Home»Enseignement»حكايا استاد متقاعد ـ الحلقة 17 : 10. أوزود

حكايا استاد متقاعد ـ الحلقة 17 : 10. أوزود

1
Shares
PinterestGoogle+

مكنتني الإقامة ببني ملال من اكتشاف كثير من أسرار الجمال الطبيعي في هذه المنطقة،التي تعتبر واحدة من أخصب أراضي بلادنا،وأوفرها انتاجا.
لقد مكنني التنقل اليومي بين هذه المدينة ومقر العمل ب،،سوق السبت،،من الاستمتاع بأشكال من المنتوجات التي تجعل الاخضرار يقاوم تعاقب الفصول.
وهكذا،والى جانب اشجار البرتقال والخضراوات،فقد رأيت نبات القطن لأول مرة!
كما أذكر أن كثيرا من أجود الخضر والفواكه كانت تصلنا مجانا لوفرة الخيرات التي جعلت المدينة تنفرد بانعقاد السوق مرتين في الأسبوع ليتمكن المنتجون من تصريف محاصيلهم!
في ربيع سنة إحدى وثمانين وتسعمائة وألف،قررت وزميلاي في السكن زيارة شلالات،،أوزود،،الشهيرة باقليم أزيلال،،.
تتطلب الرحلة سلوك طريق جبلية تفرض الكثير من الحذر واليقظة،لأن أبسط هفوة قد تؤدي الى الهلاك!
عندما ابتعدنا قليلا عن المدينة،توقفنا بباحة مخصصة لكبار الضيوف ليستمتعوا بمنظر تنفرد به بني ملال.
لقد حرص المهندسون الزراعيون على مساعدة الفلاحين من أجل أن تتحول الحقول إلى أشكال هندسية أية في الابداع،حيث تستطيع تمييز المزروعات انطلاقا من هذه الباحة،فتأسرك لوحة صنعها انتظام عناصر الطبيعة بلمسة من الانسان!
ولكن هذه اللوحة الرائعة لن يكتشفها من يعبر الحقول الا اذا توجه إلى هذا المرتفع الذي يعرفه أهل المنطقة.
بعد التوقف في الباحة،كنا على موعد مع احدى منجزات المستعمر الفرنسي التي تفرض الأمانة تسجيلها لمبدعيها.
عندما فكر الفرنسيون في بناء سد بين الويدان،كان عليهم أن يروضوا طبيعة عنيدة تطلبت منهم ما يقرب من سبع سنوات من العمل المتواصل.
وهكذا،كان عليهم أن ينجزوا نفقين على امتداد أزيد من عشرين كلمترا يسحبان المياه من السد لتتدفق بقوة على منحدر ببلدة،،أفورار،،ليسمح بانتاج الطاقة الكهرمائية،ثم تروي سهل،،تادلا،، بعد اجتثاث الغابات الكثيفة التي كانت تغطيه كما روى لنا ذلك كبار السن الذين حدثونا عن عدد كبير من العمال المغاربة الذين قضوا خلال شق النفقين!
ليس من الانصاف المرور مباشرة إلى الوجهة المقصودة دون التوقف بهذه الأماكن التي تعضد بعضها عبر سلسلة جبلية لتشكل عناصر سحرها!
حينما اقتربنا من منشاة،سد بين الويدان،المائية،استوقفنا منظر لن يقوى أبرع الفنانين على تقريب جماليته،فقد تعمد الفرنسيون ألا يبنوا قناة لخروج مياه السد نحو وجهتها،بل تركوها تنساب بحرية عبر منحدر خفيف حتى ليخيل للمشاهد أنها مياه راكدة لولا زرقتها التي تفضحها،والاخضرار الذي كست به كل عناصر الطبيعة المتحركة!
لم تتوقف الروح الفنية للمهندسين عند هذا الحد،بل لقد فتحوا جسرا عبر الصخور يفضي إلى الجانب الآخر ولم يضيفوا أي مادة بما فيها الاسمنت ليبدو الجسر / النفق وكأنه من ابداع الطبيعة!
لم يمر الا وقت قصير حتى كنا نتناول الشاي بقلب مدينة أزيلال لنغادرها ونحن نستبطىء الوصول الى الشلالات.
كانت الطريق المؤدية إلى ،أوزود،،طريقا ضيقة تفرض سلوك منحدرات قوية قبل أن نصل الى واحد من أروع المناظر الطبيعية ببلادنا،ان لم يكن أجملها!
لقد شاءت العناية الإلهية أن ينساب أحد الأنهار على رسله،الى أن تواجه مياهه جرفا على عشرات الأمتار من العلو،فما كان من هذه المياه إلا أن تتخلى عن كبريائها لتتوزع الى عدة شلالات يحولها التدفق المباشر إلى رذاذ ينعش النفس قبل أن تتلاحم المياه مجددا في الاسفل ليستأنف النهر رحلته الأبدية!
كان المكان مقفرا يومئذ،ولا يشق سكونه الا صياح القردة،وانواع غريبة من الطيور!
انه مكان مثالي لمن يبحث عن سكينة النفس واعادة التوازن للجهاز العصبي بأكمله!
لم نجد هناك الا شابين ينتظران زائرا محتملا يسوقان له كؤوس الشاي التي يعدانها على نغمات،،الة لوتار،،وتدخين القنب الهندي الذي يجعلهما يتماهيان مع انسياب الماء وايحاءات القردة!
كان الشابان محظوظين في ذلك اليوم،فقد طلبنا منهما أن يحضرا لنا غذاء مما حملناه،تناولناه معا،وما كدنا ننصرف حتى حل بالمكان وفد من السياح الأجانب،بينهم نساء سرعان ما ارتمين في الماء الزلال،مما جعل الشابين يكرهان نفسيهما على السباحة غير بعيد عن الشقراوات!
هل كان بوسعهما أن يقاوما الرغبة في استراق النظر الى أجسام مخلوقات الشمال التي لا تقاسمهما النوايا بكل تأكيد،ولكن لا بد أن نحمل القنب الهندي كل التداعيات…
كان يوما مشهودا قضيناه في أحضان طبيعة عذراء أنستنا في صخب المدينة ،لكنني عندما قررت أن أجدد الصلة بأوزود قبل سنوات قلية،شعرت بالمرارة.
لقد هجم الناس على المكان واقتسموا محيط الشلالات ليحولوها الى اقامات بدائية مما قضى على عذريته،فتأثرت البيئة وغاب الهدوء.
كنت قد شعرت بالامتعاض حينما رأيت ما فعله السكان بمنابع ام الربيع،فلما تكرر الفعل ذاته مع شلالات اوزود ،أحسست بقلق كبير ينتابني حول مصير هذه العطايا الربانية التي نجهز عليها تباعا لنرتكب جريمة مشتركة في حق بيئتنا

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *