الجزائر: محكمة الاستئناف 7 سنوات سجنا نافذا في حق الصحفي الفرنسي « كريستوف غليز »، بعد آطلاق سراح الكاتب الفرنكوجزائري صنصال بعفو « رئاسي ألماني »

عبدالقادر كتـــرة
أيدت محكمة الاستئناف في « تيزي وزو » بالجزائر الحكم الصادر بحق الصحفي الفرنسي « كريستوف غليز » (36 عامًا) بالسجن لمدة سبع سنوات، بتهمة « الإشادة بالإرهاب ».
وكانت المحكمة الابتدائية قد أصدرت هذا الحكم في 29 يونيو الماضي، وفي جلسة الاستئناف يوم الأربعاء 3 دجنبر 2025، طلب الادعاء العام زيادة العقوبة إلى عشر سنوات، لكن المحكمة أقرت الحكم الأصلي.
الصحفي، الذي يعمل مع مجلّي « So Foot » و »Society » الفرنسيين، حسب ما نشره الإعلام الفرنسي، كان قد توجه إلى الجزائر لإعداد تقرير عن نادي كرة قدم في منطقة القبائل، وهو دخل البلاد بتأشيرة سياحية وليس بتأشيرة عمل صحفي، وهو ما اعترف بأنه كان خطأ منه.
أقرّ « غليز » أمام المحكمة، حسب نفس المصدر، بأنه ارتكب « أخطاء صحفية عديدة رغم حسن نيته »، وطلب « الصفح » و »الرحمة » من القضاة ليتمكن من العودة إلى عائلته.
كما اعترف بأنه كان عليه أن يدرك أن بعض مصادر اتصاله كانت مرتبطة بتنظيم مصنّف الآن كإرهابي في الجزائر.
اعتقاله وحكمه جاءا في سياق متوتر بين الجزائر وفرنسا، تميّز أيضًا باعتقال الكاتب الجزائري « بوعلام صنصال » ثم الإفراج عنه لاحقًا، بتدخل الرئيس الألماني وضغوطات من فرنسا وتم تبرير إطلاق سراحه بل تحريره ب »لفتة إنسانية » رغم أنه خرج في صحة جيدة، وصرح أنه لا يعاني من مرض السرطان الذي شفي منه بعد علاج في فرنسا، ولم يتوقف في إعطاؤ حوارات وتصريحات لدى العديد من وسائل الإعلام اللرنسية والدولية، الأمر الذي جعل معلقين يسخرون من النظام العسكريالجزائري وييفون تحريره ب »عفو رئاسي ألماني ».
وقد توجه والدا « غليز » في غشت الماضي إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبرا فيه عن قلقهما من أن يصبح سجن ابنهما ورقة في تسوية خلافات سياسية بين البلدين.
هذه القضية تثير تساؤلات كبيرة حول حدود حرية الصحافة، وثقل التهم المتعلقة بالإرهاب في التشريع الجزائري، والتحديات التي يواجهها الصحفيون الأجانب في تغطية مناطق حساسة.
غالبًا ما تستخدم تهم مثل « الإشادة بالإرهاب » أو « الإضرار بالأمن الوطني » في العديد من الدول، بما في ذلك الجزائر، لمحاكمة النشطاء والصحفيين والمعارضين.
كما أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا تشهد توترات دورية حول قضايا الذاكرة الاستعمارية والسياسة الخارجية، مما يؤثر أحيانًا على حالات الأفراد.
قضية « كريستوف غليز » تمثل تقاطعًا حادًا بين عدة مسارات: القانون والسياسة والصحافة والعلاقات الدولية، حيث على مستوى الجانب القانوني والإجرائي، يبدو أن إقرار الصحفي بارتكاب أخطاء (كالدخول بتأشيرة سياحية وعدم التحقق الكافي من مصادر معينة) قد أضعف موقفه الدفاعي بشكل كبير، حتى لو كان الدافع المهني بحتًا.
وفي قضايا « الإرهاب »، قلما تأخذ المحاكم بنية حسن النية كعامل مخفف، خاصة في مناخ سياسي حساس. الحكم القاسي (7 سنوات) يهدف على الأرجح إلى إرسال رسالة رادعة.
أما على مستوى الجانب السياسي، فلا يمكن فصل هذه القضية عن الإطار السياسي المتوتر بين الجزائر وفرنسا.
النظام الجزائري، بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، يظهر حزمًا شديدًا في ملفي السيادة الوطنية ومكافحة الإرهاب، ويعتبر أي نشاط صحفي أجنبي في مناطق مثل القبائل دون إذن رسمي مسبق تدخلاً غير مقبول. القضية تذكرنا باعتقالات سابقة لصحفيين وأكاديميين أجانب.
على مستوى حرية الصحافة، تطرح القضية معضلة أخلاقية ومهنية. من جهة، واجب الصحفي في البحث والتقصي والتغطية، خاصة في المناطق المغلقة.
ومن جهة أخرى، احترام سيادة الدول وقوانينها، مهما بدت قاسية أو مقيدة. العقوبة الشديدة هنا قد تثني صحفيين آخرين عن محاولة تغطية مواضيع مشابهة، مما يؤدي إلى عزلة إعلامية أكبر لمناطق معينة.
المشهد الإنساني مؤثر، خاصة مع ظهور والدي « غليز » وندائهما لمنع استخدام ابنهما كـ « رهينة سياسية ». هذا يسلط الضوء على المعاناة الإنسانية الفردية التي غالبًا ما تضيع في صراعات السياسة والقانون الأوسع.
خلاصة القول، بينما قد تكون للسلطات الجزائرية مبررات قانونية في نظرها لمحاكمة غليزي، فإن حجم العقوبة يجعل من الصعب تلقي القضية بمعزل عن السياق السياسي. القضية تخدم كناقوس خطر للصحفيين الأجانب حول أهمية الالتزام الحرفي بالإجراءات القانونية في دول ذات حساسية أمنية عالية، كما تكرس صورة عن بيئة معادية لحرية التعبير في الجزائر في نظر المنظمات الدولية. في النهاية، الضحية المباشرة هي صحفي وقع في فخ قانوني-سيادي معقد، وعائلته التي تنتظر تحريره.





Aucun commentaire