رمضان مصباح الادريسي

وأنا أقلب مخطوطاتي القديمة،لتنشيط ذاكرتي ؛وهذه عادة متجذرة في؛وأنصح بها الجميع ،لأن ما يمضي من أيامنا كان حاضرا عشناه ،بكل أحاسيسنا؛وهو فاعل في حاضرنا ،بكيفية أو بأخرى؛فكيف لا نستعيده من معاقل النسيان ،ونبادله حياة بحياة؟ نعيشه ثانية ويعيشنا أخرى.
قلت: وأنا أقلب أوراقي الصفراء عثرت على هذه القصيدة الشعرية التي نظمتها ،في موضوع القدس، منذ خمس وثلاثين سنة(35).
ما حز في نفسي وآلمني كثيرا أنني وجدت موضوعها حيا يرزق ؛لأن اصطبلات النكبات، المغذية للذات العربية،بها أبقار سمان لا تهزل أبدا ،ولا تنفق؛خلافا لأبقار نبي الله يوسف عليه السلام التي افترستها السبع العجاف.
بدا لي رغم كل هذا الزمن ،أنها رَحلت الى الحاضر لترُد ،ليس على أعداء القضية؛اذ التنكر للحق مُنتظر منهم ؛فما لا ننتظره منهم هو الانصاف؛بل رحلت لتقول لمن خان القضية- الأمس كما اليوم – ألا زلتم هنا بيننا؟ ألا يزال طعانكم ظهريا،غادرا أبدا؟
خسئتم فالقدس القضية،لا تموت لأنها ،وان ماتت، تدفن في أرحام الأمهات ،في أفئدة الأجنة ،لتولد من جديد؛لأن ميلاد مدن السما ء أبدي ؛والعود اليها أبدي أيضا ..
هاهي ذي القصيدة بين يديكم ؛مهربة من ماضيها الى حاضر مشابه تماما :

نظرت بعين جنينها وتحسرت لا تُجهدي عينيْه انَّها للغَدِ
قد جفَّ دمعُ عيونها فَرَنا لها طرفُ الأسى يرثي لشح موارد
فرحت لِكبوة يأسها وترنمت وبقلبها أمل يتوق لمولد
يأتيكِ شِبلا صارخا رضع الأسى يأتيك يسعى باللهيب لموقِد
يأتيك فهدا ضاريا عرك الوغى يطأ الحدود بقليه وبساعد
*********
لا تحزني أمي ورثت ترفعي فأبي عز الزمن الذليل ترفعا
ان كان مات فقد حملت فؤاده وعقاله ووثبت أطلب مدفعا
وغدا أُزَفُّ فلا تقولي غزا الخريف فبدمنا سقي الربيع وأينعا
يدعوك مسرى قد سكبت بأرضه نزف الجراح يحث فيك تطلعا
تدعوك قدس قد زرعت رحابها وكذا الزنازن كي تعود مرابعا
***********
ياقاتلي مهما أبدت فمرضعي حبلى تجود بمولدي وبثورتي
ان لم أجد ثديا رضعت من الأسى ومن الدماء،من الكفاف،وصرختي
اذ أمتطي رحمي جمعت حقائبي لأعود أغسل قبلتي ببراءتي
مد أنا ومداي أرض نبوة يسعى معي طهري وخصب أمومتي
أرض السلام أنا طردت من الحمى شاخ الزمان وما نفضت كنانتي

تاهلة:فبراير 1982