Home»International»العروي : تجزئة سكنية مهجورة عمرها أربعون سنة.. كبح للنمو العمراني المتوازن وتشويه لجمالية المدخل الشرقي للمدينة.!

العروي : تجزئة سكنية مهجورة عمرها أربعون سنة.. كبح للنمو العمراني المتوازن وتشويه لجمالية المدخل الشرقي للمدينة.!

0
Shares
PinterestGoogle+

المختار أعويدي

      تُعاني مدينة العروي منذ عقود من مشكل عمراني وبيئي يثقل كاهل ساكنتها ويشوّه وجهها الحضري. يتعلق الأمر بتجزئة سكنية قديمة غير مبنية تعود إلى ما يقارب الأربعين سنة، ظلت حبيسة الإهمال والنسيان، إلى أن تحولت اليوم إلى أرض عارية مهجورة، في قلب محيط سكني آهل وكثيف، تُسيء إلى صورة المدينة وتُهدد صحة وأمن ساكنتها. وتمثل مشهدا لا يليق بمدينة تسعى إلى إيجاد مكانة لها ضمن الحواضر المغربية الصاعدة.

      هذه التجزئة تشغل مساحة أرضية واسعة، تقع بالمدخل الشرقي للعروي، كان يُفترض أن تتحول إلى حي سكني منظم ومندمج منذ سنوات طويلة، لكن خلافات غامضة – قانونية وإدارية – وحسابات ودواع لا يعلمها إلا أصحاب القرار، جمدت المشروع ودفنته في أدراج النسيان. بينما كانت أشغال شق الطرق والشوارع والأرصفة ومد قنوات الصرف الصحي وقتذاك به متقدمة جدا. وأبقته بذلك خارج منطق التنمية العمرانية. ليصبح المكان مأوى للمتشردين والكلاب الضالة، ومطرحاً للأزبال والنفايات المختلفة ومخلفات البناء. ومع مرور الوقت، غدا كذلك بؤرة لتكاثر الحشرات الضارة والجرذان والكائنات السامة، ما يشكل خطراً حقيقياً على صحة المواطنين المقيمين في محيط هذه التجزئة. لقد تحول المكان من مشروع سكني واعد، إلى « ثقب أسود » يبتلع جمالية المدينة ويهدد بيئتها وصحة ساكنتها.

      ولا يقف الأمر عند حدود الجانب الصحي والبيئي، بل يمتد إلى ما هو أعمق. إذ ان وجود هذه التجزئة المهملة في موقع استراتيجي، يعرقل النمو والتوسع العمراني المتوازن والمنسجم للمدينة. ويشوّه رونق مدخلها الشرقي، الذي يُفترض أن يعكس صورة مشرقة تستحقها المدينة، بالنظر إلى توفره على العديد من المرافق المهمة. وما يزيد الوضع قتامة، هو أن قسما من مساحة هذه التجزئة، تستعمله إحدى المقاولات مخزناً لآلياتها الثقيلة ومتلاشياتها من العربات والجرافات والشاحنات المتآكلة والحديد الصدئ. ما يزيد في تشويه المشهد العام ويُكرّس الطابع العشوائي للمكان.

      ويبدو التناقض صارخاً عند مقارنة حال هذه التجزئة بما يشهده محيطها من نهضة عمرانية وتنموية. فقد عرف القسم الشرقي من المدينة في السنوات الأخيرة طفرة نوعية، تجلت في تشييد العديد من المرافق والبنيات وإحداث بعض الفضاءات المهمة، من قبيل مسجد محمد السادس المعلمة الدينية الأكبر بالإقليم. والحديقة الإيكولوجية الفضاء البيئي الرائد، والمتنفس الوحيد للساكنة. فضلاً عن مشاريع اقتصادية وبنيوية مهمة، من بينها الطريقان الدائريان الإلتفافيان شمالاً وجنوباً، ومحطة الطاكسيات الكبرى، والمفترق الطرقي الدائري الذي صار مدخلاً حيوياً للمدينة، لدوره في تنظيم حركة السير والمرور. ناهيك عن العديد من المرافق الخاصة المختلفة، كالمقاهي والمطاعم والمخابز والمتاجر الكبرى. لكن وسط كل هذه الأوراش، تبقى التجزئة المهجورة ندبة في وجه المدينة، ووصمة عار في قلب نهضتها، وكبحاً لمسار هيكلتها العمرانية.

      فمن المسؤول يا ترى عن هذا الوضع المتردي؟

المسؤولية هنا تبدو واضحة ولا تحتمل التملص:

* المجلس الجماعي للعروي: الذي تعاقبت عليه مجالس منتخبة عديدة، اختارت دفن الملف بدلاً من حله. ولذلك يمثل هذا الملف الأسود اليوم، إرثا يلاحق المجلس الجماعي الحالي، الذي يبدو هو الآخر غير مكترث بحل هذا المشكل المزمن، رغم أن كل الظروف باتت اليوم مواتية لذلك.

* السلطات المحلية والإقليمية: الشريكة في التقصير بصمتها وتغاضيها عن هذا الملف. فهي طول هذه المدة لم تحرك ساكناً لإجبار أصحاب التجزئة أو الورثة أو أي جهة معنية على تسوية الوضعية.

* الوكالة الحضرية: التي ظلت غائبة عن المشهد وكأن الأمر لا يعنيها.

      إنها سلسلة متكاملة من الفشل الإداري والسياسي، جعلت من التجزئة المهجورة المذكورة عالقة في دهاليز الإدارات والنزاعات. والنتيجة، مدينة بأكملها تدفع ثمن صمت واستهتار جميع المتدخلين المعنيين بهذا المشكل، الذين تركوا ملفا بهذا الحجم يظل عالقا لعقود من الزمن. وعلى رأسهم المجلس الجماعي. المسؤول الأول عن استمرار الوضع، والعاجز عن اتخاذ قرار شجاع..

      إن استمرار هذا الوضع يطرح أكثر من علامة استفهام حول أسباب الجمود القانوني والإداري الذي حال دون تسوية وضعية هذه التجزئة منذ أربعة عقود. ودواعي ترك بؤرة بهذا الحجم، في موقع استراتيجي، دون تدخل يُعيد تأهيلها وإدماجها في الدينامية العمرانية التي تشهدها المدينة. كما يطرح السؤال عن دور الجهات المعنية، من سلطات محلية ومجالس منتخبة، في إيجاد حلول ناجعة، سواء بإعادة تهيئة المكان وفق تصميم عمراني حديث، أو تحويله إلى فضاء عمومي يخدم الساكنة. بدل أن يترك نسياً منسياً..

      إن التجزئة السكنية المعنية لم تعد في الحقيقة مجرد بقعة ترابية منسية؛ بل هي ترقى إلى أن تمثل فضيحة عمرانية وبيئية، ومرآة ساطعة لفشل التدبير المحلي، وعنوانا صارخا لغياب الإرادة السياسية. فضيحة تكشف عمق عجز المسؤولين وتواطئهم بالصمت واللامبالاة. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، ظلت التجزئة قيد الانتظار، في غرفة الإنتظار. مشروعا لم ير النور، ووثائق عقارية معلقة، ومسؤولين تعاقبوا وفضلوا الصمت واللامبالاة على اتخاذ قرار حاسم. والنتيجة؟ مدينة بأكملها تؤدي ثمن جريمة عمرانية طويلة الأمد. أربعون سنة كانت كافية لبناء أحياء كاملة في مدن أخرى، لا بل مدنا صغيرة حتى. بينما في العروي لم تكن كافية لتحريك ملف واحد عالق.

      وعليه، فبعد كل هذه المدة من الصمت والإهمال، لم يعد ممكناً تجاهل هذه القضية. فاستمرار الوضع يُمثل جريمة في حق المدينة وساكنتها. كما يمثل عنوانا لفشل التدبير العمراني وتقاعس الإدارات المعنية، وشاهدا على أربعة عقود من اللامسؤولية.

      كما لم تعد مبررات المسؤولين اليوم مجدية في هذا الباب. فالساكنة لا تحتاج وعودا واهية، بل تحتاج قرارا جريئا فاعلا : إما تسوية الوضعية القانونية والعمرانية للتجزئة المعنية، وبالتالي إخراجها من حالة الفوضى والجمود التي تعيشها. أو تحويلها إلى فضاء عمومي يخدم الساكنة، ويحفظ للمدينة رونقها وجمالها. غير ذلك، سيظل المدخل الشرقي وصمة عار في جبين كل من تعاقبوا على تسيير هذه المدينة. ومؤشرا على خيانتهم لثقة المواطنين، وتواطؤا مكشوفا مع الفوضى.!

      ويبقى الأمل رغم كل المثبطات معقوداً على الإرادة الجماعية في رفع هذا الحيف العمراني والبيئي عن العروي، وتصحيح المسار نحول الأفضل والأحسن. حتى تستعيد المدينة وهجها ووجهها الحضري اللائق، ويُعاد الاعتبار لمدخلها الشرقي بما ينسجم مع الدينامية التي تعرفها على مختلف المستويات.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *