إرساء خلايا اليقظة بالثانويات الإعدادية بين التعميم والتعويم

علي العلوي٭
إن إرساء خلايا اليقظة بالمؤسسات التعليمية ليس أمرا جديدا ولا طارئا على آليات اشتغال مختلف المتدخلين في العملية التعليمية التعلمية، إنما الجديد هو منهجية اشتغال هذه الخلايا داخل إعداديات الريادة، التي تم تجريبها على امتداد السنة الدراسية 2024-2025. ويأتي هذا المقال تفاعلا مع المراسلة الوزارية عدد 25/1296 بتاريخ 10 يونيو 2025 بشأن تعميم إرساء خلايا اليقظة بجميع مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي. وهذا التفاعل هو إجابات عن أسئلة يختزلها عنوان المقال، وهي:
– ما الذي دعا إلى تعميم إرساء خلايا اليقظة بالثانويات الإعدادية؟
– أين تكمن مظاهر تعويم المهام المرتبطة بالتأطير والتتبع والمواكبة؟
1- دواعي تعميم إرساء خلايا اليقظة بجميع مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي:
ورد في المراسلة الوزارية المشار إليها أن هذا التعميم يأتي في إطار أجرأة مقتضيات خارطة الطريق 2026-2022 من « أجل مدرسة عمومية ذات جودة »، ولا سيما أهدافها الاستراتيجية المتعلقة بالاستفادة من الأنشطة الموازية وتقليص الهدر المدرسي بنسبة الثلث في أفق 2026. وجدير بالذكر أن منطلق هذا التعميم هو ما تم تجريبه في إعداديات الريادة خلال السنة الدراسية الحالية، وبخاصة تعزيز المقاربة الوقائية المتمركزة على تفعيل أدوار خلية اليقظة القائمة على رصد التلاميذ المهددين بالانقطاع عن الدراسة ومواكبتهم وتتبعهم بشكل منتظم ومتحكم فيه، وذلك من خلال تطوير خطط عمل فردية حسب الاحتياجات الخاصة لكل تلميذ وتفعيلها وفق الإمكانات المتاحة من قبيل: الدعم النفسي، والدعم الاجتماعي، والدعم التربوي، والمشاركة في الأنشطة الموازية والرياضية وغيرها.
ولقد حددت البطاقة المرجعية حول خلية اليقظة المرفقة بهذه المراسلة الوزارية الأهداف من إرساء هذه الخلية ومهامها وتركيبتها، وأدوار كل عضو من أعضائها، والبرمجة الزمنية للاشتغال التي ستكون بمعدل مرة في الشهر، والأدوات المتاحة للاشتغال، وعلاقة خلية اليقظة بمجالس المؤسسة التعليمية، وطبيعة الأطراف الداعمة، وأخيرا التتبع والمواكبة لأشغال خلية اليقظة وتفعيل خطط العمل الفردية للتلاميذ. إن هذه البطاقة قد استعادت بشكل ملحوظ جل ما ورد في المراسلة الوزارية عدد 24-2204 بتاريخ 7 غشت 2024 بشأن تفعيل خلايا اليقظة بإعداديات الريادة. ولعل الذي دعا من صاغوها إلى ذلك هو ما تم تحقيقه بخصوص تقليص نسبة الهدر المدرسي بالنصف بإعداديات الريادة اعتمادا على منهجية الاشتغال الواردة في المراسلة الوزارية عدد 24-2204، حيث إن الأرقام الأولية تفيد بأن النتيجة المنتظرة في طور التحقق.
2- مظاهر تعويم المهام المرتبطة بالتأطير والتتبع والمواكبة:
أناطت المراسلة الوزارية عدد 25/1296 بالمكلفين الإقليميين بملف التمدرس الاستدراكي المهام المرتبطة بتأطير وتتبع ومواكبة أشغال خلايا اليقظة بالثانويات الإعدادية، وذلك من خلال:
– التتبع والتنسيق مع المستشارين في التوجيه في إطار مهامهم داخل خلايا اليقظة؛
– تأطير ومواكبة عملية إرساء خلايا اليقظة؛
– مواكبة وتتبع تفعيل استثمار آلية اليقظة ضمن منظومة « مسار »؛
– تتبع محكم للتنزيل الفعلي لبرنامج عمل خلايا اليقظة وسيرورة خطط العمل الفردية للتلاميذ المهددين بالهدر المدرسي على مستوى إعداديات الريادة المواكَبة ورفع تقارير حولها عبر منظومة مسار في الفضاء المخصص له.
وتشير المراسلة نفسها إلى أن أدوات الاشتغال المتاحة لهذا المكلف المواكب للثانوية الإعدادية هي: شبكة الملاحظة وتقرير زيارة التتبع، ولوحة قيادة المؤسسة الإعدادية.
إن هذا النوع من المهام محصور في هيئة التأطير والتفتيش والمراقبة والتقييم دون سواهم وفق المقتضيات الواردة في المرسوم رقم 2.24.140 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية الصادر بتاريخ 23 فبراير 2024، الذي ينص على أن من مهام المفتشين بمختلف مجالاتهم وتخصصاتهم: التفتيش، والافتحاص، والتأطير، والمواكبة، والمساهمة في تتبع وتقييم مردودية مؤسسات التربية والتعليم.
لا شك في أن محاربة الهدر المدرسي من خلال مجال التمدرس الاستدراكي من الأولويات التي توليها الوزارة اهتماما خاصا ضمن برامج إصلاح المنظومة التربوية، وذلك من خلال عقد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني من أجل العمل على الاستقطاب والتواصل مع فئات من الأطفال واليافعين غير المتمدرسين، والقرب منهم ومن أوليائهم، والتكيف والمرونة مع وضعياتهم، وإمكانية حشد الدعم والمواكبة من أجل تيسير شروط نجاح البرنامج، وكذا إنجاز مشاريع مدارس الفرصة الثانية، الجيل الجديد بهدف الإدماج السوسيو-مهني لفائدة اليافعين والشباب المنقطعين عن الدراسة، مع الحرص على توفير برامج تزاوج بين التأهيل التربوي والتكوين المهني وأنشطة التفتح، غير أن الهدف الأساس من اشتغال خلايا اليقظة داخل الثانويات الإعدادية هو الاحتفاظ بالتلميذات والتلاميذ المهددين بالانقطاع داخل المؤسسات التعليمية ما أمكن. أما ولوج مدارس الفرصة الثانية فيندرج ضمن المسارات الملائمة في حالة تسجيل تعثرات دراسية وصعوبات في مواصلة المسار الدراسي لدى التلميذ، وذلك بعد استنفاد كل السبل والإمكانات المتاحة للاحتفاظ به داخل الثانوية الإعدادية. ولعل مهام المكلف الإقليمي بملف التمدرس الاستدراكي لا ينبغي أن تخرج عن هذا المجال. فكيف يتأتى له القيام بمهام التأطير والمواكبة والتتبع لاشتغال خلايا اليقظة بالثانويات الإعدادية، علما أنها مهام لا يمت لها بأي صلة؟
ولم تجانب نقابة مفتشي التعليم الصواب حينما أوردت في البيان رقم 1 الصادر بتاريخ 5 يونيو 2025 ما يلي: « إن تمادي هؤلاء المسؤولين المركزيين في الاستهداف الممنهج لمكتسبات هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم، وفي التنصل مما تم التوافق بشأنه مع نقابة مفتشي التعليم، وعدم احترام مهام الهيئة واختصاصاتها بتعويمها ضمن مهام هيئات أخرى، أو المس بها وتحويرها وتهجينها عبر تدابير إدارية لا تحترم المرجعيات القانونية والتنظيمية للمنظومة، هو سعي مفضوح لإشعال فتيل التوتر والاحتقان ».
وتأتي هذه المراسلة لتؤكد بالملموس أن الوزارة ماضية في تعويم مهام هيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم، وطمس الهوية المهنية للمفتش، وتكريس نوع من الفوضى في مهام مختلف الهيئات والفئات في تجاوز غريب، مريب للمقتضيات الواردة في المرسوم رقم 2.24.140 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية الصادر بتاريخ 23 فبراير 2024، إذ كيف يعقل أن تتجاوز مراسلة أو مذكرة وزارية صفتها التنظيمية والتواصلية والتوجيهية لتصبح نصا يشرع ما يحلو لمن صاغوه، ويضرب بعرض الحائط مرسوما أو قرارا أقوى منه. قد تتناسل الأسئلة حول هذا الموضوع، لكن تبقى الفوضى هي العنوان الرئيس لما يقع.
٭ شاعر وباحث
Aucun commentaire