Home»Enseignement»تدريس اللغة العربية في مؤسسات التعليم الدولية

تدريس اللغة العربية في مؤسسات التعليم الدولية

0
Shares
PinterestGoogle+

المصطفى حميمو

في وجود مؤسسات تعليمية دولية مدعاة للسرور لكونها في المحصلة ستساهم في تثمين الرأسمال البشري المغربي الذي هو مصدر كل ثروات أي بلاد. مع وجود آباء قادرين على أداء تكاليفها، فإنها تشكل قيمة مضافة بالنسمة للمشهد التعليمي المغربي المكون من التعليم العمومي بالإضافة إلى التعليم الخصوصي الوطني. والأمل في أن تشتد المنافسة على الجودة بين القطاعات الثلاثة.

لكن المُفجع يكمن في الحصة المخصصة لتدريس اللغة العربية كمادة صرفة في تلك المؤسسات التعليمية الدولية، لما لا تتعدى ثلاث ساعات في الأسبوع في الابتدائي. وذلك في مقابل 11 ساعة في الأسبوع بكل من المستويين الأول والثاني من التعليم الابتدائي و6 ساعات في باقي مستوياته، بالمؤسسات العمومية والخصوصية الوطنية.

أمر مُفجع، ليس من باب الغيرة على لغة البلاد أو الدفاع عنها، لأنها بمقوماتها الذاتية كانت وستظل أكثر من أي وقت مضى حيّة ومُشعة ومستغنية لا على من يغار عليها ولا على من يدافع عنها. المُفجع هو إغفال كون اللغة العربية في بلد كالمغرب رافعة اجتماعية بالنسبة لكل الأجيال الصاعدة ودعامة أساسية من دعامات التنمية في البلاد.

فخريجو المؤسسات التعليمية الدولية سيجدون أنفسهم، نتيجة ضعف تكوينهم في اللغة العربية، مُبعدين حتما من حقهم المشروع في الخدمة بقطاعات عمومية حيوية مثل التعليم والقضاء والداخلية والدبلوماسية وحتى الصحة وغيرها، بل حتى من الحق في ممارسة النشاط السياسي بالأحزاب وبالمجالس المنتخبة المحلية والجهوية وبمجلس النواب ومجلس المستشارين وكذلك من العمل في مختلف الهيئات الحكومية، حيث تتم كل المهام فيها باللغة العربية.

وهذا الإقصاء لا يقتصر على خريجي تلك المؤسسات التعليمية كأفراد، بل يمتد إلى كل تلك المؤسسات الوطنية التي تُحرم من جهتها من كفاءات متميزة كان من شأنها أن تشكل إضافة نوعية في تسيير الشأن العام. فهذا الوضع يُرغم خريجي المدارس الدولية على التوجه للعمل في الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الخاصة أو مجال المال والأعمال، رغم رغبة بعضهم في العمل بالقطاع العمومي، لما يصطدمون بالعائق اللغوي الذي يمنعهم من ذلك.

وفي بلد تُعد فيه اللغة العربية أكثر من مجرد أداة تواصل رسمية، بل جسراً حياً يربط الحاضر بعمق التاريخ والثقافة، يغدو تدريسها بجدية ضرورة وطنية لا خيارًا ثانوياً. وهي لغة تربط كذلك البلد بعمقه العربي والإسلامي من حيث أثبتت التجربة الإعلامية العابرة للحدود، أن الفصحى ستظل كما كانت أداة التواصل الموحدة بين مختلف الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط. زد على ذلك حضورها الرسمي والقوي في مختلف المحافل الدولية كلغة معاصرة وفعالة.

وما كان وسيظل يميزها عن سائر اللغات الكلاسيكية، كاليونانية القديمة أو اللاتينية، هو بقاؤها بفضل متانة مقوماتها الذاتية لغة حيّة، محتفظة ببديعها وبيانها وبلاغتها وسط لغات اندثرت أو تحجّرت. فستظل كما كانت كل نصوصها القديمة تُفهم كما لو أنها كُتبت بالأمس القريب. بينما نصوص اللغة الفرنسية مثلا، التي كتبت فقط في القرن الثامن عشر تصعب قراءتها اليوم.

لذا إغفال أهمية تدريس اللغة العربية بالشكل المطلوب في المؤسسات التعليمية الدولية من شأنه أن يحرم الطلاب من مزاياها التربوية والثقافية والفكرية. كلغة حية كما كانت وستظل يُمكّن تدريسها بفضل مقوماتها الذاتية من تعزيز التفكير المنطقي والتحليل النقدي وتنمية القدرات التعبيرية والتواصلية. كل ذلك إلى جانب دورها في ترسيخ مقومات الهوية الوطنية بما فيها منظومة القيم الدينية والثقافية. لكل ذلك وغيره، لا يجوز حرمان خريجي المؤسسات التعليمية الدولية من القدرة على التواصل والتعبير الشفوي والكتابي بلغة بلدهم.

فالتحدي يكمن في تحقيق توازن بين تدريس اللغة الوطنية واللغات الأجنبية الذي من شأنه أن يتيح للأجيال الصاعدة التأهل عِلميا وثقافيا من دون أن تفقد ارتباطها بواقعها الوطني. لهذا، ينبغي على المؤسسات ذات المناهج الأجنبية أن تعزز من حصص تدريس اللغة العربية بجدية بل أن تتنافس في ذلك مع التعليم العمومي والخصوصي الوطني، بدلا من اعتبارها مادة ثانوية.

المغرب كان وسيظل بلدا متنوعا لغويًا وثقافيًا، غير أن هذا التنوع لا يجب أن يتحول إلى حاجز يحرم بعض نخبه من الأجيال الصاعدة من حقهم في خدمة وطنهم كما يُحبون ويفضلون ولا من ارتباطهم بثقافة بلدهم وتاريخه، بحيث يكون التعدد اللغوي عامل غنى لا مصدر تهميش وإقصاء.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *