Home»National»النجاح طرقه ومآلاته

النجاح طرقه ومآلاته

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

النجاح طرقه ومآلاته

الحسن جرودي

لا شك أن النجاح طموحٌ يخالج كل أفراد الجنس البشري سواء تعلق الأمر بالنجاح في الدنيا، أو بالنجاح والنجاة في الآخرة، وذلك في ارتباط وثيق ببيئة كل فرد وبخلفيته الفكرية والعقدية…مما يخلق لديه تصورا معينا للنجاح وللطرق التي تُوصِل إليه.

من هنا يبدو أن مفهوم النجاح نسبيٌ إلى الحد الذي قد يتعارض فيه بين أفرادٍ من نفس المجتمع، وبالأحرى بين مجتمعات ذات ثقافات مختلفة، إلا أن الملاحظ لدى عموم الناس، بعدما سادت ثقافة الغرب المادية، أن الجانب المادي أصبح من العناصر المشتركة الأساسية ضمن التصور الغالب للنجاح، خاصة لدى الشباب، وهنا تبرز فئتان، الأولى تجعل من الجانب المادي الهدف النهائي ومن ثم فكل الوسائل المؤدية إليه مسموح بها انطلاقا من القاعدة الميكيافيلية: الغاية تبرر الوسيلة، والثانية تتخذ منه وسيلة لتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية.

ففيما يتعلق بأفراد الفئة الأولى فغالبا ما تعترضهم مشاكل عويصة لم تكن في الحسبان، مما يفسد استمتاعهم بالنجاح كما كانوا يتصورونه، ويتسبب في تعاستهم الدنيوية قبل الأخروية، وقد تبرز هذه المشاكل إما أثناء كسبهم للثروة باستعمال طرق غير مشروعة ولا أخلاقية، قد تؤدي بهم إلى ما لا تحمد عقباه من حبس وذعائر وخسارة المركز الاجتماعي الذي كانوا يرنون إليه، وقد تتأخر إلى ما بعد مراكمتها حيث يتم إما تبذيرها والإسراف في صرفها في مختلف أوجه الحرام، أو التقتير والبخل بها عن مستحقيها ضمن الأبواب المشروعة، وفي كلتا الحالتين فالثروة تكون وبالا على صاحبها في الدنيا والآخرة إلا من رحم ربك. أما فيما يتعلق بالفئة الثانية فأفرادها يحرصون على اتباع الطرق المشروعة أثناء كسبها وأثناء صرفها على السواء…

ومما ينبغي الإشارة إليه أن الأصل في النجاح غالبا ما يكون مرتبطا بالمشقة الناتجة عن بذل الجهد، لا على المتمنيات والسفسطة، ولعل أحمد شوقي قد أحسن التعبير على ذلك عندما قال: وَما نَيلُ المَطالِب بِالتَمَنّي     وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا، ذلك أن النجاح في أي مجال دنيويٍ كان أو أخرويٍ لا بد وأن تصاحبه مشقة، فعلى المستوى الدنيوي لا يمكن للطالب أن يتميز في نجاحه دون أن يسهر الليالي، كما لا يمكن للأستاذ أو الطبيب أو الفلاح، أو التاجر أو الداعية… الذي يطمح إلى النجاح في مهنته  أن يحقق طموحه دون مشقة، وعلى المستوى الأخروي فالمؤمن الذي يطمح إلى محبة الله له والفوز بالجنة، لا يتيسر له ذلك دون مشقة في جميع أصناف العبادات المفروضة منها والمسنونة على السواء، فالصلاة والزكاة والحج والصيام والقيام والنوافل كلها لا تخلو من مشقة. في المقابل نجد من يضرب هذا الأصل أو المبدأ بحيث يتوسل إلى النجاح باتباع أقصر السبل وبذل أقل مجهود ممكن، الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام الغش بمختلف تمظهراته، من الغش في الامتحان، إلى تزوير الوثائق والديبلومات مرورا بأكل الربا وأخذ الرشوة إلى غير ذلك من الأساليب التي تعج بها مختلف المجتمعات، المادية منها على الخصوص.

هناك جانب آخر يتعين الإشارة إليه بالنسبة لأفراد كل فئة على حذا، ففي الوقت الذي تغلب فيه الأنانية والكسب الفردي على المجموعة الأولى، مما يشجع على الحقد والبغضاء والتنافس غير الشريف بين أفراد المجتمع، فإن الغالب في المجموعة الثانية، أو كذلك ينبغي أن يكون، هو التفكير في إطار جماعي حتى وإن كانت طبيعة العمل تقتضي أن يكون فرديا، مما يحفظ للمجتمع تآزره وتكافله مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم » المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا ».

إن الخوض في مثل هذه المواضيع يتطلب دراسات مختصة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنظر في المآلات التي يمكن أن تؤول إليها المجتمعات في ظل سيطرة فئة على أخرى. وعلى الرغم من ذلك فإني أزعم أن مآل مجتمع تسيطر فيه المجموعة الأولى هو البوار والخراب والخسران في الدنيا والآخرة، لذا يبقى الأمل معقود على المجموعة الثانية في تحصيل مآل النجاح الأخروي الذي ينبني بلا شك على نجاح دنيوي على المستويين الفردي والجماعي، والذي لن يتأتى إلا بتبني أسس الشريعة الإسلامية، حيث الجهد والمشقة والإتقان أركان أساسية في الكسب المادي والمعنوي، الأمر الذي يجعل من محاربة كل مظاهر الأنانية المفرطة وكل أساليب الغش لدى كل فئات المجتمع فريضة عين على كل فرد من أفراد المجتمع.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *