حافظ المغرب
حافظ المغرب:
هو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي كنيته أبو عمر و يلقب بجمال الدين . ولد سنة368 هـ من أبرز علماء المذهب المالكي و اشهر أئمة الأعلام الذين سطع نجمهم و ذاع صيتهم و طارت شهرتهم و علا شانهم و قدرهم بين علماء الإسلام و سخروا جهودهم لنشر الدين الإسلامي و إفشاء معارفه و بث علومه و وقفوا حياتهم على التدريس و التأليف و الدفاع عن السنة و نبد البدعة, فقد كان رحمه الله محدثا متضلعا فقيها محصلا مستوعبا لكثير من العلوم الإسلامية, مفسرا مقتدرا إماما في الحديث و علومه, و الفقه و أصوله ضالعا في النحو و قواعده, جمع فاوعى و فاق علماء وقته فقها و فهما فجمع في ذلك ما لم يجمعه أحد من أهل عصره, و رحل الناس إليه و عولوا في الرواية عليه, و قد اتفق علماء السلف و الخلف على سمو شانه و علو مقامه و بعد غوره و انه كامل الأدوات في الحديث و علومه و الفقه و أصوله, تشهد بذلك كتب التراجم التي حفلت بالحديث عن حياته و إمامته و اجتهاده, هو الأمام الحجة، شيخ الإسلام و حافظ المغرب ، أطلق عليه أصحاب التراجم شيخ علماء الأندلس و كبير محدثيها و إمام عصره .من شيوخه ابن الفرضي و الظلمنكي و احمد بن فتح الرسان و ابن سهل و الاقليشي و من تلاميذه ابن الوراق و الجذامي و ابن عون المعافري و ابن حمدين و الهوزلي و البكري . و قد نعته شيوخ عصره و زمانه بجلال العلم و النباهة و الرسوخ و الدراية ودلت مصنفاته القيمة التي تزخر بها المكتبة الإسلامية على غزارة علمه في مضمار التفسير والحديث والأدب والمناظرة وفي مقدمتها مؤلفه الموسوم بعنوان التمهيد لمافي الموطأ من المعاني والأسانيد,فقد درس فيه رحمه الله مجموع أحاديث الموطأ فوصل منقطعها واسند مرسلها وبين طرقها واختلاف رواياتها وجودة متونها وشرح غوامضها واستخرج ما تتضمنه من أحكام واداب ومواعظ وحكم مستدلا في عرض الأحكام بأقوال فقهاء الأمصار وأدلة آرائهم دون تعصب أو محابات أو انقياد.توفي رحمه الله سنة463 هـ .
كتاب التمهيد:هو المصنف الضخم الذي إذا ذكر ذكر عبد البر و من خلاله تظهر لنا مكانته العلمية و طول نفسه و هو يقع في أربع و عشرين جزءا و جزئين كفهارس و اسمه الكامل-التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد-فيه شرح لما تضمنه موطأ الإمام مالك من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و تتعدد مواضيع الكتاب و تتداخل, فهو في الحديث و علومه من مصطلح و جرح و تعديل و أحوال الرجال و أخبارهم و هو في في فقه السنة و أحكامه و مذاهبه و هو أيضا في اللغة و قواعدها و آدابها و شواهدها من شعر و نثر,و قد بين ابن عبد البر في مقدمة كتابه سبب تأليفه له فذكر انه لاحظ أن كل من خرج أحاديث الموطأ زعم انه سيقتصر على المسند و سيترك المنقطع و المرسل إلا أن أي واحد لم يلتزم بما شرطه و لم يوف بما عاهد عليه فقد وقع لهم خلط و التباس فادخلوا المنقطع في باب المتصل و المرسل في المسند , و لعل ما يهمنا في سياق عرضنا المتواضع هو مدخل الكتاب و هو عبارة عن رسالة في مصطلح الحديث و قد بدأه بباب معرفة المرسل و المسند و المنقطع و الموقوف و معنى التدليس ثم تعرض لباب التدليس و من يقبل مرسله و من لا يقبل منه ذلك.
منهج ابن عبد البر في دراسة النص الحديثي :
يتمثل منهج ابن عبد البر في كونه » يورد الحديث على الصورة التي وصل إليها بها فيفحصه كالطبيب المعالج فينظر ما به من أدواء فيسلط عليه الأسئلة التالية: هل هو مكتمل البنية لا إسقاط فيه و لا خلل. ثم هذا البناء هل هو صحيح لا غش فيه و لا تدليس. فإذا كان مكتمل البناء فهو المسند المتصل، و إذا لم يكن كذلك و ظهر إسقاط و خلل أكمله. و بعد أن يذكر الحديث يكر عليه بالنقد و التمحيص – سندا و متنا – فيبين درجته و ينزل رواته منازلهم .فان انتهى من السند آو أقامه على السداد اخد في متن الحديث يختبر ألفاظه و كلماته فربما أدرجت كلمة آو حرفت عن وجهها آو سقطت منها جملة آو عبارة برمتها فان استقام المتن على الوجه الصحيح شرح ما في لفظ الحديث من كلمات غريبة آو عبارات غامضة و من هنا يخلص لما في الحديث من أحكام الفقه و آداب الإسلام و يعرض ما استنبطه على آراء الصحابة و التابعين و الأئمة المجتهدين و إذ يفرغ من الرواية و النقل يبدا في النقد و التعليق فيأخذ في مناقشة الآراء و يقارن بينها و ينقد الحجج التي استندت إليها ثم يعرض الرأي الذي يرتضيه معززا بالحجج و البراهين « 9.و هذا ما يؤكده محمد بنيعيش بقوله : » كان منهجه يقوم على البرهنة و الاستشهادات الكثيرة و على أسلوب الإقناع و المنطق و الاستطرادات و هو منهج فريد من نوعه…فهو يأتي بالحديث الذي يناسب الموضوع ثم يأتي بالطرق الأخرى التي روي بها هذا الحديث، و في حالة نقدها يأتي بها جميعا و لو وصلت ما وصلت و ذلك لتصحيح حديث الباب، آو لتأييد الفكرة التي عقد لها الباب فيقابلها و يقارنها و عند دراسته لحديث الباب آو لفكرة من الأفكار لا يترك صغيرة و لا كبيرة إلا و أشبعها بحثا، فيبدا بجمع الطرق المختلفة التي روي بها الحديث آو المعنى و يناقشها مناقشة علمية و منهجية ليطلع القارئ على الفرق بينها…ثم يكر بعد ذلك بالنقد و التمحيص متنا و سندا فإذا قضى وطره من ذلك اقبل على الحديث فيبين ما اشتمل عليه من أحكام فقهية و قواعد أخلاقية و لا يفوته عند الحاجة أن يفسر الغريب من مفردات الحديث آو الشعر و يمكن تلخيص منهجه فيما يلي :
1- جمع كل ما روي و قيل في الباب آو الموضوع من حديث آو أي آو شعر آو حكم.
2- ترجمة الرواة و تعديلهم آو تجريحهم
3- شرح ما استعجم من الألفاظ
4- وصل كل مقطوع آو مرسل من الأحاديث المعقود لها الباب.
5- مناقشة الفكرة مناقشة دقيقة و عميقة.
6- إعطاء النتائج و الأحكام التي توصل إليها. »




Aucun commentaire