Home»National»مشاهد من زمن كورونا…المشهد(3)

مشاهد من زمن كورونا…المشهد(3)

1
Shares
PinterestGoogle+

محمد امباركي

في يوم مشمس صعد  » عوتو  » الى السطح كي ينشر الغسيل خلال منتصف النهار…صعد الدرج وهو يردد على مسامعه تعاليم زوجته  » منانة  » في طريقة النشر ووضع الملابس حسب حجمها بالحبال الممتدة بالسطح…لما فتح باب السطح أحس باهتزاز داخلي كاد يسقطه أرضا…اهتزت أحاسيسه بقوة وهو يستفيق فجأة على حقيقة أن قدميه لم تطأ هذا السطح منذ مدة طويلة …وأن آخر مرة لزيارته كانت منذ أكثر سنة لما ألحت عليه « منانة  » بضرورة تغيير صباغة جدران السطح المهترئة …
لذة الاستمتاع بأشعة شمس ساطعة أدخلت كثيرا من السرور والبهجة على نفسية  » عوتو  » ورفعت من معنوياته وهو منهمك في ترتيب الغسيل فوق حبال النشر وشدها ب « المساسيك  » (*) والحرص على مراعاة كل التفاصيل التي تجعله لا يحيد عن توجيهات « منانة »…كاد يطير من الفرح لولا خوفه من أن يسقط من السطح الموجود في الطابق الثاني لمنزله الذي مازال يؤدي أقساط القرض البنكي لتمويل بنائه منذ أكثر من عقد من الزمن…احتل الفرح كل مناطق جسده المرئية والدفينة لأنه أخيرا أدرك لماذا كانت الشمس محاطة بهالة من القداسة والتعبد قديما قبل ظهور الدين الواحد، وهاهي الإلهة  » الشمس  » ذاتها تعيد الحياة للبشر في زمن الكورونا…أخرج هاتفه النقال المهترئ من جيب قميصه للبحث عن شرائط تتحدث عن دواء طبيعي لقهر الكورونا في ظل عجز علم البشر : حرارة الشمس…أسئلة عديدة أحتلت عقله ومخيلته : شمس الخلود لم تشرق بالقارة العجوز مهد « الأنوار  » والاستعمار، أو ليس مغيبها هو سبب الرحيل الأبدي للأجداد والجدات، صناع ماضي جميل من أجل مستقبل أجمل؟ أو ليس هذا النزول القسري من قطار الحياة لنساء ورجال خبروا العشق بين بعضهم البعض وبينهما والحياة، مدفوعا بمنطق  » الغاب  » لساسة انتصروا لمناعة القطيع دفاعا عن أنانياتهم المريضة وتجارتهم الكاسدة؟…. »الإنسان ذئب لأخيه الإنسان  » ، تراءت أمامه هذه المقولة للفيلسوف الإنجليزي « توماس هوبز  » لما كان الإنسان يسعى جاهدا للانتقال من حالة الطبيعة الى حالة المجتمع….وهاهي كورونا تحدث قطيعة مدوية و ترجع بنا الى حالة الطبيعة حيث البقاء للأقوى…من البقاء للأقوى « نيتشويا » الى البقاء للأصلح « شعبويا  » في عالم رأسمالية متوحشة اشتد عليها الخناق فلم تجد علاجا لعللها البنيوية غير العودة لنظرية الانتقاء الطبيعي و الأطروحة البئيسة لمناعة القطيع التي تتغذى من تاريخ الأوبئة.
حمل معه  » عوتو  » هذه الهواجس المسكونة ببعض أوهام  » مثقفي  » زمانه، زمن الكورونا، المتوارون الى الخلف بتواري سلطة التمويل ومنصات الإطلالة البهية واللغة المختارة والموقع المريح، وأطل من نافذة السطح لعله يجد مساحة مشعة من الحياة….تراءت له سطوح ممتدة تعانق بعضها البعض في صمت يشبه صمت القبور…تحتضن بعضها البعض كأنها خائفة من خطر محدق…قد يكون خطر الكورونا…مرة أخرى يتفقد « عوتو « هاتفه النقال المهترئ ليطل على تفاصيل تتحدث عن الإقامة الطويلة للكورونا فوق السطوح…. » من حق الأسطح أن تخاف على حياتها » طالما أن هذه الجائحة الزئبقية الماكرة تعشق النوم فوق السطوح ، هكذا تحدث الى نفسه وهو يواصل تأمله من فوق السطح للبنايات الهامدة والأزقة الفارغة من شغب الأطفال وصخب نساء العشية وصياح الباعة المتجولين….. المدينة الشبح !

محمد امباركي
30 مارس 2020

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *