Home»Enseignement»ظواهر تؤثر في العملية التربوية : ظاهرة التلكؤ والمماطلة

ظواهر تؤثر في العملية التربوية : ظاهرة التلكؤ والمماطلة

4
Shares
PinterestGoogle+
 

ظواهر تؤثر في العملية التربوية

   I.             ظاهرة التلكؤ والمماطلة

بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس، المغرب. بتاريخ 04 شنتبر 2011.

مدخل عام:

يعتبر الإصلاح التعليمي مبادرات وآليات تروم النهوض بالمنظومة التربوية والتكوينية من أجل ضخ دم جديد في عروقها، والانتقال بها إلى مراقي متقدمة تتجاوب والحاجات الملحة التي تتطلبها كل ظرفية زمنية وفق ما تتسم به من تحولات وتغيرات على كل المستويات ، منها التربوية، والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية…

فيتم وضع استراتيجيات ، وإرساء برامج ومناهج، وبلورة مشاريع، وتسطير تدابير، ورصد موارد بشرية ومادية، ووضع جدولة الإنجاز والتنفيذ محددة المعالم، مراحل وزمانا ومكانا، من أجل تحقيق أهداف مسطرة.

ومعلوم أن أي إصلاح تعليمي يستحضر مختلف الجوانب والمتغيرات ذات الصلة بالعملية التربوية، عن طريق نصوص تشريعية تنسحب على عدة مجالات، التربوية منها والإدارية والمالية والمادية والتقنية، وذلك من حيث العلاقات، ومساطر التدبير والتسيير، والتنفيذ والإنجاز، في محاولات للتصدي لمختلف الشوائب والاختلالات والظواهر التي قد تؤثر سلبا على السير العادي للعملية التربوية، وتحول دون تحقيق الأهداف المبتغاة والمسطرة لمنظومة التربية والتكوين والفعل التربوي.

ومعلوم، كذلك، أن المدرسة، من ناحية، هي المكان الطبيعي لممارسة الفعل التربوي والتعليمي، ومن ناحية أخرى، تعتبر ساكنة اجتماعية ترتبط ارتباطا عضويا بالمحيط المدرسي (الأسرة، المجتمع، المؤسسات الاجتماعية…).

فالبيئة المدرسية والمحيط المدرسي مسئولان عن تنشئة الأطفال وتربيتهم التربية الصالحة وتعليمهم وتأهيلهم لمواجهة متطلبات الحياة والقيام بأدوارهم في المجتمع على أحسن وجه.

لكن وبالرغم من ترسانة تشريعات تنظيمية، تجد المدرسة نفسها تحت وطأة ظواهر متنوعة، تنزل بكل ثقلها على العمل التربوي والتكويني.

والظاهرة في الوسط الاجتماعي والتربوي تتمثل في سلوكات وردود أفعال جماعية يتكرر حدوثها بشكل ملفت، فتشد اهتمام الأفراد والجماعات ويتناقلونها في مختلف الأوساط.

وقد تكون الظاهرة محمودة وإيجابية فتمتدح وتعزز، وقد تكون مذمومة وسلبية فتذم وتعتبر اختراقا اجتماعيا وأخلاقيا يؤثر سلبا على المعاملات والتعاملات، فتحبط بفعلها القيم والمبادئ، وتندثر إلى، حد ما، الصفات الحميدة والمعاملات الحسنة، ليحل القبح والذم.

وقد يكتنف الظواهر الإيجابية منها التباس والتفاف، فتنقلب الحقائق أوهاما، ويصبح الفرد (الطفل، التلميذ، أي شخص)، يعيش مفارقات غريبة تحدث انقلابا في نفس البيئة ونفس المحيط، ليظهر الأفراد والجماعات، من شدة وطأتها، حيارى ومذهولين. ومن ثم فالفرد، خصوصا اليافع، الذي لم ينضج بعد، يجد نفسه تتقاذفه أمواج أحداث وظواهر متعددة ومتناقضة إلى حد ما، يعسر عليه فهمها واستيعابها، فيبتلعها مادة خاما، تتفاعل وتظهر تأثيراتها لاحقا.

وحيث إن الأسرة مهد التربية واللبنة الأولى لبناء صرح تربوي، فإن الطفل ينمو ويترعرع في كنفها، فيمتح من ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، ويفتح عينيه على كل الممارسات والسلوكات، فيستقيم بفعلها أو يعوج، إذ الإنسان ابن بيئته، ومن ثم يعيش أحداثا وظواهر يتأثر بها أخذا وعطاء، لتصبح جزء من كيانه وهويته.

فعندما يبلغ الطفل سن التمدرس، ينتقل من بيئة أسرية تمارس التربية في شكلها اللانظامي واللامؤسسي، إلى بيئة تربوية مدرسية تمارس التربية في شكلها النظامي المؤسسي، وذلك بعد أن تشبع بحمولة ثقافية معينة أسرية واجتماعية، وأصبح يستوعب كل حدث ويستثمره، كان إيجابيا أو سلبيا.

ومن ثم يعيش الطفل أحداثا وظواهر متنوعة بكل من بيئته الأسرية ومحيطه الاجتماعي على حد سواء.

ومن جملة الظواهر التي قد تؤثر سلبا، على حد سواء، في الراشدين واليافعين: ظاهرة التلكؤ والمماطلة. هذه الظاهرة المتفشية، إلى حد بعيد، والتي يتم ملامستها يوميا، في كل الأوساط، سواء داخل الأنوية الأسرية أو المؤسسات الاجتماعية أو المجتمع ككل، قد استرعت اهتمامنا كمربين ومسئولين على مجال حيوي يعتبر عصب التربية يتمثل في العمل التربوي، حيث انتشرت هذه الظاهرة وغزت المؤسسة التعليمية ومختلف الفضاءات التربوية.

فما هي ظاهرة التلكؤ والمماطلة؟ وكيف تؤثر في العملية التربوية؟ وكيف يمكن معالجتها أو الحد منها؟

سنحاول مناولة هذه الأسئلة بالدرس والتحليل باعتماد بعض المراجع، وانطلاقا من تجاربنا الشخصية، وملاحظاتنا المتكررة ضمن البيئة الأسرية والاجتماعية بمجتمعنا، ومعايشتنا للواقع الاجتماعي والتربوي ضمن مجالات اشتغالنا ومعاشرتنا للتلاميذ وآبائهم وأوليائهم والقائمين على الفعل التربوي والتعليمي.

    I.             ظاهرة التلكؤ والمماطلة تربويا واجتماعيا:

تبدو المفردتان المشكلتان للظاهرة المدروسة، في سياق الحديث والتواصل اللفظي واللغوي، مترادفتين ومكملة الواحدة للأخرى. فالتلكؤ، ودون الخوض في تعاريف واصطلاحات متشعبة، يفيد التباطؤ والإبطاء إلى غاية الامتناع ورفض إنجاز وتنفيذ مطلوب دون التصريح بالمقصود، وذلك عن طريق الإرجاءات والتأخيرات المتكررة، تنم عن الرفض أو الإهمال والكسل واللامبالاة. أما المماطلة فتتحدد في تمديد مدة إنجاز طلب إلى غاية إصابة صاحبه بالإحباط واليأس والتخلي عنه، اعتقادا واقتناعا، أو رضوخا وانصياعا …وتقترن مفردتا التلكؤ والمماطلة، بمدى الاستقبال والتسويف، دلالة على التأخير والتأجيل إلى حين معلوم أو غالبا غير معلوم، وذلك عن قصد أو عن غير قصد،  نظرا لعدة أسباب مادية منها ومعنوية يتستر الفرد المماطل والمتلكئ وراءها.

فعندما نمتح من ثقافة البيئة الأسرية، نلمس الظاهرة تتخذ أشكالا وأنواعا، لأسباب وعوامل متعددة ومتنوعة، مادية منها ومعنوية، تؤدي بالآباء والأمهات إلى ارتكاب أخطاء جسيمة في حق أبنائهم، فيحرمونهم العطف والحنان، ويرفضون، عن قصد أو عن غير قصد، وعيا منهم أو كرها، تلبية حاجيات أبنائهم متلكئين ومماطلين، تحت طائلة من الأعذار والمبررات التي لا يتأخر انكشافها من طرف الأطفال، فتترسخ لديهم قناعات واعتقادات تتحول إلى سلوكات لا يرى الأطفال أي حرج في ممارستها ، اقتناعا أو قسرا.

وعندما نمتح من ثقافة البيئة الاجتماعية نلمس الظاهرة منتشرة على نطاق واسع في مختلف الأجهزة الإدارية والمؤسسات الاجتماعية، حيث تأجيل وتأخير قضاء أغراض الناس، لأسباب متعددة، يعتبر عملة سائدة ومألوفة من طرف المواطنين راضين أو مكرهين.

وهكذا باتت ظاهرة التلكؤ والمماطلة المتجلية في تأجيل وتأخير إنجاز عمليات أو تقديم خدمات تربوية واجتماعية وإدارية تحت طائلة مبررات واهية ، تغزو جميع الأوساط وعلى جميع المستويات، حيث يظهر الطفل داخل أسرته محبطا، جراء حرمانه حاجياته الأساسية، كما يظهر المواطن يائسا ومتذمرا اتجاه إدارة أو مؤسسة، لم تستجب لطلبه وحرمته حقه المشروع، فأضاعت عليه فرصا لن تعوض. كما يظهر المدرس متجهما على إثر عدم إنجاز جل التلاميذ، إن لم نقل كلهم، واجباتهم المنزلية حيث تبدو مجهوداته تضيع هباء منثورا.

لقد اتخذت الظاهرة أبعادا متشابكة، وطالت ميادين ومجالات متعددة، وأضحت سلوكا، في إطار التعامل والمعاملات، تربويا واجتماعيا، فغدا ما يصدر عن أب اتجاه أطفاله وأسرته من عدم قضاء حاجات أساسية، تحت طائلة مبررات واهية، يصدر عن مستخدم اتجاه المواطنين بإدارة أو مؤسسة خدماتية، كانت، أو اجتماعية أو تربوية، ويصدر عن مقاول أو ممون أو مزود، ويصدر عن أي شخص يخل بالتزاماته ولا يقدر مسؤولياته، وبالتالي يخل بالوعد وينقض العهد، غير مبال بما يمكن أن يترتب على ذلك من أضرار على المستوى النفسي والتربوي والعلائقي والاجتماعي والإداري.

ويتم تسجيل، بكل وضوح، انتشار الظاهرة على نطاق واسع تحت طائلة من الادعاءات، حيث يتأخر ترميم مؤسسة تعليمية، أو إصلاح بعض أجنحتها، أو بناء حجرات مضافة، لتستمر الأشغال خلال فترة الدراسة. كما يتأخر تزويد مكتبة مدرسية بكتب المقررات والكتب الترفيهية. ويتأخر تزويد المخابر والمحارف بالتجهيزات والأدوات والمعينات البيداغوجية، ويتأخر الدخول المدرسي، ويتأخر الإنجاز الفعلي للدروس والمقررات، وتتأخر الفروض وتتأخر الامتحانات…..  .  

II.             آثار وانعكاسات ظاهرة التلكؤ والمماطلة على العملية التربوية:

بعد انصرام عطلة صيفية ساخنة ماديا ومعنويا، يطل موسم دراسي جديد، تضبطه تشريعات مدرسية، وتحدد جدولة زمنية رسمية مواعيد مختلف العمليات والأنشطة والإجراءات التربوية والإدارية المصاحبة، من أجل تنظيمها وإنجازها على امتداد السنة الدراسية، حتى  تمر في ظروف عادية، لضمان مردودية مدرسية مقبولة، وجودة تعليمية وفق الأهداف التي تسطرها مختلف التشريعات المدرسية. فالنصوص التشريعية المنظمة، تحدد فترات إنجاز جميع الأنشطة التربوية والإدارية والتقنية منذ الدخول المدرسي إلى غاية آخر يوم من السنة الدراسية، آخذة بعين الاعتبار حجم المقررات والحصص الدراسية الأسبوعية والشهرية والسنوية والامتحانات الدورية والإشهادية.

فهل تتم هذه العمليات في فتراتها المحددة؟ وكيف تتجلى ظاهرة التلكؤ والمماطلة في المجال التربوي والتعليمي؟ وما هي آثارها وانعكاساتها على العملية التربوية؟

إن أول عملية إدارية وتربوية أساسية يرتكز عليها انطلاق الموسم الدراسي هي عملية التسجيل وإعادة التسجيل، هذه العملية التي تستغرق فترة أطول مما هو مخصص لها، تحدث اختراقا وشرخا في العملية التربوية ككل، حيث إن هذا الاختراق ينعكس على عمليات مبرمجة فتتأجل كرها وقسرا، ما يؤثر لاحقا على عمليات تربوية متسلسلة في الزمان والمكان ومرتبطة، حيث الفصل بينها يبدو فعلا تعسفيا.

وهكذا وتحت طائلة من التبريرات الواهية، يلتجئ التلاميذ إلى افتعال أعذار واهية دأبوا عليها وتعودوا، في وضعيات مماثلة، ضمن أوساطهم الأسرية والاجتماعية، فتتأثر بفعل ذلك مختلف العمليات الإدارية والتربوية المبرمجة مسبقا، وتشهد تأجيلات وتأخيرات متوالية، ويهدر، تحت وطأة ذلك، الزمن المدرسي.

فالتلاميذ لا يقدمون على تسجيل أنفسهم في الفترة الزمنية المحددة، مبررين ذلك، كما يحدث فعلا في الأوساط  الأسرية والمؤسسات الاجتماعية والإدارية، تارة، بعدم توفرهم على المبالغ المالية المطلوبة، وتارة أخرى، بغياب أولياء أمورهم أو انتظارهم الحصول على الأجر الشهري، وما إلى ذلك كثير…والتلاميذ وهم يتسترون وراء هذه التبريرات، يستهدفون قضايا متعددة: استعمال زمن معين، مجموعة أساتذة….ويستمر بعض التلاميذ يماطلون ويتلكأون أمام أنظار الأطر الإدارية والتربوية المسئولة. فمن التلاميذ من يدعي تغيير القسم، ومنهم من يدعي تغيير الشعبة، ومنهم من يدعي تغيير المؤسسة…وما وراء ذلك إلا المراوغات واللامبالاة والاستهتار، وتفريغ ثقافة المماطلة والتلكؤ بالمؤسسة التعليمية، هذه الثقافة التي تشبعوا بها وعاشوها ويعيشونها صباح مساء، في البيت الأسري، في الشارع، في الأماكن العمومية…..

وما تلبث هذه الوضعية أن تنعكس على الأساتذة الذين هم بدورهم، يبررون عدم انطلاق الدروس، فعلا وممارسة، بعدم التحاق التلاميذ، أو عدم اكتمال عدد الحضور من التلاميذ قانونيا تجنبا لإعادة إلقاء الدرس، فيتم تأخير إنجاز الدروس إلى حين. وهكذا تلقي الظاهرة بظلالها، وتنزل بثقلها على مختلف الجهات والأطراف وتنتشر، وتؤثر على مختلف العمليات الإدارية والتربوية، فيلاحظ غياب ورقة الغياب التي تضبط حضور التلاميذ، ويلاحظ غياب دفاتر النصوص، فيتخذ الأساتذة من هذا وذاك مبررات لتأجيل إنجاز الدروس، ليمكث بعضهم في شبه عطلة، متناسين عنصر الزمن الذي لا يرحم أمام مقررات طويلة ومكثفة، تتشعب أبوابها وفقراتها تدريجيا مع مرور السنة الدراسية.

وبطبيعة الحال، كل تأخير أو تأجيل إنجاز درس أو دروس، ينجم عنه تأخير تمارين التثبيت، وبحوث التعميق، وفروض التقويم ، وقد تتأخر الامتحانات الدورية والإشهادية، ما يدفع الأساتذة إلى الالتجاء إلى عمليات استدراك تتخذ أشكالا وأنواعا. فمن تكثيف الدروس داخل الحصة الواحدة عن طريق الإلقاء، إلى ظاهرة النسخ الجاهزة للقراءة التي لا تتيح التركيز والفهم والاستيعاب، الأمر الذي لا يخلو من انعكاسات سلبية على التحصيل الدراسي، ثم النتائج المدرسية، ما يؤثر سلبا على سير العملية التربوية، حيث تبدو الأهداف المتوخاة  بعيدة التحقيق. 

ونفس الانعكاسات على العملية التربوية لا تقل وقعا عن سابقاتها، تتجلى في ممارسة فعل المماطلة والتلكؤ صادرعن مجموعة من المسئولين ذوي الصلة بالمنظومة التربوية، والمؤسسة التعليمية، حسب مهامهم وتخصصاتهم، فيتم تسجيل بجلاء، تأخير ترميم أو إصلاح أو بناء مرافق معينة بالفضاء التربوي إلى حين انطلاق الدروس، ما ينتج عنه إزعاج للساكنة المدرسية، حيث يجري الحوار بين التلاميذ والأساتذة في ظروف سيئة، فيبتر التواصل ويختل الإلقاء وملخصات الدروس، الشيء الذي ينعكس سلبا على الفهم والاستيعاب.  كما يتم تأخير تزويد التلاميذ بكتب المقررات، وغير ذلك كثير من الأنشطة والعمليات التي تتأخر عن مواعيدها المحددة، فتبدو تأثيراتها جلية على العملية التربوية، حيث تنجز دروس علمية أو تقنية دون أشغال تطبيقية في انتظار تزويد المخابر والمحارف بأدوات وآليات وتجهيزات التجريب، ما ينتج عنه هزالة التحصيل الدراسي وتقهقر النتائج المدرسية، الشيء الذي يؤدي بالعملية التربوية إلى عكس ما هو منتظر منها وما مسطر لها نظريا.

وعلى العموم، قد تسم الظاهرة مستويات إدارية وتربوية مختلفة، أفقيا وعموديا، تتجلى بكل وضوح في تأجيل أو تأخير اتخاذ قرارات حاسمة يمكن أن تفصل في قضايا متعددة تجثم بكل ثقلها، وتقف حجرة عثرة، أمام السير العادي لمختلف العمليات الإدارية والتربوية بالمؤسسات التعليمية.  

خاتمة:

من خلال ما تقدم، وجراء انتشار ظاهرة المماطلة والتلكؤ على نطاق واسع وملموس، سواء على الصعيد الأسري أو الاجتماعي أو المؤسسي، يبدو، عموما، انفصال واضح ومفارقات صارخة ومثيرة، عمليا، بين التربية والممارسات الأسرية والاجتماعية من جهة والمضامين القيمية والأخلاقية المصرح بها بالميثاق الوطني للتربية والتكوين على أنه « … لتكون المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، المتسم بالاعتدال والتسامح… »، والمسطرة بالكتب والمقررات الدراسية، حتى يخال للمرء أن المدرسة غزتها الظاهرة غزوا، أو حتى يخال أن المدرسة أصبحت عاجزة على معالجة هذه الظاهرة، أو على الأرجح، عاجزة على معالجة  ظواهر أخرى لا تقل وطأة ومفعولا، سنعرض إليها، بالدرس والتحليل، في مواضيع لاحقة.

فهل الإنسان أو الفرد اليافع والراشد، على حد سواء، بمجتمعنا، أصبح منحط السلوك، ومجردا من القيم الأخلاقية، من أجل مصالح شخصية، حتى يلتجئ على جميع المستويات والأصعدة، إلى أساليب ملتوية، ويبرع في اختلاق مبررات وأعذار واهية لعدم قيامه بواجبه؟

وهل جميع المؤسسات الاجتماعية والتربوية، ووسائل التوعية والإرشاد، والتشريعات والقوانين، أصبحت متجاوزة وعاجزة عن معالجة هذه الظاهرة السيئة والتصدي لها، لتعديل السلوكات وتقويمها، وإرساء معاملات نزيهة وواقعية؟

إن تفشي ظاهرة المماطلة والتلكؤ، التي تتأسس على أقبح الأعمال، وأحط الأخلاق، وأرذل الصفات، من قبيل المراغة والتلاعب والكذب …أضحت تضرب، عموما، منظومة قيم أخلاقية متكاملة وصفات حميدة، من قبيل، الصدق والثقة والوفاء بالعهد والإخلاص…، وتضعها محل تساؤل حول مدى الأهداف والفائدة من تلقينها نظريا بالمؤسسات التعليمية، وتداولها قولا بالمؤسسات الاجتماعية والإدارية، إن لم تطبق فعلا وممارسة واقعيا وميدانيا، ولم تتمثل في التعامل والمعاملات الحسنة والنزيهة بين الأفراد والجماعات وعلى جميع المستويات والمؤسسات الاجتماعية والتربوية على حد سواء.

في هذا الوضع الذي يعاني تناقضات ومفارقات جلية، على صعيد التنظير والتطبيق، وعلى صعيد القول والفعل، يبدو، في اعتقادنا، التساؤل التالي مشروعا: هل تعتبر المدرسة وحدها المؤسسة الحامية لمنظومة القيم، والساهرة على التربية القويمة والأخلاق الفاضلة، وننتظر منها الانفتاح على محيطها الذي يشمل مؤسسات اجتماعية وإدارية وخدماتية وقانونية….غير متعاونة وغير مسهمة، عموما، بالشكل المطلوب، في الفعل التربوي والإرشاد والتوعية الاجتماعية والثقافية؟

نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.

المراجع:

 الميثاق الوطني للتربية والتكوين، يناير 2000، الرباط، المغرب.

 مصطفى محسن، في المسألة التربوية، نحو منظور سوسيولوجي منفتح، الطبعة الثانية، 2002، بيروت، لبنان.

 محمد آيت موحى – عبد اللطيف الفارابي، سلسلة علوم التربية، العدد 8، القيم والمواقف، الشركة المغربية للطباعة والنشر، 1992، الرباط، المغرب.

 جماعة من الباحثين، مجلة علوم التربية، دورية مغربية فصلية متخصصة، العدد47، مارس 2011، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.

 المنجد في اللغة والأعلام، الطبعة الخامسة والثلاثون، 1996، منشورات دار الشرق، بيروت، لبنان.

·        Dictionnaire encyclopédique Auzou, édition Phlippe Auzou, 2003, Paris.

·         Assabil,   dictionnaire Arabe-Français ; Français-Arabe, collection saturne, Librairie Larousse,1983, Paris.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.