Home»Islam»السبيل إلى المحافظة على العقيدة السنية الأشعرية والمذهب المالكي في المغرب

السبيل إلى المحافظة على العقيدة السنية الأشعرية والمذهب المالكي في المغرب

0
Shares
PinterestGoogle+
 

علق أحد السادة الفضلاء على مقالي السابق الخاص بعدم قبول المساومة في العقيدة السنية الأشعرية والمذهب الفقهي المالكي في المغرب متسائلا كيف السبيل إلى المحافظة على هذه العقيدة وعلى هذا المذهب ؟ وهو سؤال وجيه أشكر السيد المعلق الفاضل عليه. بداية أؤكد أن الدين قد تكفل الله عز وجل بحفظه من خلال حفظ كتابه الكريم بقوله تعالى : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) وتنزيل الذكر وحفظه هو حفظ للدين ، وحفظ الدين هو حفظ للحياة بما فيها من أرواح وأموال وأعراض. والدين قد يتعرض للفتن لهذا يؤثر عن المسلمين قولهم :  » اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا  » ومصيبة الدين هي الفتن التي تتهدده .

ومع قناعتنا الراسخة بأن الله عز وجل قد تكفل بحفظ الدين ، فإننا نجزم بوجود الفتن المهددة له والتي تستهدف أصحاب القناعات المهزوزة أصلا. ومن المعلوم أن الدين يقوم على ركيزتين أساسيتين هما : العقيدة والشريعة وبينهما علاقة جدلية بحيث يؤثر صلاح أو فساد الواحدة على الأخرى . ومن المعلوم أن المسلمين تلقوا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق تلقي القرآن الكريم والسنة المشرفة ، لهذا يمكن أن نجزم بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد وصلنا عن طريق الرواية الموثوقة ، و لا يمكن أن يداخلنا الشك بعد ذلك في ديننا . فإذا كانت الكتب المنقولة كتابة تتعرض للتلف والتحريف ، فإن ظاهرة الرواية الشفوية المتناقلة عبر الأجيال تقطع كل شك بأن القرآن والسنة قد لحقهما شيء من التغيير ومن ثم تقطع الشك بأن الدين قد لحقه شيء من التغيير. والمغاربة عندما اختاروا العقيدة السنية فإنهم تلقوها مشافهة كما تلقوا القرآن والحديث ، وعندما اختاروا المذهب الفقهي المالكي فقد تلقوه أيضا مشافهة من مصدره .

لقد تنكب المغاربة العقائد المشبوهة التي كانت وراءها الأطماع السياسية التي تحاول إضفاء الشرعية الدينية على نفسها ودفعها ذلك لوضع الأحاديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعل الوضع مكشوفا بسبب انكشاف الأطماع السياسية . وهذا ما جعل علماء الحديث يضعون ضوابط صارمة لمنع الوضع بكل أنواعه وأشكاله ،وانتصروا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوا كل موضوع ومشبوه وراءه أطماع سياسية فعرفت عقيدة الأمة بالعقيدة السنية أي الثبات على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاعتقاد ، وتنكب الاعتقادات الفاسدة الدخيلة والمغرضة التي كانت غاية من حاول تسريبها إفساد الدين عن طريق نشر الفتن من خلال تكريس الطائفية الدينية لتبرير الطائفية السياسية . واشتهرت الأحاديث الموضوعة لأغراض سياسية بين علماء الحديث ، وعرفت حتى التأويلات والتخريجات المغرضة للأحاديث الصحيحة ، وهو نوع آخر من الوضع يتم على مستوى التأويل للتمويه على الوضع الكشوف الذي حاصرته ضوابط علوم الحديث . وعندما اختار المغاربة مذهب الإمام مالك فقد فعلوا لأنه نشأ وعاش في المدينة المنورة حيث عاش النبي صلى الله عليه وسلم وحيث نقلت عنه سنته نقلا أمينا لم يتأثر بعامل البعد عن موطنه ومصدر الدين الصحيح . ولن يتهدد الدين إلا ما تهدده في بداية أمره ، ولن يصونه إلا ما صانه في بداية أمره. فقاعدة لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها هي قاعدة الإمام مالك رحمه الله التي تجعل الدين المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحجة. فإذا كانت السياسة بعد مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه قد حملت أهل الفتن على التجاسر على الدين من خلال محاولة ركوبه بالوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسوء تأويل سنته ، فإن السياسة في هذا العصر تحاول أيضا ركوب الدين لنفس الغرض ، لهذا فهي تنفخ من جديد في النعرات الطائفية السياسية من خلال ذرائع عقدية مكشوفة ، وتحفر في التراث الموضوع الملفق ، وأكثر من ذلك تحاول تضليل الأمة عن طريق الإيهام بأن العقيدة السنية عبارة عن طرائق قددا انطلاقا من الزعم بأن المذاهب الفقهية لهذه العقيدة مختلفة دون بيان أمر هذا الاختلاف الذي لا يمس أصلا من أصول العقيدة المجمع عليها والمنقولة جيلا عن جيل مشافهة نقل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة .

ومن المحاولات اليائسة لترويج فكرة اختلاف العقائد بسبب اختلاف المذاهب الفقهية ترتفع دعوات مغرضة للمطالبة بحرية اختيار المذهب الفقهي داخل المجتمع الواحد مما يعني بث الفتن بين رعايا هذا المجتمع في أمور لاتمس أصول العقيدة . ومعلوم أن الفقه كالقضاء فكما أنه لكل قطر قضاة يستعملون نفس المساطر فكذلك لكل قطر فقهاء يستعملون نفس القواعد. وكما أنه لا يجوز اعتماد أحكام قضائية متعددة في نازلة واحدة داخل قطر واحد لا يجوز أيضا اعتماد آراء فقهية متعددة في نازلة واحدة داخل قطر واحد . لهذا وجدت المذاهب الفقهية الأربعة في العقيدة السنية استجابة لخصوصيات أقطار إسلامية مترامية الأطراف ، ولهذا جاءت الاجتهادات مختلفة بينها وهي كما يقال رحمة بالنسبة للأمة ، وهي كلها اجتهادات مصيبة لها أدلتها. والذي لا يعقل أن تأخذ الأمة الواحدة بأكثر من رأي فقهي فيكون ذلك نشازا تماما كما لو أن الأمة الواحدة قرأت القرآن بقراءاته المتنوعة المأثورة فتكون قراءتها ناشزة وهي تخلط بين هذه القراءات . فالاختلاف بين المذاهب داخل العقيدة السنية لا يعني تخطئة هذا المذهب وتصويب غيره بل يعني أن النازلة بين المذاهب تم تناولها من زوايا كلها صائبة ولكل منها أدلة مقنعة من الكتاب والسنة ، وهذا من سعة الدين ورحمته بالناس. وأول صيانة للعقيدة السنية الأشعرية والمذهب الفقهي المالكي في المغرب هو قطع الطريق على أصحاب الأهواء السياسية الذين يبحثون لأهوائهم عن الشرعية من خلال ركوب الدين .

فالذين يسافرون إلى قطر اشتهر بمذهب فقهي معين ثم يحاولون نقل هذا المذهب إلى المغرب إما اعجابا به أو محاباة لأصحابه أو ارتزاقا به لا يقبل منهم ذلك لأن قضية المذهب في المغرب كما في غيره من الأقطار الإسلامية قضية إجماع أمة ، و ليس من السهل الدوس عليه . لقد عرف المغرب ظاهرة نقل المذاهب غير المذهب المالكي عن طريق بعض من عاشوا لبعض الوقت في أقطار إسلامية لها مذاهب غير المذهب المالكي . فكما أنهم لم يؤمروا وهم يغادرون المغرب بنقل المذهب المالكي إلى الأقطار التي يقصدونها لفرضه على الغير ، فكذلك ليس من حقهم أن ينقلوا إلى المغرب مذاهب تلك الأقطار وفرضها على المغاربة مهما كان أسلوب الفرض . فإذا ما أرادوا تبني المذاهب التي تروقهم فلهم ذلك ولكن ليس من حقهم الترويج لها بشتى السبل بما في ذلك الطعن في مذهب الأمة المجمع عليه ، وتكفيرها بسبب ذلك ، وشراء الذمم الرخيصة لجهلها بالمال لتسويق الوافد من المذاهب .والتشكيك في المؤسسة الدينية الرسمية التي تتولى حراسة العقيدة والمذهب خدمة للدين واحتراما لإجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلال . وإن المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة في مجلسها العلمي الأعلى ومجالسها المحلية ،ومندوبياتها ، ونظاراتها تتولى خدمة العقدية والمذهب بشتى الطرق ذلك أن خطب الجمعة المنبرية الأسبوعية لا تخرج عن تعاليم العقيدة السنية والمذهب الفقهي المالكي وكذلك الدروس والمواعظ ، والإعلام الموازي كما هو شأن القناة السادسة ، وإذاعة القرآن الكريم .

