الذكاء الرديف..يعرف عناكل شيء

رمضان مصباح
وكان وسائل التواصل الحديثة – في حضورها القوي ،في أغلب تفاصيل حياتنا-انبعاث جديد لانبياء الماضي ،الذين اشتغلوا بدورهم على تفاصيل الحياة،هنا وهناك في السماء.
هو انبعاث واقعي ،اذ ما من ديانة الا وحجزت لها حيزا رقميا ،تنافس فيه غيرها،كما الماضي واكثر .
ترانيم،ابتهالات،نواقيس واذان وادعية.
مواعظ لطيفة ومتسامحة،واخرى خشنة لا ترى الصدق الا في حروفها،وخراىطها،التي رسمتها وترسمها لعالم تقول عنه انه الاخر.
وكما كان يحصل في الماضي،حين يتحول الكلام الديني الى خيول،تلمع فوق اعنتها سيوف ،تقطر دما؛لانعدم اليوم خيول العصر،وهي تستعيد نفس السيوف ،وبخضابها القاني.
تكملة لتدافع رقمي،لم يصل الا لساحات الاقتتال. او انهاء له واستدعاء للقرون المظلمة ،لتكشف عن مفاتنها التي افنت الاجيال تلو الاجيال.
ولسائل ان يسال:هل استحضر رواد الثورة الرقمية ،وهم يدفعون بالعالم الى الانكشاف عاريا،كما ولد،هذا التدافع الديني الذي اكتسح اغلب المساحات؟
لا اعتقد،ان هي الا طفرة تواصل بشري،لم تجد في جعبتها الكثير ،لتستهلكه في منصات التواصل،فازاورت جهة تخمة الخطاب الديني،الذي ترثه الاجيال وتورثه، وكانه جينات في تلافيف الجينات .
بدا هؤلاء الرواد -وفي ركابهم دهاقنة العولمة- وكانهم انبياء جدد،يستبدون بالناس،بلطف مغر واخاذ،وساحر في جميع الوانه وانغامه ؛وقد افلحوا.
انبياء ،سبق ان قلت عنهم شعرا : »يصنعون الجنة هنا ووالقيامة »
يمضون بالناس ،وبزمن الناس ،الى بساتين وفواكه لا عهد لهم بها.
حتى انبياء الماضي ما حدثوا الا بما يعرفونه في الارض،ويشتاق اليه المحرومون.
اما هؤلاء فجعلوا من البشرية ضيوفا،على صحن واحد؛حتى مقولتا العالم القرية،ا العالم المطبخ،لم تعودامعبرتين على كل هذا الوصال البشري،الذي جب كل انفصال.
اقتحموا الاسر لتربية الابناء ،على ما يريدون لهم،بعد ان وثقوا بكون الامهات منشغلات بدورهن بسحر الشاشات.
صرفوا الجميع عن الاهل والصحاب،وعوضوهم بجماعات افتراضية،هي اقرب اليهم من حبل الوريد
وهاهم بصدد احالة الجميع على التقاعد الفكري البشري،مغرين بذكاء اصطناعي بارد،يفكر لهم في كل تفاصيل حياتهم.
بل حتى الفكر الانساني،في ابهى مقاماته الفلسفية،الفنية،والشعرية ،سائر الى تقاعد.
هل هي الطريق الى الجنة،تستعيد فيها البشرية رفاهية ادم وهو فيها،قبل ان يحاول المعرفة والحكمة .
ما اشبه الغاء شقاء الانسان بفكره ،وانابة الذكاء الاصطناعي في كل شيء،بحكاية ادم السعيد في جهله،الشقي بمعرفته.
اذا كان هؤلاء الرواد البناؤون للعولمة الرقمية،بكل هذا النبوغ الرسالي ،الذي يبشر بفجر جديد للبشرية ،سيرا على نهج الانبياء في ازمانهم؛فما السر في اكتساح التدافع الديني القديم ،اللطيف والخشن،المسالم والدموي،لاغلب خرئطهم التواصلية؟
شخصيا اميل الى كونهم ارادوا هذا ،لاخراج كل ما في صناديق البشرية ،والالقاء به وليمة لاعشاب البحر،والحاق حتى الصناديق .
ثم دفع البشرية لتعيش جنتها ،كما خططوا لها،بدون دهاليز وائمة ظاهرين وباطنين.
بدون نواقيس واجراس ،تدفع بالناس الى الخروج ،والحال انهم بحاجة الى الدخول الى نفوسهم،ففيها كل شيء.
طبعا هذا الفهم قد لا يروق للكثيرين،خصوصا الذين يتوهمون انهم يخوضون فتوحات اخرى ،في الساحات الرقمية،متجاهلين ان الزر ليس بايديهم.
طيب يا سادة؛لكن هل تستطيعون الالقاء بشاشاتكم بعيدا،لتعاودوا حياتكم القديمة ،قبل الثورة الصناعية،عندهم؛والنصوص التي نعاود نسخها ،جيلا بعد جيل،عندنا.
ومادمتم لا تستطيعون ،وتواصلون السير في ركاب العولمة الرقمية ،والمَضافات التواصلية الشهية؛فانتم من حواريي الانبياء الجدد.
الذي يصنعون الجنة هنا والقيامة .
طُلب منكم ان تقراوا ،ولو في الصين ،حتى تُكمل عقولُكم الوحي؛لان الرسالة كانت بداية ولم تكن نهاية؛لكنكم اخترتم الاسترخاء والدعة؛فاختار الله انبياء العصر من غير قومكم.
وحتى من الصين التي ضيعتم لبنها،ذات استرخاء عمَّر قرونا .
ورغم هذا لم يَضِع كل شيء،لان الدعوة الى العلم لاتزال قائمة.
والذكاء الاصطناعي-الرديف -لا يمكن ان يسكت ويتغاضى عن جهلنا .
وعلى كل من يستصعب الحضارة الحديثة فيكفِّرها؛ان يخجل من هذا الذكاء البارد الذي يعرف عنا كل شيء .
Aucun commentaire