Home»Enseignement»لا تعلّم ولا تعليم ولا علم ولا معرفة دون تربية

لا تعلّم ولا تعليم ولا علم ولا معرفة دون تربية

3
Shares
PinterestGoogle+

لا تعلّم ولا تعليم ولا علم ولا معرفة دون تربية

محمد شركي

إننا ونحن في  بداية الموسم الدراسي الجديد الذي يأمل آباء وأمهات وأولياء أمور المتعلمين أن يحالف النجاح والتوفيق فلذات أكبادهم لا بد مما ليس منه بد وهو واجب التذكير بأمر في غاية الأهمية والخطورة في نفس الوقت ، كما أنه أمانة في عنق كل مربّ قد قلّدها بحكم انتمائه إلى قطاع التربية ، وهو مسؤول عن أدائها أمام الخالق سبحانه وأمام الخلق  سواء مازال يزاوله مهمته التربوية  أو أنهى مشواره  وغادرها ، وعسى هذا التذكير أن يحدث أثرا في من يعنيهم الأمر من مربين ممارسين ، ومن أولياء أمور، وكلهم تقع عليهم مسؤولية تربية الناشئة المتعلمة وكلهم سيسألون عن الرعية التي استرعاهم الله عز وجل يوم لقائه .

وفحوى هذا التذكر يختصره عنوان هذا المقال :  » لا تعلّم ولا تعليم دون تربية « 

وأفضل ما يتصدر الحديث عن هذا الأمر هو استحضار قصة الإمام محمد بن إدريس الشافعي مع أستاذه الإمام الحافظ وكيح بن الجرّاح رحمهما الله تعالى ، ذلك أن الشافعي وكان إماما حافظا ، وصاحب ذاكرة لاقطة في منتهى العجب حتى أنه روي عنه أنه  كان يلقي النظرة على الصفحة من السفر فترتسم في ذهنه تماما كما تنسخ الناسخات الصفحات في زمننا هذا الذي لم يعد فيه  اهتمام للذاكرات ، وقد حصل له يوما أن اختبر ذاكرته، فلم يجدها كما عهدها لاقطة ، ففزع إلى شيخه الإمام الحافظ وكيع يشكو إليه ذلك، فدله شيخه على السر ،وصوّر ما دار بينهما في بيتين من شعر حكمه الرائعة قال فيهما:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي     =  فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلم نـــــــور       = ونور الله لا يهدى لعـــــــاصي

وبهذين البيتين وضع الإمام الشافعي لطلاب العلم إلى آخر الزمان  خريطة طريق تهديهم إلى سبيل النجاح في تحصيل العلم والمعرفة . وقد يبدو لأول وهلة أن  هذين البيتان لا يتجاوزان غرض الوعظ والإرشاد ، والحقيقة أنهما أبعد مرام من ذلك، لأنهما يحيلان على أمر في غاية الأهمية والخطورة وهو دور التربية  في طلب وتحصيل العلم والمعرفة  ، وهي التي اقتضى  في زمان الناس هذا الخوض في قضاياها  اعتماد علوم شتى صارت تنعت بعلوم التربية  .

وقول الشافعي في البيتين الشعريين يحيل بامتيازعلى مجال التربية ، ذلك أنه ربطها بالعلم  الذي قوامه التعليم والتعلّم  ، وكنى عنها بعبارة :  » ترك المعاصي  » التي تعني استقامة السلوك وهو قوام التربية .

ولقد كان مرجع الإمام وكيع وتلميذه الشافعي في بيان علاقة العلم بالتربية أو بالتقوى إذا شئنا استعمال التعبير القرآني هو كتاب الله عز وجل الذي يقول فيه جل  شأنه : (( واتقوا الله ويعلمكم الله  والله بكل شيء عليم )) حيث ارتبط  في هذه الآية الكريمة الأمر بالتقوى بتحصيل العلم ،لهذا نصح الإمام وكيع تلميذه الشافعي بترك المعاصي وهو ممارسة من ممارسات تحقيق تقوى الله عز وجل.   ومعلوم أنه عند التأمل الدقيق في مفهوم التقوى ينتهي بنا الأمر إلى التربية التي تتحقق من خلال علاقة تنشأ أولا  ما بين الإنسان وخالقه  ثم  تشمل  بعد ذلك علاقاته مع  مختلف المخلوقات العاقلة وغير العاقلة ، وبيان ذلك أن الله  ينعت ذاته المقدسة بالربوبية ، وفي ذلك ما يدل على خضوع الإنسان لتربية إلهية تجعله مستقيم السلوك في حياته مع محيطه وما يحويه .

ومن تربية الله عز وجل للإنسان تعليمه ما لم يكن يعلم  مصداقا لقوله تعالى : ((  اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم )) ، وهذا ما حمل الناس على اعتبار التعليم الذي يتحقق به التعلّم وسيلة من وسائل التربية ، بل هو عندهم  أهمها على الإطلاق ،ذلك أنه على قدر نصيب الإنسان من العلم يكون نصيبه من التربية ، وهذا ما ترجمه البيت الشعري للإمام الشافعي :

وأخبرني بأن العلم نور    = ونور الله لا يهدى لعاصي

و معلوم أن التعبير القرآني يستعير النور للدلالة على الوحي المنزل من عند الله عز وجل  كما هو الشأن في قوله تعالى :

(( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا )) وقوله أيضا : (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ))،كما أنه  يستعير أيضا  النور للدلالة على الهداية ، ويستعير الظلمة للدلالة على الضلال كما هو الشأن في قوله تعالى : (( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت  يخرجونهم من النور إلى الظلمات )) .

ويلاحظ أن  استعارة النور للدلالة على الوحي ،وهو علم لقوله تعالى : (( الرحمن علّم القرآن )) ،واستعارته للدلالة على الهداية هو الجامع بينهما نظرا لتلازمهما ، لهذا قال الإمام الشافعي :  » ونور الله لا يهدى لعاصي  » لأن الهداية والضلال أو الاستقامة والعصيان لا يجتمعان تماما كما لا يجتمع النور والظلام .

وبناء على ما تقدم  فإنه من العبث أن يرجى ممن لا استقامة له أو بتعبير آخر ممن لا تربية له تحصيل العلم .ومشكلة منظومتنا التربوية أن التربية فيها صارت معطلة ، حيث صرنا أمام ناشئة متعلّمة لا تضبطها ضوابط تربوية نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر أن العبث يلازمها حيثما وجدت حتى داخل الفصول  الفصول الدراسية بحيث يصرف المدرسون وقتا معتبرا من الحصص الدراسية لضبطها وصرفها عن تنكب العبث والانصراف للتحصيل ، أما خارج الفصول سواء في ساحات المؤسسات التربوية أو خارجها أو محيطها أو في الشوارع والطرقات ، فحدث ولا حرج ذلك أن الغالب على هذه الناشئة هو العبث وسوء الخلق بحيث لا تصدر عنها الكلام الفاحش الذي يعكس غياب شيء اسمه التربية.

وقد يتحدث البعض عن تدني المستويات الدراسية لهذه الناشئة  سنة بعد أخرى ، ويفيضون في ذكر العديد من الأسباب التي ترجعونها إلى المناهج والبرامج والمقررات والمؤلفات الدراسية ، وأساليب التقويم … إلى غير ذلك من الأسباب دون أن يخطر لهم على بال موضوع التربية المعطلة أو الغائبة .

 وعندما نتأمل محتويات البرامج والمقررات والمؤلفات نجدها حافلة بتربية نظرية لكنها لا تنزل في واقع المدرسة المغربية الشيء الذي يجعلها مجرد حبر على ورق .

والغريب أن المدرس إذا ما تناول قضايا التربية المتضمنة في البرامج والمقررات والمؤلفات صار عرضة لسخرية ناشئة متعلمة تربت على سلوك منحرف تلتقطه من الشارع  الذي لا ضابط أخلاقي له ، وتنقله حرفيا إلى المؤسسات التربوية . والأشد غرابة من ذلك أن هذه الناشئة المتعلمة سريعة التأثر بنماذج من المنحرفين أخلاقيا من الذين تعج بهم الشوارع  تنقل عنهم تصرفاتهم  وأساليبهم الساقطة في الكلام ، وتشيعه فيما بينها على أوسع نطاق حتى صار سلوك أولئك المنحرفين هو السائد ،وهو سيد الموقف ، وصار السلوك السوي والاستقامة عندها موضوع سخرية واستهزاء ، استخفاف  …

وقد يعيب  الآباء والأمهات وأولياء أمور الناشئة المتعلمة على المؤسسات التربوية فشلها في تربيتها التربية السليمة  مع أنهم لا يقومون بما عليهم من واجب التربية الأسرية لأن همهم صار محصورا في الانشغال  بنتائج أبنائهم وبناتهم ، وقد يألمون إذا ما جاءت مخيبة لآمالهم  وانتظاراتهم لكنهم لا يكترثون بموضوع فساد أخلاق أبنائهم وبناتهم وسوء تربيتهم ، ولا أحد منهم يكلف نفسه مجرد سؤالهم عن أوجب الواجبات ألا وهو واجب الصلاة التي هي عمود الدين، وأساس التربية السوية، ذلك أن من واظب عليها أكسبته السلوك المستقيم ، وكانت له  ناهية عن الانحراف ، كما كانت له عنونا على الانصراف الجاد والمسؤول إلى تحصيل العلم والمعرفة باعتبارهما من صميم التدين أومن صميم العبادة كما ينص على ذلك دين الإسلام.

وفي الأخير نقول  لكل من يعنيه  أمر تعلّم أو تعليم الناشئة التربوية  في بلادنا  إنه لا تعلّم ولا علم ولا معرفة  دون تربية تبدأ في البيت والمسجد وتكتمل في المؤسسات التربوية . ولا مندوحة للناشئة المتعلمة عن نصيحة الإمام وكيع لتلميذه الإمام الشافعي رحمة الله تعالى عليهما .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *