Home»Islam»لا حرية خارج إطار العبودية لله عز وجل

لا حرية خارج إطار العبودية لله عز وجل

1
Shares
PinterestGoogle+
 

لا حرية خارج إطار العبودية  لله عز وجل

محمد شركي

 مناسبة ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال فرصة لإثارة موضوع الحرية لارتباطها بالاستقلال . ولقد خاضت جهات مختلفة عندنا  في موضوع  الحرية خلال السنوات الأخيرة كل خوض انطلاقا من خلفياتها العقدية المختلفة  ، الشيء الذي ترتب عنه اختلافات وخلافات تصل إلى حد التناقض .

ولما كانت المناسبة هي تقديم وثيقة الاستقلال أو بتعبير آخر وثيقة الحرية ، وكان المغرب منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر قرنا دار إسلام ،فإنه يتعين أن يثار بهذه المناسبة موضوع الحرية من منظور إسلامي يلزم الأمة المغربية المسلمة ، ولا يلزمها غيره من المنظورات التي يصدر عنها البعض ممن يرغبون عن  الانطلاق من المنظور الإسلامي فيما يذهبون إليه من آراء ومواقف .

وانطلاقا من المنظور الإسلامي تعتبر الحرية من مقتضيات تكريم الله عز وجل لبني آدم . وهذه الحرية إنما تتأتى  من العبودية الخالصة له سبحانه وتعالى .

 ومع أن العبودية  لغة هي نقيض الحرية ، فإن العبودية لله عز وجل لا يصح أن تقاس على العبودية لغيره من المخلوقات  أو تقارن بها ، ذلك أن هذه الأخيرة  لا قدرة لها على الخلق الذي هو من اختصاص الخالق جل شأنه  وهو ما يجعله مخصوصا بالعبودية دون سواه . والعبودية التي تكون للخلق دون الخالق  ليست هي العبودية التي تكون له سبحانه  وتعالى ، ذلك  أن استعباد الخلق بعضهم بعضا هو جور يتجلى في إهانة واستغلال بينما استعباد الخالق سبحانه وتعالى الخلق لا جور فيه بل فيه تكريم لهم، لأنه سبحانه وتعالى لم يخلقهم لإهانتهم ولا لاستغلالهم ، وهو في غنى عنهم .

والحرية شرعا تطلق على المكنة التي يقررها الشرع للفرد بحيث يكون قادرا  على أداء واجباته مستوفيا حقوقه ، ويختار ما ينفعه ويتجنب ما يضره ، ولا يؤذي غيره . ومعلوم أن الإنسان يتمتع بحقوقه قبل أن يطالب بواجبات ، وهذا من تكريم الله عز وجل له ،لهذا لا يوجد ما يستدعي الطعن في عبوديته  لخالقه أو قياسها على عبوديته لغيره، لأنه في هذه الأخيرة لا ينال من حقوقه ما يناله في عبوديته لله تعالى . ومن نازع الله عز وجل في عبودية الخلق له فقد جعل نفسه شريكا له . وما بعث الله تعالى الرسل والأنبياء صلواته وسلامه عليهم أجمعين  برسالاته إلا لنقض استعباد الخلق للخلق . ورسالته سبحانه وتعالى الخاتمة تقص علينا أخبار أولئك الرسل والأنبياء وهم ينهون عن استعباد البشر بعضهم بعضا ، ويخلصون البشر من العبودية للأصنام والأوثان والأهواء  وغير ذلك .

وما لم يكن الإنسان عبدا لله تعالى ، فإنه يكون بالضرورة عبدا لغيره سواء كان هذا الغير خارجا عنه أو كانت نفسه وما تمليه عليه من أهواء . ومن كان عبدا لغير الله تعالى، فلا يمكنه اعتبار نفسه حرا متمتعا بحريته على الوجه الصحيح ، ويترتب عن ذلك أن يتحرر من تلك العبودية باللجوء إلى العبودية لله تعالى التي تضمن له حقه في الحرية الحقيقية .

ومعلوم أن الذين يطالبون بالحرية خارج إطار العبودية لله تعالى يخبطون خبط عشواء ، ولا حجة تدعم مطلبهم ، ولنستعرض على سبيل المثال مطلب حرية الجسد الذي كثر الحديث عنها ، وهو مطلب إنما أريد به ابتذال هذا الجسد  جنسيا ابتذالا مذلا ناقضا للكرامة البشرية  ليس غير والذي لا يملك الإنسان حرية التصرف فيه لأنه لم يخلقه وإنما وهب له، ومالكه هو واهبه سبحانه وتعالى . وحين  يطالب الإنسان بالتصرف في جسد لا يملكه تصرفا لا يقبله المالك الحقيقي  يفقد حريته عكس ما يخيل إليه، لأنه يسقط في عبودية هوى نفسه . ولو كان الإنسان كما يزعم البعض حر التصرف في جسده كما يشاء لكان قادرا على صيانته من التلف بسبب مرض أو موت  أو غير ذلك . وما دام لا يستطيع ذلك فهذا يعني أنه لا يملكه ، ومن ثم لا يمكنه حق  التصرف فيه وفق هوى نفسه بل يلزمه أن يتصرف فيه وفق إرادة من وهبه إياه . ومن المعلوم أن الواهب سبحانه حريص على صيانة الهبة ،ولا يمكن اعتبار صيانتها من الابتذال مصادرة لحرية من وهبت له أو إهانة له بل بالعكس هي تكريم له وتحقيق لحريته بحيث لا يشارك الواهب في الهبة طرف آخر لم يهبها .

والكيس من الناس من يرعى أمر الواهب في الهبة ، ولا يتصرف فيها بما لا يرضيه بذريعة تحول ملكيتها إليه على وجه الظن على سبيل اليقين ، وحرية التصرف فيها وفق هواه ،مع أنه وهبها بشرط التصرف فيها وفق إرادة الواهب . فلو أن إنسانا وهب غيره هبة بشرط استعمالها في غرض معين ، فوقع التصرف فيها خلاف ذلك لطالب الواهب باسترجاعها إن أمكن ذلك أو أوقف للتو التصرف فيها أو أدان سوء التصرف فيها  وتابع المسيء وقضاه وحاسبه ، وكمثال على ذلك نذكر من يكسو عريانا لباسا يستر عورته ، فيعمد هذا الأخير إلى بيعه ليشتري بثمنه خاتما يزين به أصبعه ، ويظل على عريه . ولهذا يقول المثل العامي عندنا  » واش خصك يا عربان قال الخاتم يا مولاي  » أي ماذا يتنقصك يا عريان قال خاتم يا مولاي . ولا توجد حرية زائفة كحرية هذا العريان الذي يساير هواه، فيفضل خاتم زينة على لباس يستر عورته ويقيه الحر والقر، ولا يوجد استعباد أقبح من استعباد هوى نفسه . والمثل عندنا يقول : الكاسي  بلباس الغير عريان  » .

وفي الأخير نأمل أن تصير المناسبات التي يحتفى بها فرصا لمراجعة الذوات ، وتصحيح المسارات ، وأخذ العبر والدروس . وكان من المفروض أن يكون حلول مناسبة ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال أو وثيقة الحرية  فرصة لشكر الله عز وجل على نعمة الحرية التي لا تتحقق إلا بالعبودية له سبحانه وتعالى .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.