المتتبع لخطب الجمعة والتي تلقى من فوق منبر رسول الله ص يلاحظ تفاوتا صارخا بين الخطباء ؛ بعضهم يعاصر الاحداث ويتناول ماله علاقة باهتمامات المصلين وبانشغالاتهم ؛ وبعضهم الاخر يعيش خارج عالمه وعصره ؛ حيث يتناول الاعم الاغلب من الخطباء مواضيع لا علاقة لها بما يحدث بالعالم العربي.

؛يخاطبون الناس وكأن شيئا لم يحدث بهذا العالم ؛ المجتمع من حولهم يغلي والشباب يقدمون انفسهم ويضحون بالغالي والنفيس من اجل ارجاع الاوضاع الى نصابها بينما الكثير منا نحن خطباء الجمعة نتعامل مع الامر وكأنه لايعنينا ؛بينما كان الاولى والاجدر بنا ان نكون اول من يتناول هذه الظاهرة – ظاهرة الثورات العربية – احقاقا للحق وازهاقا للباطل .

1-

لان خطبة الجمعة يجب ان تتناول ابتداء احداث الاسبوع ؛وليس من الضروري ان يتهجم الخطيب على طرف ما؛ وانما يبين حكم الشرع في الحرية ؛ في الاصلاح ؛؛ في الشورى ؛ في حكم الاغلبية ؛ في ازهاق ارواح المواطنين ؛ في الفساد السياسي والاداري ؛ في الاعتداء على الاملاك العمومية …اي ان يكون متابعا للساحة ؛ وان يدلي بدلوه في الاحداث الجارية ؛لانه بذلك يكون فعلا قادرا على التأثير في سامعيه فينال تقديرهم عندما يلاحظونه يبذل جهدا من اجل التأصيل للواقعة ؛ يرد الامور الى نصابها دون انحياز لطرف دون آخر ؛كما عليه ان يحاول جاهدا ان لايعطي حكما في هذه الاحداث؛ كما فعل البعض عندما حاول وبدون ادلة ان يربط كل ما يقع بالمؤامرة الغربية على العالم العربي والاسلامي ،بدون ان يبحث في الاسباب التي تراكمت عبر السنين والظلم الذي تعايشت معه الامة فأصبح جزءا من حياتها اليومية ،هذا الظلم الذي اوصل الانسان الى ان يتلف ذاته اوان يحر ق نفسه أ وان ينتحر واضعا حدا مأساويا لحياته .

2-

لان الخطيب عليه ان يهتم بأمر المسلمين ، ومن لم يهتم بأمرهم فليس منهم ، والامر الذي يشغلهم حاليا هو هذه الاحداث ؛ وعلى الخطيب ان يكون في قلب الحدث يستجمع همه وقدراته العلمية وشجاعته من أجل ان يوضح للامة موقف الشرع ودورها الذي يجب ان تلعبه ، حتى تعيد القطار الى السكة، ويأخذ كل طرف حقه الشرعي والوضعي ، اني ازعم ان تناول هذه الاحداث فيه الخير الكثير للخطيب اولا –لانه بذلك يبرئ ذمته امام الله يوم القيامة – فقد قام بمهمة التبليغ ، وثانيا للامة وللمصلين خاصة لانه اعطى حكم الشرع في المسألة وخاصة اذا قام بالتأصيل الضروري للاحداث ، ويوضح موقف الاسلام من هذا التنازع ،وإنها لفرصة يعز نظيرها لايضاح موقف الاسلام من كثير من القضايا والتي اذا تناولها الخطيب في غير هذه الاجواء قد لا تحدث نفس الاستجابة ونفس التفاعل ، لان، للاحداث استجابات معينة …

3-

الخطيب اذا لم يتناول هذه الاحداث بالموضوعية التي يجب ان يتناول بها جميع الاحداث لانه مطالب بذلك شرعا -ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى – سورة المائدة آية8 .فإن غيره سيتناولها ؛ الكل يتحدث من منطلق ما وهذا المنطلق سيحدد طريقة التعامل مع هذه الاحداث ؛ مما يجعل الناس يصدرون احكامهم عن هذه الثورات انطلاقا مما يروج ويتداول ؛ فإذا انعزل الخطيب وانزوى يخلق لنفسه عالما وهميا يخوض فيه معارك لاحقيقة لها ، وترك الواقع الحقيقي للغير فإنه يكون بذلك حكم على نفسه انه يعيش خارج التاريخ ؛ وانه اساء الى المنبر، لان المصلين يريدون حكم الاسلام وعوض ان يساعدهم على الفهم ويجلي لهم الغموض يحاول من خلال تناوله لمواضيع – اشبعت بحثا وتداولا – تشتيت الانتباه وتحويل الهم الى امور ليست من مجالات الاهتمام في الوقت الراهن على الاقل .

وأخيرا فإن الخطيب مطالب ان يتناول اهتمامات الامة الاسبوعية ،حتى لايكون متجاوزا ، وان يدلي بدلو الشرع حسب وسعه حتى تفهم الامة ، وان يحين معلوماته حتى يكون مفيدا ، لايعقل ان يتحدث الخطيب في واد والعالم من حوله في واد آخر .