Home»Correspondants»مفهوم أهل السنة والجماعة في فكر علي الصلابي -1-

مفهوم أهل السنة والجماعة في فكر علي الصلابي -1-

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي

يعتبر الدكتور علي الصلابي أحد أبرز الشخصيات المعاصرة والأكثر غزارة في التأليف في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية الشريفة، ويعرف بمنهجه الرصين وأسلوبه السلس و الشيق في إعادة صياغته لأحداث ووقائع التاريخ.

والدكتور علي الصلابي تلقى العلم في أماكن متعددة من العالم الإسلامي لكن أغلبها كان بالمدينة المنورة على يد مشايخ تشبعوا بالفكر السلفي. وبالتالي فكل من يريد الحديث عنه كشخصية إسلامية يجب أن يحدد المجال الذي يمكن اعتبار الدكتور الصلابي معتمدا فيه. فتوجيه الطلاب وأهل العلم كي ينهالوا من كتبه في مجال السيرة والتاريخ الإسلامي فهو أمر  فيه نظر نظرا لعدم توثيقه لكل الأحداث التي يذكرها، كما يجب التنبيه على العديد من الاختلالات التي وقع فيها فضيلة الدكتور فيما يخص العقيدة نظرا لتوجهه منحى المدرسة السلفية المعاصرة.

وفي هذا المقال سنحاول الحديث عن مصطلح أهل السنة والجماعة كما يحدده الدكتور الصلابي من خلال كتابه الشهير: صفات رب البرية على منهج العقيدة السلفية » وبعض مما أثاره حول أبي الحسن الأشعري وكتابه الإبانة.

إن  تحديد من هم أهل السنة والجماعة هو محدد أساسي في الاتباع،  كما أنه ذو أهمية بالغة في ترسيم خط المرجعية والمصدرية من خلال تلميع صورة علماء محددين والتنكر لآخرين يعتقد أنهم أهل بدع وأهواء، وهذا من شأنه أن يجعل طالب العلم أو القارئ للكتاب أن يحدد له توجها وفق ما سيعتمده  من أقوال لهؤلاء العلماء.

إن القيام بتحديد من هم أهل السنة والجماعة أمر عظيم ويحتاج إلى الدقة والمزيد من التحرز حتى لا نقع في تكفير أقوام أو فرق أو علماء، أو نتهمهم بالبدع والضلال، فنقع في مثل ما وقع فيه محمد ابن العثيمين وعمر الأشقر، وغيرهما من مشايخ السلفية المعاصرة، باعتبارهم الإمام ابن حجر العسقلاني والإمام النووي ليسا من أهل السنة والجماعة وأما سيد قطب وحسن البنا والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم فهم أبعد من أن تكون لهم علاقة بهذا الدين أصلا. إن أي تحديد غير صحيح لأهل السنة والجماعة سيؤدي طبيعيا للحكم على اثنين و سبعين فرقة بأنها في ضلال وعلى غير هدى من الله. أو إلى تكفير العلماء الكبار في هذه الأمة، وذلك طبقا لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف المروي عن عبد الله بن عمرو:  » وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاثة وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي » رواه الإمام الترمذي وقد روي الحديث من طرق أخرى. وكان أكثر أهل العلم يدعون الله تعالى بأن يميتهم على مذهب أهل السنة والجماعة، فيقول بعد الحمدلة والتصلية على النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه:  » اللهم بفضلك العميم عمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا وعلى الإيمان الكامل والسنة والجماعة توفنا نلقاك وأنت راض عنا » فكانت أمنيتهم الموت على عقيدة أهل السنة والجماعة، الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: » لا تجتمع أمتي على ضلالة » في الحديث المتواتر معنى، والمتواتر في المعنى كالمتواتر في اللفظ.

إن الدكتور علي الصلابي في كتابه المشار إليه أعلاه، يتحدث عن أهل السنة والجماعة محددا لهم في أصحاب الحديث والأثر أي أنهم هم المشتغلون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أصحابه رضوان الله عليهم تمييزا وفهما وعملا واحتجاجا بها كما يقول في الصفحة 18.

وهو تضييق لواسع، وإقصاء لثلاث فرق أجمعت الأمة على أنهم هم المعنيون بأهل السنة والجماعة، منهم أهل الحديث، كما ذكر الصلابي ومنهم، تحديدا، الأشاعرة والماتريدية، وبعض فضلاء الحنابلة، كما سنبين أقوال العلماء في ذلك، بل في هذا الكتاب، للأسف الشديد، يعتبر الدكتور الصلابي الأشاعرة والماتريدية ، تصريحا، من المعطلة في الصفحة 46، أي الذين عطلوا صفات الرحمان عز وجل. كالمعتزلة التي قالت بأن الصفة عين الذات فألغت الصفات نهائيا، كما يضيف الكلابية إلى هؤلاء المعطلة.

ويعتبرهم تلميحا، أي الأشاعرة، من أهل البدع والغش والضلال والانحراف وذلك بقوله:  » خصوصا وأن المناهج المبتدعة والمغشوشة والضالة والمنحرفة، أصبحت لها جامعات ومدارس وكتاب ينشرون عقائد الفلاسفة… وأصبح الكثير من أبناء المسلمين يعتقدون عقائد مخلوطة بالفلسفة وعلم الكلام ويظنون أنها عقائد أهل السنة » لأن الأشاعرة اعتمدوا الفلسفة اضطرارا في الرد على الفلاسفة بلغتهم وعلى علم الكلام اضطرارا  في مواجهة الفرق الكلامية دفاعا عن عقيدة السلف.

إذن، لنبدأ بتحديد مفهوم أهل السنة والجماعة كما يراه العلماء الأفذاذ الذين تلقتهم الأمة بالصحة والقبول حتى نميز ونتبين ما ذهب إليه الدكتور الصلابي من إقصاء لعقيدة تسعة أعشار أهل الأرض وعقيدة الملايين من العلماء عبر التاريخ، وعقيدة المالكية والشافعية والحنفية وجملة كبيرة من الحنابلة المتقدمين كما هي عقيدة رئيس هيئة علماء المسلمين التي يعتبر الدكتور الصلابي عضوا فيها.

إن مصطلح أهل السنة والجماعة ظهر، بداية، ليميز بين أهل الضلال والزيغ والبدع وأهل الحق السائرين على منهج السلف الصالح المتمسكين بالقرآن والسنة والآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم، وكلما أطلق هذا المصطلح في كتب العلم والعلماء إلا دل على الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث لأنهم هم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يبدلوا ولم يغيروا، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنهم السواد الأعظم من الأمة، وهو وصف ينطبق على الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث، إذ يعتبرون غالبية أهل الإسلام، والذين نفى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتماع على ضلال بقوله » لا تجتمع أمتي على ضلالة » قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله في كتابه إتحاف السادة المتقين الجزء الثاني الصفحة السادسة:  » اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك، وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف: الأولى: أهل الحديث ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية، أعني الكتاب والسنة والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية، وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي…الثالثة: أهل الوجدان والكشف »

وقال الإمام عضد الدين الإيجي رحمه الله في بيان الفرقة الناجية في كتابه المواقف الصفحة 430 :  » أما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم  » هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي » فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خال من بدع هؤلاء » وقال الإمام الجلال الدواني رحمه الله في شرح العقائد العضدية الجزء الأول الصفحة 34:  » الفرقة الناجية وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصول للشيخ أبي الحسن الأشعري فإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحديث مشعر بأنهم – يعني الفرقة الناجية – المعتقدون بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة » والإقتصار على الأشاعرة في نصوص الأئمة وأهل العلم إنما لكونهم أغلب أهل السنة، فلا يفهم منه إخراج غيرهم من طوائف أهل السنة من الفرقة الناجية، فمن لم يكن منهم متبعا للإمام الأشعري فهو موافق له. وقال الإمام ابن عجيبة في تفسير الفاتحة الكبير المسمى  » البحر المديد » في الصفحة 607:  » أما أهل السنة فهم الأشاعرة ومن تبعهم في اعتقادهم الصحيح، كما هو مقرر في كتب أهل السنة » وقال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله في طبقات الشافعية وبالضبط في المجلد الثالث الصفحة 365:  » قال الشيخ الإمام، يعني والده التقي السبكي، فيما يحكيه لنا: ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه طبقات المعتزلة، وافتتح بذكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ظنا منه أنه – برأه الله منهم- على عقيدتهم. قال: وهذا نهاية في التعصب، فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله، قلت لأنا للشيخ الإمام: ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبابكر وعمر رضي الله عنهما في جملتهم، لأنهم على عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون ويناضلون، وعلى حماها يحومون، فتبسم، وقال: أتباع المرء من دان بمذهبه وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذي هو أخص من الموافقة، فبين المتابعة والموافقة بون عظيم » قال الإمام عبد القاهر البغدادي في كتابه « أصول الدين الصفحة 309″ بعدما  عدد أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن قال:  » ثم بعدهم شيخ النظر وإمام الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي صار شجا في حلوق القدرية…وقد ملأت الدنيا كتبه، وما رزق أحد من المتكلمين من التبع ما قد رزق، لأن جميع أهل الحديث وكل من لم يتمعزل ( أي المعتزلة ومن نحا نحوهم) من أهل الرأي على مذهبه »

وقال الإمام عمرو الداني رحمه الله في رسالته الشهيرة  » الرسالة الوافية في معتقد أهل السنة والجماعة في الصفحة 117″  » اعلموا أيدكم الله بتوفيقه وأمدكم بعونه وتسديده، أن قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين والمتأخرين من أصحاب الحديث والفقهاء والمتكلمين » ثم شرع في بيان اعتقاد أهل السنة، وقوله « الفقهاء والمتكلمين » يعني بهم الأشاعرة والماتريدية، ورسالته زاخرة بتوضيح ذلك. وقد تأثر الإمام عمرو الداني بشيخه وأستاذه شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله وبطريقة الإمام الأشعري واضح لا يخفى على من طالع كتبه، بل إن بعض الألفاظ هي هي التي استعملها الإمام الأشعري في بعض كتبه. ونختم بمقولة ذات أهمية من إمام عظيم هو أبو المظفر الإسفراييني رحمه الله في كتابه  » التبصير في الدين » في الصفحة 111 بعد أن شرح عقيدة أهل السنة والجماعة  » وأن تعلم أن كل من تدين بهذا الدين الذي وصفناه من اعتقاد الفرقة الناجية فهو على الحق وعلى الصراط المستقيم فمن بدعه فهو مبتدع ومن ضلله فهو ضال ومن كفره فهو كافر ».

ويقول الإمام أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية المجلد 3 الصفحة 376، وهو من هو علما وفقها وديانة وورعا  » وأبو الحسن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق ».

يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *