مستشاروا قطاع التعليم ومعاناة التهميش

مستشاروا قطاع التعليم
ومعاناة الاغتراب والتهميش
تقديم:
قليل هم من يعرفونه باسم المستشار في التوجيه التربوي، الأغلبية تعرفه باسم الموجه، هكذا هو اسمه عند التلاميذ و الآباء وحتى عند بعض الأطر الإدارية والتربوية بالمدرسة المغربية. على العموم هو إطار لازال جديدا بالنظر لأقدمية المؤسسة التربوية ببلادنا.
لقد كان استجابة ملحة لمنظومة تربوية أحد وظائفها تأهيل التلاميذ للحياة العملية والمهنية. وأولى خطوات هدا التأهيل حسن الاختيار، اختيار الشعبة المناسبة والتخصص المناسب، و بعد دلك اختيار المهنة المناسبة. إن التلميذ وطوال مساره الدراسي في حاجة لمن يصاحبه ويساعده على اتخاذ قرارات مصيرية ويرشده لبلورة مشروعه الشخصي والمهني، فكان لا بد من تأهيل هؤلاء الأطر بما يسمح لتأدية هده المهمة على أحسن وجه لكن حالة الاغتراب التي يعيشها هؤلاء بقطاعاتهم المدرسية جعلت ممارسة التوجيه دون وقع يذكر، اغتراب تعدت ملامحمه.
اغتراب تعددت ملامحه.
لكن الممارسة المهنية أظهرت شرخا في الخطاب الذي يدعو لمدرسة منفتحة على محيطها ممتدة الجسور مع النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، وممارسة في الميدان لم ترتق لهدا الرهان عبر تفعيل حقيقي لآلية التوجيه لضمان هدا التناغم بين المدرسة والمحيط .
ولعل من عناصر الإشكالية في التوجيه والتي يتم تجاهلها في كل إصلاح جديد :الوضع القائم للمستشارين الدين يعملون بالقطاعات المدرسية، بعد مدة من التهميش المادي والمعنوي ،فزهاء عشر سنوات أي مند ظهور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ومستشاروا القطاعات المدرسية يعانون من تهميش أدى بهم إلى العيش في حالة من الاغتراب مع محيطهم التربوي والمهني .
*مهمة تعتمد على الاقتراب وواقع يفرض الابتعاد.
بمجرد ما يتم تعيين المستشارين في قطاعات مدرسية. كل واحد منها يضم على الأقل مؤسستين تربويتين إن لم تصل إلى أربع مؤسسات. بمجموع عدد تلاميذ يقدر ب 500 تلميذ إن لم يصل إلى 3000
آلاف لكل مستشار. يجدوا أنفسهم في واقع يصعب الوصول فيه لكل تلميذ . ليس لديهم سوى مذكرة إطار، تعمها ضبابية في المهام والأدوار، هكذا وإن كان التوجيه يعتمد على القرب فإن واقع مثل هدا يفرض أن تكون تدخلاته عامة تتسم بالتباعد بين التلميذ والمستشار .
* اغتراب في المكان
بالفعل يجد المستشار في التوجيه التربوي نفسه بدون مكان وبدون زمان، فأغلبية المؤسسات لا توفر له مكانا قارا يعرفه التلاميذ كلما حضر للمؤسسة التربوية. والسبب يرجع لمؤسسات تجد صعوبة في تدبير القاعات الشاغرة حتى توفرها للاساتدة ، فكيف لها أن تفكر في مستشار تعتبره إطارا دخيل .وحتى المؤسسات التي هي في طور البناء لا تضع في حسبانها هدا الإطار التربوي الذي يحتاج لفضاء قصد إجراء مقابلات فردية مع التلاميذ أو إعلامية .
اغتراب حقيقي في في المكان يولد شعورا عند المستشار بالتهميش والنسيان .فما مدى جدية الدولة في إعطاء التوجيه أولوية ضمن أجندتها؟ .
* اغتراب في الزمان.
أما زمان تدخلات المستشار فهو على حساب الزمن الدراسي ، إذ أن اقتحامه وأخذ عشر دقائق من الأستاذ يكون على حساب التعلمات. في المقابل لا تكفي تلك الدقائق المعدودات لضمان إعلام للتلميذ يثير السؤال لديه ، ويولد شغف البحث والتحفيز، و الاهتمام بالآفاق المستقبلية وإمكانات الولوج للحياة المهنية. .أما أن يخصص حصصا سعيا منه للكشف عن القدرات الذاتية للتلميذ فهدا الأخير غير مستعد للحضور، وإن حضر فرداءة الأدوات والوسائل لا تشجعه على معاودة الحضور مرة أخرى.
*اغتراب بين أصدقاء الأمس .
ولا تقتصر المعاناة على هدا الوجه بل تزداد معاناته من خلال أطراف المحيط التربوي أو أصدقاء الأمس من أطر إداريين أو أساتذة الذين ينظرون إليه كمبعوث من النيابة جاء ليستطلع أحوال المؤسسة و أنه سيرفع تقريره النهائي لها في آخر اليوم ، مما يجعل التعامل معه يكون بتوجس شديد . كما أن تفرقه بين مؤسسات القطاع الواحد تجعل هويته مجهولة ولا يستطيع بالفعل أن يحقق دلك الانتماء المؤسساتي الذي قد يشجع التلاميذ في الإقبال عليه بدون تحفظ. إنهم يعتبرونه شخصا غريبا عن المؤسسة. لدا الزيارة الموسمية تبقى هي السبيل الوحيد للتخفيف من آلام الغربة والإحساس باللا معنى في المحيط .
اغتراب الماضي يجب استيعابه في أي خطوة لتصحيح الحاضر.
إنها غربة وأي غربة ، غربة مكانية وزمانية ، مادية ومعنوية .
سيكون من اللامعقول في ضوء هده الظروف وهده التحديات، أن نطلب منه عملا غير الذي يقوم به، سويعات إعلامية ، وحتى نكون واقعيين لا تجيب بشكل كاف عن تساؤلات التلاميذ ولا تظهر الوجه الحقيقي لمهمة التوجيه . لقد دفعوه لهدا الخيار إجبارا وليس اختيارا.
وإذا كان المستشارون أدرى بعلاقة الجانب النفسي بالمجال المهني . ونظرا لحالة الاغتراب التي يعيشها المستشار في المهنة داخل محيطه المهني ،والتي نعتبر الوزارة المسؤولية عن ما آلت إليه الممارسة المهنية و أوضاع هده الفئة ، فلقد كان من الطبيعي أن يحدث طلاق عند هده الفئة بين مشروعها المهني ومشروع حياتها النفسي والاجتماعي والأسري .
هوة حدثت في حياة هده الفئة بين واقع المهنة المرير الذي كله آلام من التهميش.فبعد أن كان هدا الشخص محورا عندما كان إستاد، أصبح اليوم في الهامش بعد أن تلقى تكوينا مشهودا بمصداقيته. فمن الطبيعي إذن أن يحدث هدا التمزق بين إرادة الارتقاء المهني، وإرادة الارتقاء الأسري والاجتماعي، فكان لابد له من اتخاذ خيار يحدث له الاستقرار وليس المعاناة.
فالاغتراب وغياب الدعم المساعد على الاستقرار جعل هده الفئة تبحث لنفسها عن استقرار آخر يحقق لها الإشباع النفسي والاجتماعي، بعد أن عجزت الوزارة عن تحقيقه لها عبر الجمود الذي لزم منظومة الاستشارة والتوجيه في الميدان دام زهاء عشر سنوات، حتى عاد الخطاب الرسمي ليتحدث من جديد عن نية إقلاع جديدة في هدا المجال، لكن دعواته هده تأتي بخطاب لا يستوعب متغيرات كبيرة حدثت بسبب سنوات الاغتراب، فهل تستوعب أية نية تصحيح معطيات الوضعية الجديدة للمستشار و التي شيدها في مسافة بعيدة عن الاعتبار المهني؟ .
إننا لسنا بصدد الحديث عن أفراد قلة تعاني من هده المشكلات لخصوصيتها النفسية والاجتماعية إنا بصدد الحديث عن هيأة لم تستطع الجهات الرسمية أن تدمجها في المنظومة التربوية بالشكل الذي ينبغي أن يكون عليه الأمر. بل لم يكن عندها استعداد لهدا الغرض فسادت سنوات من الفراغ ترسخت فيها عناصر الاستقرار الاجتماعي والأسري أكثر من عناصر الاستقرار والتوازن المهني .
وقفة صادقة مع الذات.
لكن وحتى نكون واقعيين وإن كان الاغتراب هم الفئة بجميع مكوناتها فالملاحظ أن تأثيرها وإن حدث على أفراد هده الفئة فهو بشكل متفاوت حسب قناعات وتجارب أفرادها،
فهناك مستشارين وإن قل عددهم تفتخر بهم الهيئة مازال حضورهم مشرفا في الميدان التربوي بحضورهم الميداني واجتهاداتهم الشخصية ، وهناك فئة لم تستطع أن تواصل اقتحامها للواقع الذي يدفع في اتجاه الإهمال والتهميش، وهده تشمل الفئة الواسعة من هيئة المستشارين يقومون بالحملات الإعلامية الضرورية ولا يمكن أن يتجاوزها لأمر آخر في ضوء معطيات الاغتراب وغياب الدعم .
لكن الفئة الثالثة وعلى قلتها قد تخلق حالة فكرية سلبية من شانها أن تهدد هوية الإطار وتدفع لمزيد من النبذ إلى درجة الإلغاء، وتنسف مابقي من تاريخه بل قد تسئ للإطارولهيئة الاستشارة والتوجيه التربوي، هي فئة أصبحت تدافع على خيار التهميش ولو على حساب مهنة التوجيه، إذ أصبح البعض ينظر للتوجيه كعمليات لا فائدة يرتجى منها، وهدا رأي قد نتفهمه لأنه قد يكون ناتج عن اصطدامات كبيرة مع هدا الواقع العنيد ، لكن الذي قد لا نقبله ونسمح بتداوله هي تلك الأفكار التي تخفي قناع الهروب من ممارسة المهنة لمصالح شخصية وضيقة .
إن على كل مستشار شريف تواق لغد أفضل ويحمل هم المدرسة المغربية ويناضل من أجل تصالح بين اعتباره المهني واعتباره الاجتماعي ،عليه أن يكون قادرا على رفض أي توجه يعطي الشرعية لسكونية الوضع بما يسمح للبعض استغلال هده المهنة لمصالحهم الضيقة .
وفي الختام أقول :
إن أية دعوة تصحيحية يجب أن تدخل في حساباتها عدة متغيرات ،أهمها معطيات الاستقرار النفسي والاجتماعي والأسري لهده الفئة .وخاصة تلك التي تعمل بقطاعات غير حضرية.
إننا في حاجة لتدبير جماعي لهدا الملف تشرف عليه الجهات الرسمية بمشاركة الفاعلين الميدانيين لهده الفئة. لإيجاد تصور مرحلي وإحداث تصالح من جديد لهده الفئة بمحيطها المهني دون أن يفقدها التوازن الاجتماعي والأسري الذي شيدته لنفسها في سنوات لم يكن التوجيه يحتل صدارة أجندة الوزارة.
نعتقد أن الإشكالية في تدبير منظومة الاستشارة والتوجيه لن تحل باستراتيجيات تغويها النظريات أكثر بقدر ما نحتاج لبلورة نموذج في التوجيه التربوي واقعي يحقق للتلميذ المغربي التأهيل المناسب والإعداد الجيد للحياة المهنية ويستوعب التناقضات والإكراهات التي تراكمت لمدة سنوات ،وإن كل خطوة دون هده الشروط لن تلقى مع الزمن إلا أسلوب الاحتجاج والرفض ، أو أسلوب الإفراغ الذي يقصد به القبول بالمشاريع على مستوى الشكل وإفراغها على مستوى المضمون ، بما قد يجهز على فاعلية المنظومة التربوية في علاقتها مع المحيط .




Aucun commentaire