Home»MRE»رحلة عبر الطائرة-1

رحلة عبر الطائرة-1

1
Shares
PinterestGoogle+

اقتراح سلسلة من المقالات تتحدث عن رحلة إلى أوربا ، تثار من خلالها  قضايا سياسية وثقافية واقتصادية وغيرها  مما يتعلق بالمجتمع الأوربي في علاقته بالجالية العربية عموما والمغربية خاصة

موليلة بنيونس .

رحلة عبر الطائرة-1

استيقظت اليوم مبكرا على غير عادتي لأنني على  موعد مع السفر عبر الطائرة نحو أوروبا ،تملكني إحساس غريب لم أتعود عليه من قبل  فلولا الشوق والحنين لأعزائي الصغار ما كنت لأبرح مكاني ولا لأتكلف عناء السفر، فقد كنت  في ما مضى أبتهج  للرحلات وركوب أهوال المغامرات  لمعانقة الأحباب والأصحاب هنا   وهناك ، أما اليوم فإنني أشعر وكأن صخرة صماء تشدني إلى الأرض فتمنع عني رياح الأشواق لمن أحب وربما قد يعود السبب للعادة التي تحدث أثرها في نفس الإنسان  فتبلد أحاسيسه وتجمد أعصابه فلا يكترث بالواقع الذي يتحرك فيه أ و لعاديات الزمان  التي  لعبت دورها في تقلب الأحوال وإخماد جذوة القوة والنشاط التي كان يتمتع بها   فأصبحت  تفرض عليه لزوم المكان الذي ارتبط به فلا يبرحه إلا لقضاء ما به يسد رمقه ثم يقبع كالحلزون في بيته فيحكم إغلاقه كما يغلق جميع الآمال والطموحات التي كان يزخر بها ذات يوم ، وقد تعزى  إلى وسائل التواصل الاجتماعية التي أصبحت تهاجمنا في عقر دارنا بعدما  أحدثت ثورة  في عصرنا الحالي على كل ما كان يطمئن إليه الإنسان في حياته اليومية و مع ذلك فقد يرجع إليها الفضل في كثير من الأحيان  في تسهيل عملية التواصل والتقارب والتزاور  بين البشر في جميع أنحاء  العالم فأصبحت بذلك تعفي أصحابها من عناء التحري والتحرك   لأنها ساهمت في  تقريب البعيد وإزالة  الوحشة والحنين بين الأحباب والأصحاب  ، ،فقد كان الشخص  في الماضي يشتاق لرؤية  الغائب الذي  تغيبه المسافات وكان أقصى ما يطمح إليه رسالة خطت بشكل ركيك تلخص الأحوال والمعاناة كيف حالكم أنا بخير -هذا هو الخطاب الذي كان سائدا بهذه العبارات المختصرة والمختزلة لحياة شخص عزيز غائب ،كانت ملامحه في بعض الأحيان تنمحي من الذاكرة لطول الفرقة ولعاديا ت الزمان أما اليوم فقد صدق من وصف العالم بالقرية الصغيرة والتي تحولت مع تطور التكنولوجيا الرقمية  إلى بيت نتعامل   فيه عبر الأثير مع أشخاص لا نعرفهم إلا من خلال هذا العالم الافتراضي الذي صير  واقعنا وهما أصبح يتحكم في مصائرنا وأحاسيسنا و عقلياتنا نتواصل من خلاله مع أشخاص مفترضين يقتحمون علينا خصوصيتنا بدون استئذان .

بدأت الطائرة تترجرج فأخبرنا  الربان  عبر مكبر الصوت بأنها تخترق أجواء مضطربة  أو هكذا أوهمنا ،حينها تذكرت معنى الآية الكريمة -لا تنفذون إلا بسلطان – سلطان العلم والتكنولوجيا المتطورة التي يمتلكها الغرب دون سائر العربان يقال والله أعلم أنه  لو استيقظ العالم يوما على وقع اختفاء العربان من سطح الأرض  فلا يتغير من الواقع شيء عدا نهاية الاقتتال والتطاحن وكساد تجارة أسلحة الدمار ، باسم الدين يتناحرون صباح مساء سنة وشيعة و به يحكم الطغاة بالحديد والنار و به يستغل الانتهازيون الوضع للتجارة في أعراض الخلق وتصنيفهم حسب الهوى بين الشريف والوضيع بهتانا وزورا ما أنزل الله به من سلطان

دخلنا منطقة احتجبت فيها الشمس وأنا الذي كلما أطللت صباحا من نافذة بيتي إلا وطلعت علي ذكاء  ساطعة في سماء صاف أزرق صيفا وشتاءا من قال في بلدي فصول أربعة لم أر شيئا سوى شمس وزرقة وغبار يتناثر بوقع حوافر الدواب والبشر .

حطت بنا الطائرة في مطار اندهوفن ، انتهت الرحلة بسلام والحمد لله ،انتقلنا في ظرف وجيز من أجواء صافية وشمس ساطعة في الشرق إلى سماء الغرب الملبدة بالغيوم الممطرة ،هنا يشعر الإنسان بفصل شتاء  حقيقي ويعيش أجواءه بكل تداعياته المناخية الممطرة والمثلجة على مدار شهور تحتجب فيها الشمس وراء الغيوم الملبدة يقال والله أعلم بأن الصين أصبحت تتحكم في الغيوم وتحريكها وإنزال المطر أينما تشاء باستخدام الأقمار الاصطناعية ،فلم لا يستورد العربان هذه التقية لسقي الزرع والضرع؟ ،اللهم كما جدت على هؤلاء بفضلك وكرمك فجد علينا يا أرحم الراحمين بسقيا لا نظمأ بعدها أبدا .

توجهنا مباشرة بعد النزول من الطائرة إلى البهو  المخصص لختم الجوازات بالمطار، هنا وجدنا  طوابير طويلة من السياح والمهاجرين المغاربة وغيرهم ينتظرون ختم جوازات  سفرهم والإذن بالدخول إلى البلد المستقبل ،تقدمت إلى إحدى الشبابيك فقدمت جواز سفري إلى شرطية لختمه كباقي المسافرين ،كلمتني باللغة الهولندية ، فاعتذرت لأنني لم أفهم المراد ثم باللغة الانجليزية،  ،اقترحت عليها  التحدث بالفرنسية لأنني لا أتقن غيرها  فأجابت بالنفي لأنها تجهل هذه اللغة التي مازال البعض منا يتفاخر بها في بلدنا الحبيب، فليعلم أهلنا الفرنكوفيون أنه قبل نحو قرنين فقط من الزمان لم يكن أحد يتحدث هذه اللغة في العالم  غير الفرنسيين ،وإذا كانت اللغة بشكل عام تعد عملة لغوية  تُتداول في أسواق الألسن لتحقيق الفائدة ،حسب رأي جون كالفيه فإن مكانة عملة الفرنسيين دوليا كانت دائما تقبع في المرتبة الثانية في أحسن الأحوال خلف الإنجليزية وبفرق شاسع  ومع ظهور الثورة الإعلامية، خاصة الإنترنت، واعتماده على الإنجليزية بشكل أساسي تراجعت اللغة الفرنسية بشكل ملحوظ حتى في مستعمراتها السابقة و بدأ الاهتمام والدعوة إلى استعمال اللغة الانجليزية خصوصا مع تحول العالم إلى قرية انتشر فيها اللسان الإنجليزي على نطاق واسع  فأصبحت  تعيش على وقع عولمة لغوية ضارية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا

شعرت من خلال تصرفات الشرطية  معي وكأنها تستنطق متهما رغم ما قدمت لها من وثائق تثبت هويتي ومدة إقامتي فانتفضت في وجهها غضبا  أمام الملأ ،فلم تحرك ساكنا وقابلت هيجاني ببرودة دم لا أعتقد أنها تتوفر لدى شرطتنا المحترمة ،أعجب الجميع بجرأة رجل قادم من بلاد الشرق ثار وانتفض لكرامته المخدوشة وللصورة الموشومة في أذهان الغربيين على كل قادم من الدول الإفريقية ،كما ثار  لكرامة  جواز سفره الذي أصبح ينظر إليه بنوع من الريبة والاحتقار والدونية، فبقدر تيسير الدخول والترحيب بالقادم من الغرب  عندنا  بقدر ما تفرض القيود على القادم من الشرق  عندهم  لأنهم  ينظرون إلى كل آت من وراء البحار  أنه يحمل نفس الخصائص من الجينات المتهمة ،وأخيرا ختمت الجواز وتمنت لي حظا سعيدا ومقاما طيبا بينهم أو هكذا ما أوحى لي به المترجم         – يتبع بإذن الله-

MOULILA Benyounes     –  Allemagne- 

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *