Home»Enseignement»أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي الجزء السادس: واقع المؤسسات المجتمعية وآثارها على الطفل/ المتعلم

أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي الجزء السادس: واقع المؤسسات المجتمعية وآثارها على الطفل/ المتعلم

0
Shares
PinterestGoogle+
 

أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي 

الجزء السادس: واقع المؤسسات المجتمعية وآثارها على الطفل/ المتعلم 

بقلم: نهاري امبارك*

لقد عرف قطاع التعليم بالمغرب، ومنذ فجر الاستقلال إلى اليوم، أي على امتداد أكثر من نصف قرن، عدة إصلاحات، تعاقبت بتعاقب الحقب الزمانية والأجيال المتوالية، حيث شكلت عدة مجموعات من اللجان التي انكبت على النظر في قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصوراتها والغايات المرسومة لمنظومة التربية والتكوين، ما كان يؤدي إلى فشل هذه الإصلاحات دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع الأصعدة، منها الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.

حيث إن أي متتبع أو متفحص لهذه الإصلاحات، يلمس بكل بساطة مجموعة من الاختلالات، أدت إلى فشل هذه الإصلاحات، يمكن إيجازها في النقاط التالية:

¨   تغييب وتهميش القوى الاجتماعية ومختلف المكونات والقطاعات والمؤسسات والهيئات التي تنهض عليها سياسة تدبير شؤون الدولة؛

¨   فضفضة وعدم إجرائية صياغة التدابير والمقترحات الإصلاحية التي تغرق في جزئيات وشكليات لا تمس جوهر وواقع الحاجيات الأساسية والضرورية للرقي بمنظومة التربية والتكوين ونهضة المجتمع وتقدمه؛

¨   عدم التركيز على الدعامات والمرتكزات الحقيقية التي تنهض عليها المنظومة التربوية والتكوينية وترتبط بها بشكل عضوي ومباشر؛

Ø   فما هي الدعامات والأسس والمرتكزات الحقيقية لإصلاح تعليمي هادف وناجع يروم نهضة المجتمع ورقيه في ارتباطه بالمؤسسات المجتمعية برمتها الاجتماعية، منها والثقافية والاقتصادية والقضائية والأمنية والخدماتية والرياضية….وغيرها؟

حيث، في اعتقادنا، أن أي إصلاح تعليمي يتناول، فقط، بالمعالجة والدرس والتحليل البرامج والمناهج والمقررات الدراسية والكتب المدرسية، ويرفع شعارات، ويقدم إنشاءات شمولية وفضفاضة، لن يجدي نفعا، ولن يتجاوب مع الغايات المرسومة، ولن يحقق الأهداف المسطرة، ما دام لم تصاحبه، أو على الأصح، لم تسبقه إصلاحات جذرية وعميقة لجميع المؤسسات بالمجتمع، بكل أنواعها ومجالاتها وأدوارها ووظائفها، التي ينهض عليها المجتمع وتعمل على تصريف السياسة المنتهجة في تدبير شؤون الحياة المجتمعية برمتها.

وحتى نجيب قدر الإمكان على سؤال الإشكالية المطروحة، سوف نعرض، هذه المؤسسات المحتضنة للدعامات والأسس والمرتكزات الحقيقية لإصلاح التعليم، والخدمات المنتظرة منها والأدوار الحقيقية الموكولة إليها، مع مراعاة أهميتها البالغة في المجتمع، وتحديد العناية الفائقة التي يجب إيلاؤها إياها، حتى تضطلع بمهامها، وتؤدي رسالتها السامية تجاه تربية الأجيال المتعاقبة وتكوينهم وإعدادهم للحياة الاجتماعية والمهنية، إلى جانب خدمات مضامين المقررات الدراسية والبرامج والمناهج، وبموازاة لها، أو في تكامل معها، وتعاون متبادل، أخذا وعطاء.

هذه المؤسسات المجتمعية التي ينهض عليها المجتمع برمته، تشكل، في اعتقادنا، النواة الصلبة، وحجر الزاوية الحقيقي لكل إصلاح تعليمي، المتمثلة، إضافة إلى المؤسسة الأسرية والمؤسسة والتعليمية والتكوينية، في  المؤسسات الاجتماعية والإدارية والاقتصادية والقضائية والأمنية….. وغيرها، التي نحاول مناولتها، قدر الإمكان، لإبراز ارتباطها الجدلي والعضوي بين إصلاح واقعها الوظيفي والخدماتي، والإصلاح التعليمي والتكويني، حتى تضطلع بالأدوار المنتظرة منها للنهوض بالمجال التربوي والتعليمي  والتكويني، وتساهم في الارتقاء بالعملية التربوية والتكوينية إلى أفضل المستويات. 

من المعلوم أن التربية مجموعة أنشطة أو عمليات اجتماعية هادفة، تستمد مادتها من المجتمع الذي توجد فيه، وبمختلف مؤسساته المجتمعية، إذ أنها رهينة المجتمع برمته، وأنها تستمر مع الإنسان منذ أن يولد حتى يموت. لذلك فقد كان من أهم وظائف التربية، التربية على المواطنة وإعداد الإنسان للحياة، والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به، فإما ينمو ويترعرع متشبعا بالقيم الفاضلة والأخلاق الحسنة، وإما يعاني اختلالات وسوء تربية تنعكس، سلبا، على شخصه وبالتالي على مجتعه.

ولأن هذا التأثر والتأثير لا يمكن أن يحصلا إلا من خلال المؤسسات المجتمعية المتنوعة، التي تتولى مهمة تربية الإنسان وتنظيم علاقته بغيره داخل المجتمع، وتعمل على تحقيق انسجامه المطلوب مع محيطه الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغيره، فإن العملية التربوية مستمرة ومواكبة للإنسان، وتتم من خلال مختلف المؤسسات المجتمعية التي تسهر على تربية الفرد وحمايته وتأمين حياته من أجل انسجامه وتكيفه مع محيطه وبيئته، وتنمية وعيه الإيجابي وإعداده للحياة الاجتماعية والمهنية . وتعد هذه المؤسسات المجتمعية دعامات أساسية لحماية الفرد  وتربيته التربية السليمة  حتى ينمو منفتحا وواعيا بحقوقه وواجباته.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تربية الإنسان لا تكون سليمة إلا إذا سلمت هذه المؤسسات المجتمعية من كل اختلالات وشوائب قد تعصف بتركيبتها وتشل الأدوار والمسؤوليات الحقيقية الملقاة على عاتقها.
وهنا يمكن تعريف المؤسسات المجتمعية بأنها تلك البيئات أو الأوساط التي تخدم الإنسان وتساعد على النمو الشامل لمختلف جوانب شخصيته، والتفاعل بإيجابية مع محيطه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي ...
ومن أبرز وأهم هذه المؤسسات التربوية في المجتمع، كما أسلفت الإشارة، الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق إلى جانب وسائل الإعلام والأندية ونحوها من المؤسسات المختلفة الاجتماعية والخدماتية والصناعية  وغيرها، هذه المؤسسات على الصعيد المجتمعي، تؤثر، لا محالة، في تربية الإنسان عموما والطفل على الخصوص، سواء كان هذا التأثير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .

إن هذا يعني بجلاء أن تربية الإنسان تتم، إضافة إلى المؤسسة التعليمية، من خلال عدة مؤسسات أو وسائط اجتماعية مختلفة، منها الخدماتية والأمنية والجمعوية والقضائية والرياضية، وغيرها كثير، تختلف وتتنوع باختلاف أشكالها وأنماطها وخصوصياتها ووظائفها بالمجتمع.

حيث لا توجد حدود فاصلة بين منظومة التربية والتكوين والمؤسسات المجتمعية السالفة الذكر، فإن هذه المؤسسات تعتبر رافعة التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية وتأهيل الشباب للانخراط في الحياة العملية والتنمية البشرية والخيار الديموقراطي للمجتع.

فما هو واقع هذه المؤسسات؟ وما هي الشروط اللازمة حتى تضطلع بأدوارها على أحسن وجه وتسهم في تربية وتعليم الناشئة ودمج الشباب في النسيج الاجتماعي وانخراطهم في مشاريع التنمية البشرية والخيار الديموقراطي للبلاد؟

لا أحد ينكر أنه تطالعنا يوميا وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والإلكترونية بوصلات إخبارية مثيرة حول الواقع الاجتماعي والخدماتي لأغلب المؤسسات المجتمعية، إذ تشهد اختلالات التسيير على الصعيدين الإداري والمالي نتيجة التبذير وسوء التدبير وغياب الحكامة الجيدة والديموقراطية، حيث تتخبط في كثير من الخروقات من محسوبية وزبونية وكثير من مظاهر ظواهر مشينة للتعامل الإداري من تماطل وتلكؤ وتسويف وهضم حقوق مستحقة والدوس على الواجب الوطني من تهاون وإهمال وتغيب بدون مبرر ورفض أداء ضرائب لخزينة الدولة، والتهرب من المحاسبة وتقديم حسابات للجهات المختصة.

وقد حظيت هذه الاختلالات والخروقات باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون والاجتماع وعلم السياسة، لسبر أغوار هذه الظواهر وتحديد أسبابها وآثارها اليومية على المواطن.

إن الطفل/الفرد/الإنسان كائن مرهف الإحساس، حيث منذ أن تطأ قدماه المؤسسة التربوية والتكوينية، تلميذا يافعا فمراهقا فطالبا شابا فأبا أو أما، وهو يشاهد بأم عينيه ويعيش متناقضات صارخة بين تربيته بأسرته وتربيته بمدرسته وظواهر مشينة يلمسها يوميا بالمجتمع تمس شخصه وتؤثر سلبا في كيانه ووجوده وتخدش عواطفه ووجدانه، سواء ببيئته من خلال أحداث أسرية، أو بمحيطه بدء بالشارع الذي لم يعد مدرسة، بل أصبح يعج بالموبقات ومظاهر الانحلال والانحراف والفجور وتردي الأخلاق، حتى تنتاب التلميذ شكوك في ما يتربى عليه ببيته ومدرسته من كثرة التأثر بما يجري بمحيطه وما يشاهده من سلوكات غير سوية، تخالف مبادئ التربية الأسرية والمدرسية، بمختلف المؤسسات المجتمعية التي ينهض عليها تدبير شؤون المجتمع.

وقد تشاء صدف، أن يعيش الآباء والأمهات، رفقة أبنائهم، أحداثا مشينة من نزاعات ومشادات واصطدامات، أينما حلوا وارتحلوا، إما للترفيه عن أنفسهم بحدائق عمومية، أو بملاعب رياضية، إن وجدت، أو لقضاء مآربهم، اجتماعية كانت أو اقتصادية أو ثقافية أو إدارية أو قضائية وغيرها، حيث تتشكل لديهم مواقف محبطة، حين ينهال على أسماعهم كلام فاحش في كل مكان وزمان، ويلمسون معاملات رديئة تخالف مبادئ التربية والقيم التي يتربى عليها الأطفال، وتتناولها الكتب المدرسية ويمتحن فيها التلاميذ والطلبة في مراحل عدة من مساراتهم الدراسية، إذ يعيشون حالة سلوكات وتصرفات سيئة، أوحالة تماطل للحصول على وثيقة أو خدمة بإدارة مؤسسة معينة، أو حالة تفاضل وزبونية ومحسوبية تمارس عليهم، أو حالة غش وكذب وتزييف لواقع يعيشونه، أو حالة ظلم وهضم حقوقهم جهرا وعلانية أو التفوه بكلام بذيء وفاحش يندى له الجبين، أو حالة فجور وسفور تخل بالحياء العمومي وتخدش الأحاسيس والأخلاق.

وهكذا يعيش التلاميذ والطلبة وأولياء أمورهم أحداثا ومعاملات صادمة في ميادين شتى من الحياة الاجتماعية، حيث يمكن أن يروا بأعينهم، وبشكل متكرر، إغلاق معامل ومقاولات ووحدات صناعية أو ضيعات فلاحية، وتسريح عمالها وهضم حقوقهم واستحقاقاتهم. كما يمكن أن يعيشوا حالات عنف تمارس عليهم بمؤسسة إدارية أو أمنية أو قضائية وغيرها، متمثلة في تجاوز الصلاحيات واستغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة ومخالفة المقتضيات الدستورية والقانونية، كما يمكن أن يعيشوا أحداثا سيئة بمؤسسات صحية وثقافية ورياضية وغيرها تؤثر سلبا وتحز في النفوس.

لقد أخذت المدرسة تجد نفسها منعزلة ووحيدة تقاوم الآفات والموبقات وكل أنواع الاختلالات، وتواجه تيارات عاتية تعصف بمختلف خدماتها ووظائفها، التي تتبخر في حينها، دون أن تترك بصماتها التربوية وآثار أدوارها التوجيهية والإرشادية، حيث إجمالا وأخيرا وليس آخرا، إنه  » شتان بين الهدم والبناء »، وعليه، يجب إرساء إصلاحات متكاملة ومتوازية بين جميع مكونات المجتمع حتى تقوم مختلف المؤسسات بالأدوار المنوطة بها وتحقق المدرسة النتائج المنتظرة منها.

المراجع:

§         الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، المغرب؛

§       د. عبد النبي رجواني، حول إصلاح التعليم، مساءلة الخطاب ودعوة للاستشراف، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

§       د. سعيد بحير، الصحة النفسية واضطرابات الشخصية، السيكولوجي، الكتاب الثاني، الطبعة الأولى، 2005، فاس، المغرب؛

§       أ. عبد الكريم غريب، المنهل التربوي، منشورات عالم التربية، الطبعة الأولى 2006، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

§       دة. رشيدة برادة، المدرسة المغربية كما يراها المراهقون والشباب، الطبعة الأولى 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛

§       د. حامد عبد السلام زهران، التوجيه والإرشاد النفسي، الطبعة الثالثة 1985، عالم الكتب، القاهرة، مصر.

*مفتش التوجيه التربوي، مكناس؛ بتاريخ 25 يناير 2013؛

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. أستاذ
    27/01/2013 at 11:23

    في هذه الرحلة الحرجة بالذات التي يمر بها تعليمنا، نقترح على الوزارة الوصية أن تستورد خبراء في التربية والتعليم من فرنسا أو احدى الدول الاسكندنافية، حبدا لو كانت ألمانيا، من أجل انقاذ منظومتنا وتطويرها حتى تصبح قادرة على رفع التحديات، مقابل الأئمة والفقهاء الذين يستوردونهم من عندنا في اطار التعاون وتبادل الأطر.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.