Home»Enseignement»إصلاح تدريس اللغة العربية يجب أن ينطلق من سلك التعليم العالي وليس من أسلاك التعليم الأولي والابتدائي والثانوي كما يعتقد متزعمو الإصلاح

إصلاح تدريس اللغة العربية يجب أن ينطلق من سلك التعليم العالي وليس من أسلاك التعليم الأولي والابتدائي والثانوي كما يعتقد متزعمو الإصلاح

0
Shares
PinterestGoogle+

 إصلاح تدريس اللغة العربية  يجب أن ينطلق من سلك التعليم العالي وليس من أسلاك التعليم الأولي والابتدائي والثانوي كما يعتقد متزعمو الإصلاح

محمد شركي

لا زالت الجهات المعنية بإصلاح المنظومة التربوية في بلادنا  ولعدة عقود تفكر بنفس الطريقة دون أن تراجع طريقة تفكيرها في كيفية  حصول هذا الإصلاح ، فهي دائما تنطلق من أدنى سلك تعلمي إلى أعلاها، فتغير المناهج والبرامج والمقررات والكتب المدرسية وأساليب التقويم من أدنى المستويات إلى أعلاها دون أن تفكر في يوم من الأيام في عكس الآية كما يقال .

ومع أن أطر التدريس عندنا من أدنى المستويات التعليمية إلى أعلاها يجمعون على تدني تلك المستويات، فإنهم في المقابل يتراشقون اللوم فيما بينهم، فيحمل أصحاب المستويات العليا مسؤولية تدني التحصيل إلى أصحاب المستويات الدنيا.

ومما كنت أستغربه خلال ممارستي للمراقبة والتأطير حين أجمع في لقاء تربوي واحد بين  مدرسي اللغة العربية من السلكين الإعدادي والتأهيلي شكوى الأخيرين من ضعف مستويات المتعلمين الوافدين عليهم من السلك الإعدادي ، وفي المقابل يرد عليهم زملاؤهم من الإعدادي بأنهم يفد عليهم من السلك الابتدائي متعلمون بنفس المستوى ، وكنت أقول في نفسي لو قدر لمدرسي التعليم الابتدائي أن يحضروا معنا  تلك اللقاءات لردوا مسؤولية تدني مستويات المتعلمين إلى مربي التعليم الأولي ، ولرد هؤلاء بدورهم  تلك المسؤولية إلى أرحام الأمهات ،علما بأن نفس المقولة يرددها مدرسو التعليم العالي ، والجميع يتملص من مسؤولية تدني مستويات المتعلمين في تعلم  لغتهم الأم ، الشيء الذي أفضى في نهاية الأمر إلى ارتفاع دعوات إحلال العامية محلها، وهي دعوات وراءها أهواء العلمانيين الذين صاروا يصرحون بعدائهم للغة العربية بعدما كانوا يضمرون ذلك من قبل ،لأنه وقر في نفوسهم أن وقت الإعلان عن ذلك قد حان في ظل الظروف السياسية التي تسود في الوطن العربي في فترة  ما بعد الإجهاز على ثورات وحراكات الربيع العربي ، وهو إجهاز عاد بالشعوب العربية إلى نمط  أسوأ  مما كان  عليه الحال من الديكتاتوريات المنبطحة أمام أنظمة الطغيان الغربي الذي وجد الطريق ممهدا بسببها لخلق الواقع الذي أراده في رقعة الوطن العربي ، والذي فرضه عن طريق تلك الديكتاتوريات التي يدعمها ويغض الطرف عن استبدادها بالشعوب العربية .

ومقابل الضجة الإعلامية المجهزة على اللغة العربية باعتبارها لغة كتاب يتضمن دينا  يعتبره الغرب عدوه الأول ، لا نجد ما يواجه تلك الضجة ويفضح أصحابها لدى الطرف الآخر التي يقف عند حد التباكي عليها من كيد الكائدين.

ولا شك أن الضجة التي أثيرت مؤخرا حول كتب مدرسية  جديدة في المستوى الابتدائي ما هي إلا ردة فعل ضد دعوات المطالبة بإحلال العامية محل الفصحى، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها سذاجة أو غفلة أو جهلا كما يعتقد البعض . ومع أن الوزارة الوصية على التعليم أصدرت بلاغها للرد على استنكار الرأي العام  اليقظ ورود أسماء عامية  لبعض الأطعمة في نص من نصوص أحد الكتب المدرسية الجديدة ، فإن المشكل  بالنسبة للرأي العام لا ينحصر في تخلل تلك الكلمات نصا من النصوص بل القضية تتعلق باستفزاز تصريحات عضو من أعضاء المجلس الأعلى للتعليم الذي لا تفوته فرصة دون المطالبة بإحلال العامية محل الفصحى . ولقد بدا للرأي العام أن تلك الكلمات هي بمثابة جس النبض لينطلق مشروع  الإجهاز على اللغة العربية، الشيء يرفضه الشعب المغربي  رفضا قاطعا . والرأي العام المغربي يعتبر مطالبة هذا العضو بإحلال العامية محل الفصحى كمطالبته  تماما بالانحلال الخلقي حين يصرح علنا بما يسميه  مثلية ورضائية  تحت مطلب ما يسميه حرية الجسد. فهل يمكن أن يثق شعب متشبث بهويته الإسلامية في مثل هذا المجاهر بالعهر الخلقي واللغوي ؟

ولا شك أن مواجهة مشروع استهداف اللغة العربية يقتضي إصلاح طرق تدريسها للقضاء على ذريعة المطالبين بإحلال العامية محلها ،وهي ذريعة ضعف تحصيلها عند المتعلمين وفشلهم في التعبير والإنشاء بها  . وأعتقد أن الاصلاح يجب أن ينطق من أعلى المستويات في التعليم العالي ، وليس العكس كما تفكر دائما الجهات التي يوكل إليها اقتراح برامج الإصلاح .

وأذكر أن  العلامة السوداني  الدكتور عبد الله الطيب رحمه الله تعالى ألقى في الثمانينات محاضرة قيمة بجامع القرويين بمدينة فاس كان موضوعها يتعلق باللغة العربية ، ومن ضمن ما جاء في محاضرته اقتراحه ألا يسجل في السنة الأولى من التعليم العالي في شعبة اللغة العربية إلا من يحفظ الربع الأخير من القرآن الكريم والمعلقات ولامية العرب وأحسب أن قال : ولا بأس بقصيدة ابن زيدون .ولقد ارتسمت على وجوه الحاضرين يومئذ ابتسامة  استغراب  بسبب هذا الاقتراح ، والحقيقة أن الرجل وهو الأديب والشاعر واللغوي وصاحب الذاكرة  الحافظة الفذة والخبرة الكبيرة باللسان العربي  كان يريد الدفاع عن اللغة العربية بهذا الاقتراح  الوجيه الذي يعد أقل ما يجب أن يتوفر فيمن يريد ولوج  شعبة اللغة العربية وآدابها ليصير بعد تخرجه  مدرسا لهذه اللغة التي شرفت بنقل كلام الله عز وجل إلى لبشرية . ولقد كان السلف يحفظون من ذخائرها بعد حفظ كلام الله عز وجل ما لا يكاد يصدق مما نقلته لنا كتب أخبارهم .

وانطلاقا من اقتراح هذا العلامة لا بد أن يتوجه اهتمام المسؤولين عن تدريس اللغة العربية وآدابها في التعليم العالي عندنا  إلى انتقاء الطلبة بوضع شروط كشروط العلامة لتسجيلهم في شعبتها ليكون المحصول هو أطر تدريس ذات كفاءة بعد تخرجها لتنقل اللغة العربية إلى الناشئة نقلا سليما  يقوم ألسنتها ، ويسدد تعابيرها الشفهية والإنشائية، ويحملها على عشقها والتغني بها .

وإذا كان خرجو شعبة اللغة العربية وآدبها لا علم لهم بذخائر هذه اللغة التي شهد بجمالها المستشرقون وفيهم ألد أعدائها، فكيف ينتظر منهم أن ينجحوا في تلقينها للناشئة في المستويات الدنيا من التعليم ، وأن  يحببوا لها تتذوقها والنجاح في اتقانها قراءة وإنشاء ؟

ومما يؤكد سداد رأي أو اقتراح العلامة المرحوم الدكتور عبد الله الطيب  هو تجربة التعليم العتيق في بلادنا حيث كشفت هذه التجربة عن نبوغ طلبة هذا التعليم لأنهم يلجونه وقد حفظوا كتاب الله عز وجل مع بعض المتون ، وهم يحققون نسبا عالية في  النجاح في امتحان الباكلوريا تصل أحيانا  إلى نسبة مائة في المائة  ، فهؤلاء إذا ما تواصل تعهدهم بنفس الوتيرة في مرحلة التعليم العالي فستكون النتيجة مذهلة ، وسيحصل بلدنا على نوابغ يجددون العهد بالحقب التاريخية الذهبية  للأمة العربية .

وطالما ظلت  بعض الأصوات النشاز تنعق بمحاربة تحفيظ كتاب الله عز وجل  للناشئة مع  تحفيظها  الضروري من المتون في مختلف مراحل التعلم ، ومع تحفيظ عيون الشعر العربي ، فلن ترتبط هذه الناشئة  أبدا باللغة العربية الارتباط المنشود ، وستظل ناشئة هجينة لغويا لا تعرف ولا تتقن لغتها الأم ، ولا تعرف ولا تتقن لغة الغير ، وسيجد المغرضون في هجنتها اللغوية مطية لتمرير الأفكار التافهة والهدامة  كفكرة استبدال الفصحى بالعامية ، وسيتم القضاء على مشروع التعريب المنشود الذي هو اللبنة الأولي من أجل التخلص من التبعية  الفكرية والعلمية لغيرنا ، ومن أجل الخطوات الأولى الرصينة والموفقة  نحو نهضة علمية وفكرية باللسان العربي المبين .

فهل ستجد مثل هذه الدعوة آذانا صاغية أم أن قطار إصلاح المنظومة التربوية عموما ، وإصلاح تلقين لغة الضاد على وجه الخصوص سيمضي دائما نحو المحطة الخاطئة ؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *