Home»Femme»عندما يكون التعدد مشروعا مجتمعيا

عندما يكون التعدد مشروعا مجتمعيا

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
قم وتزوج بثلاث نساء (آنسة، أرملة، ومطلقة) وسنعطيك الرابعة هدية بعد عشر سنوات، هكذا قالت السيدة هوازن ميرزا صاحبة « أكاديمية تعدد » السعودية وهي تقوم بعرض مشروعها على القنوات العربية.
حتى ولو بدا الأمر مضحكا، فإن شر البلية ما يضحك، والبلايا والمشاكل التي كانت حافزا لإخراج هكذا مشروع إلى الوجود من شأن تفاقمها أن يؤدي إلى كوارث إنسانية وأخلاقية مهلكة للمجتمعات والأمم.
فماذا عنا نحن في المغرب؟ هل تأسيس أكاديمية بهذا الاسم يعتبر جنونا ؟
فماذا لو قلنا إن المغاربة والمغربيات كانوا سباقين في ذلك؟ وماذا لو علمنا بأن المغاربة ذكورا وإناثا قد أسسوا مواقع كثيرة في هذا الشأن عناوينها من هذا القبيل:
« معا من أجل تعدد الزوجات في المغرب  »
« تعدد الزوجات نعمة مغبون فيها كثير من الناس »
« عددوا.. واعدلوا ..تسعدوا »
« نعم للتعدد لا للتردد »
من خلال هذه المجموعات المغربية بدا واضحا أن المغاربة لا يستمعون للصيحات التي تنطلق من هنا وهناك تدعو إلى تجريم التعدد، وبدا أن المغربي والمغربية ينصتون لمشاكلهم الحقيقية وهم واعون بما يصلح لهم، ولذلك يرفضون الوصايا والحديث نيابة عنهم.
والمثير في الأمر أن نقاشا جادا يدور داخل هذه المجموعات، وبعضها تشرف عليه نساء وهن أكثر الوافدات والزائرات والأعضاء، (ربما لأنهن متضررات بشكل كبير) فيتم تبادل النصح والاستشارة من المعددين والمعددات أي النساء اللائي يعشن كزوجات لرجل واحد.
يقوم البعض بنشر دروس لعلماء يتحدثون عن التعدد، ومقاطع من تفاسير المفسرين لشروط التعدد ومعاني العدل المطلوب من حيث النفقة والمشاعر والمعاشرة، ومقاطع لنساء جريئات، كالجزائرية نعيمة الصالحي رئيسة حزب « العدل والبيان » صاحبة المقولة الشهيرة: « الضرة خير من الخليلة ».
كل شيء في هذه المجموعات مسموح به بكل أدب واحترام، إلى درجة أن البعض منهم يستطيع أن يدخل ويقول: « أريد التعدد..لكنني فقير ».
ومن النقاشات التي أثارتني تدور حول مفهوم التعدد، ومقاصد التعدد ومآلاته، والتي، في الواقع، يختزلها الرجال في الشهوة فتجد هذه الجملة تتردد كثيرا: « واحدة لا تكفيني » وكأن الزواج من ثانية هو تعدد في الوجبات ووجبة واحدة لا تكفيه لشرهه. ولا يمكن لأي أحد أن ينكر من أن تلبية الشهوة مطلوب شرعا، حتى يحصن الرجل فرجه ويغض بصره، مع أن العلم يثبت بأن الرجل يستطيع أن يعيش بكل توازن نفسيا وفيزيولوجيا مع امرأة واحدة إلى أن يموت، كما يقول الدكتور أحمد الأبيض في كتابه القيم: « من أجل حياة جنسية وإنسانية وناجحة »، ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون الشجرة التي تخفي الغابة، عندما تطغى الشهوة فتجعل الاختيار ينحصر في صغيرة السن: البكر الشقراء وذات العيون العسلية، فيتزوج الرجل الواحد من ثلاث أو أربع شقراوات صغيرات
لأن تلبية الشهوة تحصل كذلك متزامنة مع تحقيق مآلات أخرى كالزواج بالأرملة، أو المطلقة، أو أم الأيتام، أو العانس التي فاتها قطار الزواج، ولذا، وبما أن الكل يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة وإسوة في تعدده، وجب أن نقول بوضوح: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدد، وربما تعتبر هذه الجملة « لم يعدد » للبعض صادمة، فيقول: « كيف تجرؤ على القول بأن الرسول الكريم لم يعدد؟ !! ».
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بصفتين اثنتين، أما الأولى فبوصفه محمد بن عبد الله القرشي فقد تزوج امرأة واحدة وعاش معها إلى أن ماتت وهي أمنا خديجة رضي الله عنها، ومكث بعد وفاتها عامين حزنا عليها، ولم تكن حينها شابة صغيرة بل ثيبا بنت الأربعين سنة.
وبعد وفاتها فقط سيبدأ زواج من نوع آخر وهو بوصفه رسول الله النبي المشرع ولم يتزوج بعد خديجة ببنت الثمانية عشرة سنة أو السابعة عشرة سنة، وإنما تزوج أمنا سودة بنت زمعة وهي بنت الخمس والخمسين سنة لأنها أول أرملة في الإسلام، وهذا البعد الحضاري المجتمعي من شأنه أن يحمي المجتمع من الفساد بحماية نسائه من نار العزلة والوحدة وانعدام وجود زوج في حياتهن، وهذا البعد هو نفسه الذي أشار إليه عليه السلام بقوله مخاطبا الأسر حين يأتيها الخاطب المقبول: « إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ». أي عدم تيسير الزواج في المجتمع من شأنه أن يفتح مجالا خصبا ليرتع الفساد ويتفشى الإفساد.
لم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ليتزوج أول أرملة في الإسلام، بل هو فعل عليه السلام ذلك عطاء للقدوة، وحتى يستوعب المسلمون الدرس ويقوموا بحماية نساء المجتمع، ولا أحد يريد لنفسه إذا استشهد ومات أن تبقى بعده زوجته تتسكع في الطرقات أو يتعرض أبناؤه لشبح الفقر والأمية، أو أن تبقى بناته دون زواج إذا كبرن في السن وأصبحن عوانس، أي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع مجتمعا يعتبر فيه عرض امرأة واحدة عرضا للجميع، ومشكلة امرأة واحدة هو مشكلة دولة بكل ما فيها من مؤسسات.
بعدما استشهد جعفر ابن أبي طالب ترك ابنين اثنين فتكفل المسلمون بهما، وترك زوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها كأرملة فعدد بها أبو بكر وبعد وفاته رحمه الله تزوجها علي بن أبي طالب وهكذا تمت صيانة نساء المسلمين، ولم يقل علي: كيف لي أن أعدد بامرأة تزوجت قبلي برجلين اثنين، وكان من الممكن أن يتم التعدد بشابات صغيرات، ولكن لم يحدث ذلك إلا نادرا، لأن الصغيرات أمامهن فرص كثيرة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشاب أراد أن يتزوج بامرأة تكبره: ألا بكرا تداعبها وتداعبك.
وأما باقي الحالات الأخرى التي عدد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلها أبعاد أخرى سياسية واجتماعية وتأليفية، وتكوينية لقيادات سيستلمون مشعل الخلافة من بعده، كما هو الشأن بالنسبة لأبي بكر حيث تصاهر معه عليه السلام وكذا فعل مع عمر بن الخطاب، وكلها حالات تخدم الدين وتصون الدماء وتحمي المجتمع وتؤلف القلوب وتعمل على فتح المجال لقيادات المستقبل كي يطلعوا عن قرب على سلوكات وأفعال القيادة العليا.
سمعت الكثير من الأصدقاء يتأففون من الزواج عن طريق النت، وكنت مثلهم أول الأمر، إلى أن سألت عن شابتين كنت أعرفهما وكانتا موظفتين متميزتين، فأخبرت أنهما تزوجتا فأما الأولى فتعيش في مدينة مكناس وأما الثانية فتعيش بمدينة طنجة وكلاهما تعيشان حياة سعيدة رفقة زوجين ذوي أخلاق وقيم. المفاجئ في الأمر أنني أخبرت بأن كلاهما قد تزوجت عن طريق الانترنت، وهذا الخبر فعلا غير من اعتقادي بأن كل ما في النت عبث ونسيت بأن العبث ليس داخل النت وإنما داخل عقول وقلوب الناس سواء كانوا داخل النت أم خارجه.
إن هذه المواقع، التي سبق الحديث عنها، والتي تشجع على التعدد، قد حققت مبتغاها بشكل كبير وقد ساهمت في التقليص من معضلة العنوسة في بلادنا بعيدا عن الدولة والحكومة والأحزاب والبرلمان.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. عكاشة أبو حفصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة .
    04/03/2019 at 12:29

    أستاذي الفاضل أحمد الجبلي ، السلام عليكم .

    مواضيعكم الهادفة أصبحت تشدني أكثر فأكثر . الحديث عن التعدد ذو شجون كما يقال . وكلما تم الحديث عن التعدد أطرح على نفسي السؤال التالي : لماذا التخوف من التعدد ؟ وبأكثر تدقيقا ، لماذا تتخوف المراءة من التعدد ؟ . ولماذا يتم التعدد في السر ؟ . ولماذا يجنح البعض ومن له القدرة الى زواج الفاتحة بذل التوثيق بكل شرعية ؟ . التعديد شرعه الله وبشروط معروفة ومأكدة كالعدل كما جاء في الاية الكريمة المتعلقة بهذا الشان . من له الاستطاعة ، لماذا لا يبادر بالتعدد لوضع حد للعنوسة التي أصبحت متفشية في المجتمع ؟؟؟ . هل إذا كانت هناك استطاعة في إسعاد الثانية ، الثالثة أو الرابعة لماذا لايكون هناك مساعدة في أن يتم وبكل إشهار وعدول بدل الاختباء بزواج الفاتحة والبحث عن التثبيت فيما بعد . أيهما أفضل الحليلة أم الخليلة ؟ .
    أنا كأب مطلق لمذة 17 سنة ، لم أفكر في الزواج لحد الآن أليس هذا خطئ كبير ارتكبته في حق نفسي وفي حق انثى أخرى كان بالامكان الارتباط بها وتأسيس أسرة متماسكة تربطها المحبة والمودة ولما لا التعدد ماذام الانسان قادر على ذلك …
    أسأل الله تعالى أن يطلق صراحي وأتزوج في أقرب فرصة ممكنة ودائما وأبدا الطيبون للطيبات .
    أقف هنا والسلام عليكم ورحمة الله .

    — أبو حفصــــــــــ* ع *ـــــــــــــــــــــــــــة .

  2. أحمد الجبلي
    04/03/2019 at 22:24

    أخي الكريم عكاشة: مداخلاتك مدهشة واقعية تنم عن عمق في التحليل وصدق في الكلام والتعبير، فأنت بمداخلاتك من يزيد الموضوع جمالا ورونقا وبإضافاتك تثري النقاش وتغنيه وتفيدني شخصيا كما تفيد القراء الذين يهتمون بهذا الموضوع الحساس الذي حق للدولة والأحزاب والجمعيات والمجتمع ككل أن يقفوا عنده وقفات متأنية كي يجدوا حلولا واقعية ومناسبة حتى لا يكون الصغار ضحايا جهل وتسلط الكبار. مع خالص التحياتي.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *