عـلاج كورونـا بيـن العلـم والديـن، بيـن المختبـر والمِحـراب! أو وَهْـمُ الانفصـامِ النكِـد!
.jpg)
(سعيـد عبيـد)
بين التأليه الإلحاديِّ للعِلم والتفسير الخرافيِّ للدين منطقةٌ وسطٌ يقف فيها المؤمنون حقا، فحواها الواضحُ وُضوحَ البدائه الكونيةِ أنَّ العِلم أجَلُّ نِعم الله على الإنسان، غير أنه لا تأثير له إلا بإذنه تعالى؛ ومن هنا فضّل الله المؤمنين والعلماء على غيرِهم من الخَلْق: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة 11)، بل، وهو طريفٌ للغاية، فضَّل الكِلابَ المُعلَّمةَ على الكلابِ غير المعلَّمة، فأحلَّ الأكلَ مما اصطادته الأولى، وحرَّم الأكل مما اصطادته الثانية (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) (المائدة 4).
غيرَ أن هذا التفضيل مردُّه إلى قيمة العِلم التي أوْدَعها الله تعالى فيه للرقيِّ بحياة الإنسان الدينية والمعرفية والمعيشية والتقنية، لا إلى أنه هو نفسُه الفاعلُ المؤثرُ، تماما كما أوْدعَ أثرَ الإنباتِ في الماءِ، وأثرَ الإحراقِ في النارِ، وغيرهما… وكما عبد البدائيون الماءَ والنار، ظنًّا منهم أنهما هما الفاعلان المؤثِّران، يعبُد الملاحدةُ اليومَ العِلمَ، وهذا تطرُّفٌ في وضعِ الأمورِ موضعَها، تطرفٌ بلغَ به الإعجابُ والاندهاشُ إلى درجة التأليه، تماما كما بلغَ إعجابُ البدائيين المتطرفُ بالشمسِ درجةَ العبودية، ولو عاشوا إلى زمننا هذا ورأوا أن تلك الشمس « العظيمة » ما هي إلا نُجيْمةٌ صغيرة للغاية في سديمِ الملكوت لضحكوا على أنفسِهم مما كانوا يعبدون!
إن العِلمَ – لا غيرَه من الخرافاتِ – هو وحدهُ الكفيلُ بإخراج البشرية اليومَ من مقبرةِ وباءِ كورونا الطاحن، وحينما نقول هذا الكلامَ إنما نقوله امتثالا لقوله تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمُ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا، لا تنفذون إلا بسُلطانٍ) (الرحمن 33). فالنفوذُ من أقطار كورونا اليومَ لا يكون إلا بسُلطان العِلم وحده، غير أن ذلك – في كورونا وغيرِه، اليومَ وغدًا كما كانَ أمسِ ودوْمًا – لا يكون ولا يتحقق البتة إلا إذا أذِنَ الله تعالى له؛ وهذا هو الأمر الذي فهِمَه العلماءُ المسلمون العامِلون ببساطة وعُمقٍ في آنٍ، فلم يتخلوْا عن مُختبراتهمْ وهو في كنفِ مِحراب الإيمان، ولا هم تخلوا عن إيمانهم وهم في كنفِ مختبرات العلِم، بل لم يُحسُّوا قطُّ بأن الأمر يتعلق بثنائية متنافرةِ القُطبيْن، لأن هاته الثنائيةَ اختُلِقت اختلاقا في قرون التخلف، وزاد الاستشراقُ المنحاز وتلامذته من المسلمين شرْخَها عمقا! وما هي إلا وهْمٌ على المسلمين المعاصرين اليومَ أن يتجاوزوا نكَدَهُ بكل تحدِّ وعِلمٍ وعمَل ويقين.




Aucun commentaire