أما ما ينشر أحيانا في بعض الجرائد والمجلات من آراء لا توافق العقيدة الأشعرية أو المذهب المالكي فإنها تلزم أصحابها ولا يمكن أن تحسب على المؤسسة الدينية الرسمية . وكذلك ما يقع فيه بعض المكلفين بخطب الجمعة أو بدروس الوعظ والإرشاد من تجاوزات للعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي هي أخطاء شخصية لا تتحمل المؤسسة الدينية الرسمية مسؤوليتها لأنها لا توكل أمر الخطابة والوعظ والإرشاد إلا لمن يحترم عقيدة ومذهب الأمة ، أما أن يتسلل البعض إلى هذه المؤسسة الدينية الرسمية ليروج لغير عقيدة الأمة ومذهبها فهو أمر غير مقبول وغير مسموح به مهما كان الشعار المرفوع بما في ذلك حرية اختيار العقيدة والمذهب. فإذا جاز للإنسان أن يختار ما يشاء من عقائد ومذاهب لنفسه فلن يمنعه من ذلك أحد ، أما أن يحاول الترويج لعقائده ومذاهبه مع وجود إجماع الأمة على عقيدة ومذهب فهذا أمر مرفوض شرعا لأنه يعد خروجا عن الجماعة ومفارقة لها وتعزيره معروف في الإسلام . ومما يجب التنبيه إليه أن الطفرة الإعلامية التي يعيشها العالم اليوم جعلت الفضائيات تتناقل البرامج الخاصة بمختلف العقائد والمذاهب مما يجعل المسلمين في كل أقطار الدنيا يتابعون هذه البرامج ولكن هذا لا يعني أن كل من أعجبه برنامج عقيدة ما أو مذهب ما له الحق أن يخرج عن الإجماع العقدي والمذهبي للأمة التي ينتمي إليها .

فالعقيدة والمذهب ليست مجرد فلسفة أو فن يحق للإنسان أن يختار منها ما شاء بل العقيدة والمذهب ملك عام ومصلحة عامة تلزم الجميع بموجب قانون الإجماع . إننا نصادف في المجتمع المغربي بعض المستلبين عقديا ومذهبيا وهم في الغالب من المهاجرين الذين ينقلون التدين كما ينقلون الأعراف والعادات والأدوات المادية سواء بسواء. ومشكلة هؤلاء أنهم يحاولون إحداث بعض الضجيج للفت الأنظار إليهم بدعوى أنهم أصحاب عقائد ومذاهب مخالفة للعقيدة والمذهب موضوع إجماع الأمة ، ويقيسون معارضتهم لعقيدة ومذهب الأمة على المعارضة السياسية لأن أساس منطلقاتهم الدوافع السياسية لهذا يتعاملون مع العقيدة على هذا الأساس . ولهذا نجدهم يطالبون بحق الاعتقاد وحق التمذهب من أجل خلق الفتن داخل أمة قد حصل بينها إجماع عقدي ومذهبي وصار من الثوابت التي لا تقبل المساومة .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. متتبع
    09/08/2010 at 16:43

    من خلال كتاباتك في هذا الموضوع تبدو اميل الى الوهابية

  2. المغربي الحر
    13/12/2011 at 23:02

    لا اعتقد ان الكاتب يميل للوهابية. فهو يدعو للتشبث بالعقيدة الاشعرية. ومعلوم ان الوهابية التيمية عدوة لذوذة للعقيدة الاشعرية التي هي عقيدة الانبياء واللصلحاء

  3. ملاحظ
    14/12/2011 at 11:00

    الكاتب لا يميل الى الوهابية لانه يدافع عن العقيدة الاشعرية في هذا البلد العزيز

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.