كتاب الله عز وجل يدحض اعتداد المعتدين بالنعرات العرقية متذرعين بذلك لزكية أنفسهم وتطاولهم على غيرهم وظلمهم وعلوهم وفسادهم في الأرض

كتاب الله عز وجل يدحض اعتداد المعتدين بالنعرات العرقية متذرعين بذلك لزكية أنفسهم وتطاولهم على غيرهم وظلمهم وعلوهم وفسادهم في الأرض
محمد شركي
قد يفهم المرء الدافع وراء التعصب المقيت الذي يحمل بعض الناس على الاعتداد بأعراقهم وذلك بسبب ما يدينون به من أديان أو ما يعتقدونه من معتقدات منحرفة أو فاسدة كما هو حال عند أصحاب الديانات الوثنية الشركية المتعددة آلهتها أو أصحاب الديانات الشركية المثنوية مثل ما كان عليه الفرس قديما ، أو ديانات التوحيد التي لحقها الشرك بسبب تحريف أصحابها ما أنزل الله تعالى عليهم من كتب ،لكن يصعب على المرء تصديق تعصب المسلمين لأعراقهم رغبة منهم إما في إصابة عرض الدنيا الزائل أو تزكية نفوسهم بما لا يمكن أن يزكيها أوتطاولهم على غيرهم أو اقترافهم الظلم والعلو والفساد في الأرض ، والحالة أن دينهم قد صانه الله تعالى من الانحراف عن صراطه المستقيم بحفظ كتابه من التحريف .
ولقد حسم كتاب الله عز وجل في أمر دحض الاعتداد بالنعرات العرقية الذي وقع فيه أهل الكتاب من قبل حين ظنوا أنفسهم مخلوقات فوق الجنس البشري ، وأنهم وأرقى عرقا حتى بلغ بهم الأمر حد زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه فكذبهم جل شأنه في الآية الكريمة الثامنة عشرة من سورة المائدة بقوله :
(( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ))
كما قال سبحانه وتعالى أيضا في الآية الخامسة والثلاثين من سورة مريم :
(( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه )) .
وسفه سبحانه أيضا ما ادعوه كذبا عليه في الآيتين الكريمتين الثلاثين والواحدة والثلاثين من سورة التوبة بقوله :
(( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يوفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون )).
وبناء على هذا لا يحق لليهود، ولا للنصارى بعد هذا أن يباهوا بعرقهم على غيرهم من الأعراق البشرية مدعين لأنفسهم ما افتروه على الله عز وجل . ولقد تحداهم الله تعالى بالمباهلة بخصوص ما ينسبونه له من ولد في الآية الكريمة الواحدة والستين من سورة آل عمران بقوله :
(( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ))
وحسم الله تعالى أيضا في أمر تساوي أعراق البشر عنده إذ خلقهم جميعا من أب واحد ، وأم واحدة ، ولا تفاضل بينهم عنده إلا بتقواه ، وذلك في الآية الكريمة الثالثة عشرة من سورة الحجرات حيث قال :
(( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )).
وبناء على هذا ،وجب على البشر أجمعين أن يطووا إلى الأبد صفحة اعتداد بعضهم على بعض بأعراقهم وأنسابهم … ، واستغلال ذلك لتبرير ظلم بعضهم البعض ،واعتداء بعضهم على بعض ، وابتزاز بعضهم البعض ،واستهانة بعضهم ببعض .
ولقد دحض الله تعالى أيضا اتخاذ الناس اختلاف ألسنتهم وألوانهم ذرائع لتزكية أنفسهم وركوب ذلك للتطاول على بعضهم البعض، واحتقار بعضهم البعض، فقال جل شانه في الآية الكريمة الثانية والعشرين من سورة الروم :
(( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )).
ولا يمكن ، بل لا يحق لأحد من البشر بعد قوله تعالى أن يذهب إلى أن اختلاف ألسنة البشر وألوانهم يفيد فضل أو تفاضل بعضهم على بعض .
ومع كل ما بيّنه الله تعالى في محكم التنزيل بخصوص تساوي البشر عنده ، فلا زال البعض ممن يتلون كتابه ليل نهار، يفاخرون بأعراقهم وألسنتهم وهم يعلمون علم اليقين في أعماق أنفسهم أنهم مجرد بشر ممن خلق الله تعالى، لا فضل لهم على غيرهم إلا بتقواه . وعوض أن يتميزوا بالتقوى التي ميز بها سبحانه وتعالى بين خلقه ، وجعلها معيار مفاضلة بينهم ،لا زال بعضهم إلى يوم الناس هذا يلتمسون التميّز عن غيرهم بأعراقهم وألوانهم وألسنتهم شاهدين على أنفسهم بالجهل ،والغباء ، والتخلف، والتعصب .
وبناء على هذا، يجب أن يخجل من نفسه من يرفع عقيرته مشيدا بعرقه أو نسبه أو بلسانه أو بلون بشرته أو بلون عينيه مباهيا بذلك ، ومتطاولا على غيره في المحافل دون أن يندى له جبين ، مع أن ذلك يجعله موضوع تندر وسخرية واستهزاء بين الناس .
ومن أراد السمو عند خالقه وبين الخلق، فعليه بتقوى الله ، ولا سمو بدونها عند أولي الألباب ، والمعرة كل المعرة أن يُرام السمو بما سوى به الله تعالى بين خلقه من أعراق وأجناس وألوان وألسنة وذلك مما يدل على عجيب صنعه ، وعظيم قدرته ، ولا صلة لها إطلاقا بالتقرب إليه أو السمو عنده . ومن حكم المغاربة مثلهم السائر : » أهل العقول في راحة « .
Aucun commentaire