Home»Correspondants»الدولة المدنية في الإسلام – ردا على المعجبين بسيد القمني-

الدولة المدنية في الإسلام – ردا على المعجبين بسيد القمني-

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
على إثر الجدل الذي أثير على هامش ندوة  » التدين والسياسة » التي حاضر فيها الكاتب المصري سيد القمني، والتي خلفت العديد من ردود الأفعال منها قول قائل: « إن مثل هذه النقاشات المطروحة تعزز الدولة المدنية » وعلق أحد الفيسبوكيين بقوله:  » برافو، المغرب في حاجة إلى مثل هاته الندوات وإلى الدولة المدنية لمحاصرة ومحاربة التطرف والإرهاب الخائن للوطن والشعب »
بغض الطرف عن كون هذه التصريحات قمة في الإرهاب والتطرف، لأنها فتيل يريد إشعال فتنة وحرب وسط مجتمع السلم الذي ينعم به المغاربة. فإني أود التركيز في حديثي عن موقف الإسلام من الدولة المدنية، وهل الإسلام عندما أسس أول دولة له في الجزيرة العربية كانت دولة دينية؟ أم أنها كانت دولة مدنية بامتياز يقودها رئيس هو محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ويأتي هذا الرد على هؤلاء لكوني ألثم معرة الجهل في تصريحاتهم، وأتنسم رائحة العداء المبطن للإسلام دون بذل قليل من العناء وتكليف النفس بالبحث فيه قصد معرفته ومعرفة جوهره الذي يتأسس على الحرية والانعتاق والتمدن بشكل لم تعرفه أي مدنية من المدنيات السبع والعشرين التي عرفها التاريخ ابتداء من الحضارة السومرية إلى آخر الحضارات الحضارة الأمريكية.
يجمع أهل القانون الدستوري أن الدولة المدنية هي دولة القانون  التي تتأسس على قاعدة الفصل بين السلطات، الفصل بمعناه الحقيقي وليس الاعتباري، وهي تقوم بحماية جميع أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية، وهي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق، كما تقوم على مبدأ الديمقراطية والتي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية.
وفق هذا التعريف وغيره من التعريفات الكثيرة نجمل أسس وأركان الدولة المدنية في مجموعة أمور منها:
1- بشرية الحاكم وعدم قداسته
2- الشعب مصدر السلطات
3- حرية التعبير وحق الاعتراض
4 – الفصل بين السلطات
5 – التمثيل النيابي للشعب
6 – حق المواطنة..
ونلاحظ أننا بهذه الأسس الستة قد غطينا كافة التعريفات المتوفرة للدولة المدنية، ولم نحصل على تعريف واحد منها يغطي هذه الأركان الستة مجتمعة، ولذا فهذه الأسس تشمل كل ما يدخل في تعريف الدولة المدنية الحديثة.. حيث إن الصورة المتكاملة للدولة المدنية كما تسبق للأذهان الآن، والقائمة على مؤسسات المجتمعِ المدني والعقد القائم بين الأفراد وبين السلطة العليا التي وصلت لمنصبِها  بالانتخاب، وبأغلبية الشعب، والحفاظ على مبدأ فصلِ السلطات، وحق الشعوب في الاعتراضِ والثورة، هذه الصورة المركبة الشائعة لا تكاد توجد مكتملة كمفهوم للدولة المدنية عند الغرب سوى في تنظيراته ودساتيره.
وما علينا أن نعرفه لكي نحدد ونجيب إن كانت الدولة الإسلامية دولة مدنية أم دينية، يجب أن نقوم بتحليل كل هذه الأركان أركان المدنية الحديثة ونسقطها على الإسلام ونحاول أن نقارن الحكم الإسلامي في عهد المدينة المنورة إن كانت وفقا لهذه الأركان أم أنه كان حكما توليتاريا دكتاتوريا طاغوتيا متجبرا يكمم الأفواه ويخرص الأصوات ويقمع المعارضة ويقصي المخالفين وينفي الأقليات من وطنه وأرضه.
إذن لنتعرف على خصائص الدولة المدنية  والتي من أهم خصائصها:
1 – بشرية الحاكم وعدم قداسته
إن بشرية الحاكم وعدم قداسته معناها أنه ليس إلاها ولا ابن إله ولا يعتبر ظل الله في الأرض، يأمر وينهى ولا يشق له غبار، يحيي ويميت، أي يقتل من يشاء ويعفو عمن يشاء، والشعب عنده خادم  وعبد مهمته أن يحني ظهره ليركبه، فهذا النموذج يحاربه الإسلام بأصوله وفروعه، لأن الحاكم في الدولة الإسلامية واحد من الناس لا يمثل خليفة لله تعالى على شعبه، وهو العنصر الأبرز والأخطر في تعريف دولة الإكليروس في عصور أوربا الوسطى التي كان الحاكم فيها هو الإلاه نفسه يحيط به جبابرة من قاطعي الرؤوس ..وإذا كان أعظم حكام المسلمين قداسة وتعظيما وعصمة هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه يقول الحق تبارك وتعالى مثبتا بشريته في أكثر من موضع من مواضع القرآن  الكريم: (ما كان لبشرٍ أن يؤتِيه الله الكتاب والحكم والنبوءة ثم يقول للناسِ كونوا عبادا لي مِن دون الله ولـكن كونوا ربانيين بِما كنتم تعلمون الكتاب وبِما كنتم تدرسون ) آل عمران79 إن هذه الآية الكريمة تنسف فكرة الدولة الدينية وقداسة الحاكم النائب عن الله تعالى في الأرض من الأساس.. ويقول تعالى: (قل إِنما أنا بشر مثلكم يوحى إِلي أنما إِلهكم إِلاه واحد) الكهف110 ويقول عز وجل: ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) الإسراء93وغير ذلك كثير من الآيات التي تثبت بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، وتعاتبه أيضا على بعض اجتهاده مثل قوله تعالى(عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) التوبة43 وقوله سبحانه: (ما كان لنبِي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرضِ ترِيدون عرض الدنيا واللّه يرِيد الآخرة والله عزِيز حكيم ) الأنفال67 وغير ذلك من مواضع العتاب القرآني الأخرى.
وهذا، كما قال العلماء، في الأمور التي لا وحي فيها وإنما هي من اجتهاد بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم ذلك دون كثير تعقيد وفلسفة، فسأله الحباب بن المنذر في غزوة بدر يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل.  لقد ميَّز الحباب بن المنذر بين نوعين من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهما الوحي، والاجتهاد، واعتبر الاجتهاد يصيب ويخطئ، وهذا ما أقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل على رأيه ومشورته.. يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله  » الحاكم في الإسلام مقيد لا مطلق هناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه ولا حاشيته،بل وضعها رب الناس ملك الناس إلاه الناس » ويقول في موضع آخر: إنما الدولة الإسلامية «دولة مدنية مرجعها الإسلام»، وهي تقوم على أساسِ الاختيارِ والبيعة والشورى، ومسؤولية الحاكم أمام الشعب، وحق كل فرد في الرعية أن ينصح لهذا الحاكم، يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكرِ.. والحاكم في الإسلام واحد من الناسِ ليس بمعصوم ولا مقدسٍ. يجتهد لمصلحة الأمة؛ فيصيب ويخطئ. وهو يستمد سلطته وبقاءه في الحكم من الأرضِ لا من السماء، ومن الناسِ لا من الله، فإذا سحب الناس ثقتهم منه، وسخطت أغلبيتهم عليه لظلمه  وانحرافه؛ وجب عزله بالطرق الشرعية، ما لم يؤد ذلك إلى فتنة وفساد أكبر، وإلا ارتكبوا أخف الضررينِ، والحاكم في الإسلام ليس وكيل الله، بل هو وكيل الأمة، أو أجيرها، وكلته إدارة شؤونها، أو استأجرته لذلك.. والدولة الإسلامية لا يقوم عليها رجال الدينِ بالمعنى الكهنوتي المعروف في أديان عدة ؛ فهذا المعنى غير معروف في الإسلام، إنما يوجد علماء دينٍ من باب الدراسة والتخصص، وهذا باب مفتوح لكل من أراده وقدر عليه.
– 2 الشعب مصدر السلطات وهو من يختار حاكمه وإن شاء عزله، ويقول الدكتور محمد عمارة:الدولة الإسلامية دولة مدنية تقوم على المؤسسات، والشورى هي آلية اتخاذ القرارات في جميعِ مؤسساتها، والأمة فيها هي مصدر السلطات شريطة ألا تحل حراما، أو تحرم حلالا، جاءت بِهِ النصوص الدينية قطعية الدلالة والثبوت، هي دولة مدنية؛ لأن النظم والمؤسسات والآليات فيها تصنعها الأمة، وتطورها وتغيرها بواسطة ممثليها، حتى تحقق الحد الأقصى من الشورى والعدل، والمصالحِ المعتبرةِ التي هي متغيرة ومتطورة دائما وأبدا، فالأمة في هذه الدولة المدنية هي مصدر السلطات؛ لأنه لا كهانة في الإسلام، فالحكام نواب عن الأمة، وليس عن الله، والأمة هي التي تختارهم، وتراقبهم، وتحاسبهم، وتعزلهم عند الاقتضاء، وسلطة الأمة، التي تمارسها بواسطة ممثليها الذين تختارهم بإرادتها الحرة لا يحدها إلا المصلحة الشرعية  المعتبرة، ومبادئ الشريعة التي تلخصها قاعدة:لا ضرر، ولا ضرار.. والدولة الإسلامية دولة مؤسسات، فالمؤسسة مبدأ عريق في الدولة الإسلامية، تستدعيه وتؤكد عليه التعقيدات التي طرأت على نظم الحكم الحديث؛ ولأن الدولة الإسلامية دولة مؤسسات، كانت القيادة فيها والسلطة جماعية ترفض الفردية، والديكتاتورِية، والاستبداد، فالطاعة للسلطة الجماعية، والرد إلى المرجعية الدينية عند التنازع)
إن الشعب هو من يختار الحاكم وهو الذي يعزله، وهذا واضح غاية الوضوح في قصة اختيار الخليفة أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فانعقدت له بيعة الناس، أي اختيارهم،ثم قال لهم في خطبته الأولى: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم..فإن أصبت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني ومثل ذلك قال عمر بن الخطاب: فإن رأيتم في اعوجاجا فقوموني.. ولما وولي عمر بن عبد العزيز أميرا على المسلمين بالتوريث دخل المسجد وقال للناس لقد وليت عليكم وها أنا أردها إليكم – معناه السلطة لكم والشرعية والمصداقية ليست سوى لكم  وأنتم  لا سواكم من يختار حاكمكم. فبايعوه بالإجماع. وكأني به  قد استحضر كلام جده عمر بن الخطاب  » من تأمر عليكم من غير مشورة من المسلمين فاقتلوه »  وقوله  » من أمر نفسه أو أمره غيره دون مشورة من المسلمين فليس لكم إلا أن تقتلوه »فالأمة أو الشعب هي التي تختار الحاكم، وهي التي تعزله إن رأت فيه اعوجاجا عن الصواب.
– 3حرية التعبير  وحق الاعتراض: يقول الحق تبارك وتعالى: (وشاوِرهم في الأمرِ فإِذا عزمت فتوكل على اللّه إِن اللّه يحب المتوكلين ) آل عمران159، كما قال : (والذين استجابوا لربهِم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)  الشورى38 وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة أنه أهاب بالناس إلى الشورى فقال: أشيروا علي أيها الناس، وجاء في السنة ما يثبت أن الرسول ما ترك المشاورة قط، حتى قال أبو هريرة: “ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله لأصحابه”.
وكان عليه السلام يخضع لرأي الأغلبية حتى ولو خالف رأيه، من ذلك ما وقع قبل غزوة أحد، فكان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عدم الخروج لملاقاة قريش بل البقاء في المدينة وانتظارها فيقاتلوها في شوارعها وأزقتها. ولكن كان تمة شباب متحمس ممن لم يحضروا غزوة بدر فارتأوا أن يخرجوا إلى لقاء العدو وكان رأي الأغلبية، فرضخ رسول الله لهذا الرأي وخرجوا لغزوة أحد وإذا بالواقعة تزلزل الأقدام فعاد القوم إلى المدينة متخنون بالجراح لا يتكلم منهم أحد وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ولم يكلم أحدا ولم يخرج إليهم، وإذا بالآية الكريمة تنزل تقول( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك فاعفو عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) فكانت الشورى أولا، أي قبل المعركة، وأخيرا أي حتى بعد المعركة لأنها أصل وليست للديموقراطية واتخاذ القرارات بالأغلبية أية علاقة بالهزيمة.
4 – الفصل بين السلطات.. أو استقلال القضاء: وأبرزه في الإسلام استقلال القضاء ومثال ذلك القاضي شريح أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس الكندي من أهل اليمن، وقد حكم في القضاء لصالح خصمين لأميري المؤمنين عمر بن الخطاب رئيس الدولة لصالح خصمه الإعرابي ( المواطن)، وضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رئيس الدولة زمن خلافته لصالح خصمه الذمي ( اليهودي المواطن)  في قضية الدرع المشهورة وقد شهد بتلك الاستقلالية اليهودي حيث قال بعد سماعه للحكم لصالحه أيخاصمنى الخليفة لقاضيه فيحكم عليه.  إنها مقاضاة بين المواطن ورئيس الدولة وجها لوجه في المحكمة ولا سلطة للحاكم على القاضي!!!.. فإذا كان القاضي يحكم ضد الحاكم فهو قاض مستقل فضلا عن عدله.. ونأسف لجهل الكثير من النخب الحداثية والعلمانية لهذه النماذج الحية من حكام المسلمين الذين يعطون النموذج الحضاري الراقي الذي لا مثيل له، امتثال رئيس دولة في المحكمة مثله مثل أي مواطن عادي، ويتبجحون بدولة مثل فرنسا لأنها كانت تعتزم محاكمة رئيسها السابق جاك شيراك لتلقيه رشوة يوم كان عمدة لباريس، ولم تتم لا المحاكمة ولا استدعاه القضاء، ويتبجحون بعمدة ستوكهولم يوم سحبت منها العمودية ورئاسة الحزب ومقعدها في البرلمان.
5- التمثيل النيابي للشعب: لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم نظاما للتمثيل النيابي قبل أن تمارسه البشرية بآلاف السنين لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أتاه بنو هوازن فسألوه أن يرد عليهم السبي والغنائم قال:«ما كان لي ولبني هاشم فهو لكم وما كان للناس فدعوني حتى أسألهم، فسأل الناس فكثر عليه اللغط فلم يدرِ من قبل ممن رفض، فقال: أخرجوا إليّ عرفاءكم، فأخرج الناس إليه عرفاءهم فأخبروه أنهم رضوا»، فالعرفاء هم النواب الذين ينوبون عن الناس فيمثلونهم، لأنه لو تكلم الناس جميعا لم يعرف من قبل ممن رضي ممن رفض، ولذلك قال: أخرجوا إلي عرفاءكم، وقد أخرج أبو داود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يستقيم الناس إلا بعرفاء» أي لا يمكن أن يكون الشعب كله في مجلس النواب ولو حدث لعمت الفوضى كل أرجاء البلاد ولما استمع أحد لأحد ولا تم التوصل لقرار كما وقع لنبي الله عليه السلام مع هوازن. وفى بيعة العقبة قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أخرجوا إلي من بينكم اثني عشر نقيبا. أي انتخبوا واختاروا من ينوب عنكم فكان هؤلاء الاثني عشرة نقيب هم أول حكومة في الدولة الإسلامية والتي انتخبت انتخابا مباشرا ويرأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون العدد وتريا فيكون المسلمون أول من وتر الهيئات ومكاتب المجالس. وإذا كان في القانون الدولي الدستوري يقولون لابد للدولة كي تقوم أن تتوفر لديها ثلاثة شروط أولها الشعب وثانيها الأرض وثالثها سلطة، فأما الأرض فهي المدينة المنورة وأما الشعب فهم الأنصار والمهاجرون، وأما السلطة فهي حكومة الاثنتي عشر نقيبا برئاسة الدولة المتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولها دستور يعد أول دستور مدني في التاريخ وهو ما يسمى بوثيقة المدينة، دستور يضم اثني وخمسين فصلا يحدد العلاقات الداخلية والخارجية ويضمن حقوق الأقليات وباقي الديانات وعبدة الأوثان لا يكرهون على شيء يعبدون ما شاؤوا وكيفما شاؤوا ولا يكرهون على الدخول في الإسلام. والدولة الإسلامية المدنية تحميهم من كل عدو أو اعتداء مقابل أن يدفعوا دينارا واحدا في السنة مقابل هذه الحماية، وتسقط هذه الجزية عن المرأة والطفل والمريض والأعمى والمسن، ولا تجب إلا على من هو قادر على القتال دفاعا عن الدولة التي يسكن فيها وله فيها نفس الحقوق والواجبات كسائر أبنائها.
6حق المواطنة: ولقد ضمن القرآن الكريم لغير المسلمين حرية العقيدة  فقال الله تعالى (لا إكراه في الدينِ قد تبين الرشد من الغي) البقرة256 وقال: (وقلِ الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) الكهف29، كما كفل لهم الإسلام حرية العبادة، وحماية دور عباداتهم، ووضع لهم قاعدة المواطنة ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) وقد ثبت ذلك في دستور المدينة بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود، وهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني كنت خصمه يوم القيامة، وروى أبو داود بسند لا بأس به قوله صلى الله عليه وسلم: ” ألا إن من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فانا خصمه يوم القيامة “، وهناك أحاديث في هذا المعنى صحيحة منها ما في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً “. وفي الترمذي حديث بهذا المعنى.. فحقوق أهل الذمة أو ما يسمى بالأقليات ( في ذمة الله ورسوله والمؤمنين ) بالنسبة للمسلم دين وعقيد, يثاب المسلم على فعلها ويأثم على مخالفتها. فكيف يعامل العالم الأقليات من باقي الأجناس؟ فكيف تعامل جارتنا فرنسا الأقليات المسلمة فرنسا التي يعتبرها علمانيونا بأنها دولة مدنية وهي تمنع فتاة من الحق في أن تلبس لباسها الشرعي وفق ما تقتضيه تعاليم دينها.
بعد هذا، هل يمكن أن نشكك في أن الدولة الإسلامية كانت مدنية بامتياز، مع العلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام باستبدال اسم يثرب بالمدينة وهو اشتقاق مدهش يدل على المدنية

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. محمد حفيان
    28/06/2015 at 03:04

    مقالة رائع كصاحبه بارك الله في أخي أحمد

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *