماعة فتأخذه الحماسة للدفاع عنها وعن أخطائها وخطواتها وقد تصل به الحماسة الى أن يربط مصيره بمصيرها وهذا ملاحظ مشاهد في قضايا بسيطة كالفرق الرياضية ، والجمعيات المدنية فإذا كان ذلك مستساغا مباحا في قضايا تختلف حقيقتها وأهميتها من جماعة لأخرى ومن حزب لحزب ، ومن طبقة من الناس لطبقة اخرى  فلماذا نمنعها عن المسلمين ؟

لماذا لا نريد للمسلمين أن يشكلوا وحدة أو تكتلا أو قوة ؟

لماذا ينزعج البعض من قوله تعالى ( اشداء على الكفار رحماء بينهم )  إن جميع التجمعات البشرية تكون متراحمة فيما بينها وتكون بالضرورة  متشددة بشكل أو  بآخر على غيرها .

لماذا نريد من المسلمين أن لا يرحم بعضهم بعضا ؟

 بتوجس  أن كل حب ورحمة بينهم تكون بالضرورة موجهة ضد الآخر ، ما هذا الاستنتاج الاعوج ، لماذا نبيح لكل اصناف البشر أن يرتبطوا فيما بينهم بمختلف أنواع الروابط والوشائج  ونتوجس من روابط المسلمين بدعوى أنها موجهة للآخر؟

إن حقيقة المودة بين مختلف التجمعات البشرية موجودة بين أفراد لهم أهداف مشتركة  ومعتقدات متقاربة  ، وبالتالي فإن قوله تعالى ( رحماء بينهم ) هو الأصل والذي عليه الكون كله ، فلابد أن يتراحم المؤمنون فيما بينهم ، ولابد أن يتمخض عن هذه الرحمة مواقف وسلوك من الجماعة ومن الآخر .

 

 

يحي ابراهيمي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *