Home»National»مذكرات استاذ متقاعد : قبور النصارى

مذكرات استاذ متقاعد : قبور النصارى

1
Shares
PinterestGoogle+

كانت المباني المخصصة للاروبيين بمدينة جرادة شبة خالية من المغاربة نهاية الخمسينات عندما حللت بالمدينة من اجل حفظ القرءان.
كان لهؤلاء الاجانب نمط متميز في الحياة ينعكس في مظاهرهم التي تختلف عن ،،ليزانديجان،،كما في لونهم وفي فخامة مساكنهم التي لا ينغصها الا بعض المغاربة الذين يقتحمون هدوءها وهم يعرضون سلعهم من قبيل،،ليزوف،،وما يدخل في هذا الباب.
لم يكن من الوارد ان نفكر في ارتياد هذا الحي لما قد يجره ذلك علينا من متاعب لا سيما وان الصرامة التي غرسها الاجانب ظلت حاضرة الى وقت لاحق،ينضاف اليها ما خلفته بصمات رجل يدعى،،بلخير،،كان موقعه السلطوي يسمح له بان يخضع الساكنة لنظام لا يقبل من الردود الا الانصياع،الى ان قتل هذا الرجل الاسطورة غداة افول نجم المحتل،وتلك قصة ذات شجون.
لم نكن نحتك بالاجانب مباشرة الا بعدما قدر لنا ان نصل الطور الثانوي،حيث كان هؤلاء يحتكرون التدريس،ولا يتركون للمغاربة الا المواد المرتبطة بالدين واللغة العربية.
كنت قد نسجت خيوط صداقة متينة مع احد ابناء القبيلة ايام دراسة الكتاب يلقب ب(جيني)،واسمه الحقيقي الوالي ع الذي احييه بالمناسبة لانه مازال يتذكر فتوحاتنا البئيسة يومئذ.
كان برنامجنا خلال اوقات الفراغ متنوعا،وهكذا،كنا نتوجه الى الغابة المجاورة خلال موسم نمو الفطر ،حيث كان يتواجد بكثرة الى درجة اننا صرنا نحدد اماكنه فتكون الحصيلة في الموعد.
خلال بعض فترات اليوم،كنا نصطف الى جانب اطفال اخرين في انتظار القطار الاسطوري وهو ينفث لفافة سميكة من دخان الفحم الحجري الذي يستهلكه دون توقف لنستجدي قطع الخشب ذات الاستعمالات المتعددة ،لكننا لا نفوز بها الا لماما لتذهب توسلاتنا مع الريح في الغالب(اعمي بوطونة)،وهي الاسم المحرف الذي يطلق على هذا النوع من الخشب!
غير ان يوم الجمعة كان هو الاثير لدي وزميلي،لاننا كنا نقوم بنشاطين رابحين.
كان للاجانب مقبرة في الغابة غير بعيد عن الفيلات الفخمة وادارة شركة المفاحم،وكان يحميها سور،ويتولى حراستها رجل اعرج -رحمه الله-
لقد كان،،للنصارى،،مطرح غير بعيد عن المقبرة وكاني بهم يانفون من ان تختلط ازبالهم مع ازبال،،ليزانديجان،،التي كانت تتراكم قرب منجمf3.
لقد اكتشفت وزميلي،،جيني،،بان شاحنة ازبال النصارى تفرغ محتوباتها كل يوم جمعة في الصباح الباكر مما يجعلنا نتربص بها قبل وصول الحارس الاعرج.
كنا نعود ببضاعة مزجاة،لكنها لا تخلو من منافع بالنسبة لنا-ورثة ليزانديجان-الذين يلهثون وراء فتات النصارى هنا وهناك بعدما تعقبنا اثرهم.
لم يكن الرجل الاعرج يقوى على العدو حينما نسبقه الى الغنائم،لذلك كان بكتفي بان يشملنا بمختلف الشتائم وقبيح السباب الذي يتوجه نحو صحيفة والدينا يوم عيد المؤمنين!
لقد استانسنا بهذه الشتائم حتى تحولت الى ضريبة اسبوعية نؤديها بصيغة الجمع مقابل الفوز باجود مافي الازبال!
ومباشرة بعد تصريف الحصيلة،فقد كنا نتسابق نحو،،اجبيلو،،وهو الاسم الذي ظلت تحمله مقبرة،،ليزانديجان،،نسبة لحفار القبور الذي بصم فترة باكملها.
كنا نعرض خدماتنا على زوار المقابر في تلاوة بعض ما نحفظ من سور القرءان الكريم مقابل ما يجود به الزوار من سنتيمات،لان المكافاة السخية مخصصة للفقهاء الذين يلعوننا في سرهم حينما ننافسهم في بعض الزبائن.
لقد كانت عائدات مطرح النصارى وقراءة القرءان تسمح لنا بان نحجز تذكرة دخول السينما الاسطورية بجرادة لنعود بزاد من الحكايا حول،،اليشير،،واساطير الغرام الهندي التي لا تنتهي،لكنها تصنع شبابا حالما يعيش في ملاحقة السراب قبل ان يتلقفه ،،السيليكوز،،اذا لم يفر بجلده نحو افق اخر!
في السنوات الاخيرة،تعرضت مقبرة النصارى للتخريب على يد من يبحثون في الحطام عن المجوهرات والحلي التي يزعمون بانها تدفن مع اصحابها في سلوك همجي لا يقر بحرمة للانسان حتى وهو رميم!
بادرت السلطات الفرنسية الى نقل رفات ابنائها الى حيث يكرم الاحياء والاموات،اما اهلنا،فانهم بادروا مرة اخرى الى نشر افة التخريب فامتدت الايدي الى السينيما التي كانت معلمة شامخة بالمدينة لتصير من اخبار الماضي اسوة بما لحق لوجيستيك الشركة وتحفا عديدة تحيي في قلوب ابناء جرادة ذكريات اليمة…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *