Home»International»رسائل من التاريخ: رسالة استعطاف من ملك أوربي إلى ملك مسلم (2)

رسائل من التاريخ: رسالة استعطاف من ملك أوربي إلى ملك مسلم (2)

5
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي

في الوقت الذي كانت فيه شوارع الأندلس إبان الحكم الإسلامي، الذي دام ثمانية قرون وخمس سنوات، معبدة الطرقات مرصعة الجوانب والأرصفة، كانت شوارع أوربا تموج في الأتربة والصخور والأوساخ، وفي الوقت الذي كانت فيه شوارع أمتنا مضاءة بالمصابيح ليلا كانت شوارع أوربا تعمه في الظلام الدامس.
فرسالة اليوم تبين مدى قوة العلم والصناعات والديموقراطية التي تميزت بها أمتنا، وكذا برامج منح المنح للأجانب الذين يطلبون تتمة دراستهم بجامعاتنا، والاعتماد على النفس والمنتوجات المحلية وعدم الاستيراد والاستعانة بالخارج.
فرسالة اليوم رسالة عجيب وغريبة قد ذكرها ابن عبد البر الأندلسي في المجلد الأول من كتابه الاستذكار، وذكرها المؤرخ الإنجليزي السير جون جوانبورت وغيره كالمؤرخ كريستر سامويلسون وسبغان غاستين في مقالتين لهما.
الرسالة بعثها أمبراطور أوربي هو جورج الثاني الذي كان حاكما على ما يعرف حاليا بإنجلترا والسويد والنرويج وبلاد الغال التي هي الآن شمال فرنسا، رسالة تبين عظمة ملوكنا وقوة دولتنا والشأن الكبير الذي كان للمعرفة وسائر العلوم فيها، بعثها إلى أحد أعظم ملوك الأندلس الملك هشام الثالث:
الرسالة:
من جورج الثاني ملك إنجلترا والغال والسويد والنرويج، إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة (هشام الثالث) الجليل المقام، بعد التعظيم والتوقير..
فقد سمعنا عن الرُّقيِّ العظيم الذي تتمتَّع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل، لتكون بدايةً حسنةً في اقتفاء أثركم، لنشر أنوار العلم في بلادنا التي أحاط بها الجهل من أركانها الأربعة، ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة « دوبانت » على رأس بعثةٍ من بنات أشراف الإنجليز، تتشرَّف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف؛ لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية حاشيتكم الكريمة، ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هديةً متواضعةً لمقامكم الجليل، أرجو التكرُّم بقبولها مع التعظيم والحبِّ الخالص.
من خادمكم المطيع جورج الثاني ملك إنجلترا
ونلاحظ في  مضمون الرسالة أنه يخاطب ملكا عظيما في أمة سيدة ورائدة في مختلف المجالات العلمية والصناعية، ولذلك خاطبه بأرق ما يكون الخطاب وبأدب جم واستعطاف كبير والإقرار بشعوره أنه مجرد خادم عند هؤلاء الملوك العظماء. وكان الرد كالتالي:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين وبعد
من خليفة رسول الله على أرض الأندلس الملك هشام الثالث
إلى ملك إنجلترا والسويد والنرويج الأجل
اطلعت على التماسكم فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا، لشخصكم الملكي.
أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهي من صنع أبنائنا هدية لحضرتكم وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا والسلام.
خليفة رسول الله في ديار الأندلس هشام الثالث
ونلاحظ بالمثل أن رسالة هشام الثالث أبرزت مجموعة من علامات القوة التي لم يكن لمثلها وجود في باقي دول العالم أولها الديموقراطية، فرغم أن الرجل ملك عظيم ومن الممكن أن يتخذ القرارات التي يريد، فإنه لم يحسم في أمر قبول هذه البعثة العلمية  رغم أن الأمر، كما يبدو، لا يتطلب اجتماعا أو مشورة، ورغم ذلك  عقد الملك في شأنها اجتماعا مع أهل الحل والعقد بكل شفافية وديموقراطية، فكان القرار ينم عن قوة في آليات التسيير داخل الدولة الإسلامية. ثم إن الإنفاق على هذه البعثة العلمية الغربية سيكون من بيت مال المسلمين، مما يعني أننا نحن أول من سن المنحة للطلبة الأجانب، ونحن أول من منح المنح لأبناء الغرب عندما كانوا يفدون علينا وعلى جامعاتنا من أجل طلب العلم واستكمال الدراسة.
والطنافس ( FAUTEUILS) ما كان ليحلم بها ملك أوربي في ذاك الوقت، فالإبداع والابتكار كان من شيم أمتنا، وكما يقول الملك هشام الثالث: « هي من صنع أبنائنا » بمعنى أن الأمة لم تكن تستورد شيئا بل كانت تصنع أدويتها بأيديها كما تصنع سلاحها وتزرع  مأكولاتها وتتفنن في مختلف الصناعات نظرا للعلوم الكثيرة التي كانت سائدة بشهادة ملك انجلترا.
فما بالنا اليوم أصبت الديموقراطية تصدر لنا من هناك، كما يصدر لنا العلم والتكنولوجيا، وأبناؤنا يستجدون استكمال الدراسة ويلهثون وراء جامعاتهم، وما بالنا صرنا نستورد كل شيء من السلاح إلى القمح إلى الدواء. أعتقد أن الجينات التي تجري في عروقنا هي نفس جينات هؤلاء الأجداد العظام المبدعين، وحتما سيأتي اليوم الذي تنقلب فيه الأمور من جديد فنعود كما كنا أسيادا للعالم، ولكن فقط إذا نحن تخلينا عن التقليد الأعمى وتجندنا للعلم والمعرفة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *