برافو سي الوفا.. وما خفي أعظم

غمرتني غبطة كبيرة وأنا أقرأ لائحة الأشباح بوزارة التربية الوطنية، ومرد هذه السعادة كون السيد وزير التربية الوطنية ومنذ توليه حقيبة هذا القطاع ما فتئ يخرج بين الفينة والأخرى بقرارات تنم أن الرجل على بينة بما يعتري الجسد التعليمي من هزال وترهل بسبب الثقب الغائر الذي ظل يتسع طيلة عقود أحدثته التجارب المتتالية والتي في غالبيتها ظلت تتعامل مع القطاع التربوي التعليمي كونه قطاعا غير منتج يستنزف ميزانية الدولة متجاهلين أن تقدم البلدان رهين بقدمها العلمي وأن أي إصلاح مشتله المنظومة التربوية وكان آخرها مأساة التوظيف المباشر على عهد حكومة سي عباس الفاسي…

لست هنا بصدد وضع بروفايل للسي الوفا أو الثناء عليه وإنما ذكر ما للرجل من جرأة وتميز لدرجة أن البعض يعيبون عليه كلمة أو لحظة تدخل في صلب الروح المرحة والحميمية لبني البشر وهم بذلك جاهلون لقيمة هذا الرجل الذي تحمل مسؤولية حقيبة لفظها حزب المصباح علما أن حزب سي بنكيران انتعش بفضل رجال ونساء التعليم في فترة عرفت فيه الساحة النقابية شتى أنواع التشرذم وقد لعب المخزن لعبته… واستطاع السي الوفا أن يذيب الجليد ويكسر جدار الصمت ويوقف النزيف دون أن يلتئم الجرح لأن الجرح غائر ومتعفن لدرجة تستلزم الكي أو البتر. من هنا يأتي توقيف مدير أكاديمية أو نائب ثم التراجع عن القرار تحت تأثير ضغط القبيلة أو الحزب ثم الاقتطاع من أجور المضربين إذا لم يتم التراجع عن ذلك أو وضع حد لعبث مؤسسات التعليم الخصوصي وعملية ترأسه للمجالس الإدارية بشكل معقلن والحد النهائي من الولائم والزرود التي استنزفت ميزانية الأكاديميات وجبر الضرر الذي ألحقه ما سمي عبثا بالبرنامج الاستعجالي بقطبيه « الشمالي والجنوبي » ومشاريعه التي لم يفهمها أحد إلى الآن، وهنا أفتح عارضة لأقول أنه كلما ذكرت ما سمي بالبرنامج الاستعجال إلا وذكرت الأموال التي وزعت خلال ما سمي بالمغادرة الطوعية، ربما وجه الشبه بينهما هو المبالغ الخيالية التي صرفت في سبيلهما خاصة المتعلقة بالتعويضات والعدة.. فحبذا لو تم إعطاء تقرير مفصل عن ميزانية ما سمي بالبرنامج الاستعجالي وغيره من البرامج التي تم إسقاطها على منظومتنا التربوية لأن المحاسبة هي سبيل الشفافية والتدبير الصحيح للمال العام، ولأن واقع حالنا هو « شي يحلب شي يشد المحلب » .. لكن ما علينا « حتى زين ما خطاتو لولا » .. فالكشف عن لائحة السكنيات المحتلة والأشباح ضرب من هذه الجرأة التي يجب أن يتحلى بها المسؤول مهما كانت درجة مسؤوليته. ثم إن الكشف عن لائحة الأشباح هو بمثابة بلاغ لمن وردت أسماؤهم بها يلزمهم بتسوية وضعيتهم الإدارية وإلا سيتم توقيف راتبهم الذي ظلوا لسنوات يتقاضونه عن باطل، وهو بالمعنى الشرعي ربا، أي أكل أموال الناس بالباطل، لأن تلك الأجور المحصلة هي من جيوب أبناء هذا الشعب يؤدونها  ضرائب أرهقت ميزانية الأسر سنين طوال ولا تزال. نتساءل هنا فقط عن حقيقة الرقم لأنه يبدو صغيرا؟ ثم لماذا لم يتم الكشف عن الجهات التي ينتمي إليها هؤلاء الأشباح وعدد السنين؟ فلا أظن أن لهم وجوها يخافون أن يفقدوا ماءها.. لكن مهما يكن من أمر فإن سي الوفا تميز عن زملائه في الحكومة كونه لم يكتف بنشر لائحة الأشباح بل اتخذ قرارا بتوقيف رواتبهم في حالة عدم تسوية وضعيتهم، عكس بعض زملائه في الحكومة الذين نشروا اللوائح جزئيا أو كليا مثل وزارة الثقافة أو مقالع الرمال دون اتخاذ قرار الجزر أو المتابعة لأن ملف الأشباح ممتد داخل جميع القطاعات وبشكل مريب. علق أحد أصدقائي الطرفاء على حالة الأشباح قائلا: « قد تشتري النعناع من بائع بشكل يومي وقد يكون الرجل شبحا في قطاع ما ».

يستدعي المقام الوقوف عند ظواهر متعدد تطال قطاع التعليم لكن مقالة كهذه لن تتسع للإحاطة بها جميعها، لكن لابأس من إبداء ملاحظة أعتقد أن لها علاقة بالأشباح. فالشبح قد يأخذ أجرا ولا يؤدي عملا أو يتحرك دون حركة أو يواظب على الحضور بجسده دون أن تكون له مردودية فيصبح حضوره كعدمه ثم هناك فئات داخل المنظومة التعليمية لا تؤدي دورا واصحابها يعيشون عالة التوما إلى ذلك من تجليات الشبح.. فكثيرا ما يثير انتباهي وأنا أمر قرب مؤسسة تعليمية بمختلف أسلاكها، وجود أساتذة أو أستاذات في سن الزهور داخل الوسط الحضري مقابل أناس قضوا جل عمرهم خارج المدينة بين الفرعيات المدرسية أو بعيدا عن الأهل ينتظرون نتائج الحركة. والحركة إذا عبثنا بأحرفها تحولت إلى « الحكرة »، هذا في الوقت الذي يغرق غيرهم في مستنقع الأشباح من هنا يحق لنا التساؤل عن وجوب إعادة النظر في الميكانيزمات التي تضبط الحركة الانتقالية؟ .. وللحديث بقية إن شاء الله.. والله مالك الأرض وما عليها وإليه تحشرون

محمد حماس