Home»International»من الكلام الذي لا تلقي له بالا ما يكون عليك وبالا

من الكلام الذي لا تلقي له بالا ما يكون عليك وبالا

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

من الكلام الذي لا تلقي له بالا ما يكون عليك وبالا

قد يتبادر إلى ذهن قارئ هذا العنوان أني أتجرأ على الفقه لأخوض فيما لست أهلا له، كلا الأمر ليس كذلك، وإنما قصدي لفتُ الانتباه إلى بعض الممارسات التي اعتدناها جميعا وعلى رأسها الدعابة أو المزاح اللاواعي، على اعتبار أنه لا حاجة لضبط الكلمات والعبارات المستعملة فيه ما دام الأمر لا يتعلق بالجد، مع العلم أن الواقع يبرهن على أن هذا النوع من الكلام كثيرا ما يكون سببا في الخصومات والعداوات بين الأصدقاء والأقارب ناهيك عن الذين لا تجمعهم لا صلة صداقة ولا قرابة. فإذا كان الأمر كذلك فلا بد للمرء أن يعي ويزن كل كلمة قبل أن يتفوه بها في جميع أحواله جادا أو مازحا حتى لا يسقط في بعض المزالق التي لا تحمد عقباها والتي غالبا ما لا يسلم منها أحد.

الدافع وراء كتابة المقال هو موقفٌ تعرضتُ له شخصيا، حيث كنتُ بصدد الحديث مع أحد الأشخاص الذي تربطني به علاقة مزاح في حدودها الدنيا، ولسبب من الأسباب استعذت من الشيطان الرجيم، فتساءل صاحبي مازحا هل ما زال للشيطان وجود؟ وبنفس عقلية المزاح وهروبا من الخوض في الموضوع، رددت عليه بأن الشيطان موجود، ولولا احترامي له لأعطيته مثالا من الواقع، دون أن أعي حقيقة ما أريد قوله. في هذه اللحظة تدخل شخص لا أعرفه، لكن يبدو أن له معرفة بصاحبي، ليصرح دون استئذان، بأن قصدي هو أن الشيطان مِن أقارب صاحبي، لأُعَقِّبَ عن كلامه بقولي: إذا كان الأمر كذلك فإن عدم وجود الشيطان بيننا راجع لكون صاحبنا تركه نائما بالبيت. بدا لي بعض الانزعاج على صاحبنا غير أني لم أُعِره اهتماما كبيرا، لكن بمجرد أن فارقته، قلت في نفسي ماذا كان سيكون موقفي لو كنت مكانه، هنا استشعرت هول الموقف وقدَّرتُ في صاحبي عدم انفعاله في نفس الوقت الذي تمنيت لو أنه أخذ الأمر بجد، وقام بنهرنا حتى لا نعود لمثل هذا النوع من المزاح الذي لا يمكن إلا يُفسد العلاقات الودية التي بيننا. وعندها تَفَطَّنتُ أن الشيطان الذي قلت عنه مازحا بأنه كان نائما في بيت صاحبي، كان موجودا معنا بالفعل، ولولا وجوده لما تجرأ ذلك الشخص على قول ما قاله ولولاه لما سمَحْتُ له ليقول ما قاله، مما يدل على أنني أنا الذي كنت نائما أو على الأقل غافلا وليس الشيطان.

انتابني شعور بالذنب لم أجد معه بُدَّا سوى الاتصال بصاحبي هاتفيا والاعتذار له، ثم قلت في نفسي إذا كان الله قد ألهمني هذه المرة للاعتذار، الذي بدا لي أنه قبله، فكم مرة وقعتُ في حالات شبيهة لهذه دون أن ألقي لها بالا، وأعتقد أن كثيرا من الناس يقعون في نفس ما وقعت فيه دون شعور بالذنب ولا تقدير له ، فهذا يجد نفسه منغمسا في الغيبة والنميمة، وذاك يجعل من الناس موضوعا للسخرية، وآخر يضن بالناس الظنون، ورابع يهمز ويلمز… دون أي وخز في الضمير، على اعتبار أن الأمر يتعلق بالمزاح وتجزية الوقت، وربما يَعُدُّون ذلك ترويحا عن النفس. من هنا تَتَبَيَّنُ أهمية محاسبة أنفسنا اقتداء بعمر بن الخطاب حين قال: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا… » ولعل أهم مؤشر يمكن اعتماده في هذه المحاسبة، هو تساؤل الفرد عن مدى قبوله ِلَأن يقال فيه أو له ما قيل في أو لغيره، وهو الأمر الذي يتماشى مع قوله صلى الله عليه وسلم « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » وهو ما يُفهم منه أنه لا يؤمن أحد حتى يكره لأخيه ما يكره لنفسه. وإذا كان بعض المفسرين يرون أن الحديث لا ينفي أصل  الإيمان وإنما ينفي تمامه وكماله،  فإن اللبيب مَنْ يسعى نحو تمام إيمانه وليس نحو نقصانه، لكونه لم يزن حركاته وسكناته بما فيها الكلام الذي تفوه به بالميزان الشرعي، مما يُمْكِن أن يَزِلَّ به إلى النار مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ » وفي الشطر الثاني من حديث في نفس الموضوع يقول صلى الله عليه وسلم  » وَإنَّ الْعبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقي لهَا بَالًا يهِوي بهَا في جَهَنَّم ».

في الأخير أقول لو تَيَقَّنا بأننا خُلِقْنا للابتلاء، وأننا مسؤولون عن كل تصرفاتنا لَعَمِلْنا بقوله تعالى في الآية 36 من سورة الإسراء  » وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ». وبما أن الخطأ ملازم لنا ولو حرصنا على اجتنابه، فإننا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من خير الخطائين الذي يُتْبِعون السيئة بالحسنة والخطأ بالتوبة وأن يدخلنا في زمرة الذين قال فيهم في الآية 201 من سورة الأعراف: « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ » صدق الله العظيم.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *