Home»Enseignement»التعليم بالوسط القروي بين المسالك والمهالك

التعليم بالوسط القروي بين المسالك والمهالك

0
Shares
PinterestGoogle+

حسب المعطيات الرسمية، فان قاعدة التمدرس خلال الموسم الدراسي الحالي ستعرف توسعا بفضل إحداث 16 مدرسة جديدة بالوسط القروي من صل 51 مدرسة تم إحداثها، و151 وحدة مدرسية بنفس الوسط من أصل 155، هذا إضافة إلى 99 ثانوية إعدادية منها 75 بالوسط القروي، و18 ثانوية تأهيلية منها 4 بالوسط القروي، وكان دليل تحضير وإجراء الدخول التربوي 2007 -2008 ، إلى أنه رغم التوجه الوطني بتعميم التعليم لفائدة الأطفال في سن 4 -5 سنوات، فان عدد المتمدرسين لايعرف تزايدا كفيلا بتحقيق هذا التوجه في المدى المنظور ، إذ لم يتجاوز العدد بالوسط القروي 18 ألف و894 طفلا من أصل 705753 طفلا مسجلا من بينهم 25989 بالتعليم العمومي. هذا وسجل نفس الدليل في مقاربته للوضع القائم بالتعليم الابتدائي أن مايقارب 60 ألف طفلا بالغين 6 سنوات لم يلجوا بعد السلك الابتدائي أغلبهم بالوسط القروي. وعموما إذا كانت هذه الأرقام تعكس تحسنا كميا في التعليم بالوسط القروي، فان الحقيقة الماثلة أمام الجميع بما في ذلك المسؤولين على الشأن العام التعليمي، أن الأرقام المذكورة تخفي مجموعة من التناقضات في مقدمتها الفوارق الهائلة الموجودة بين الجهات، إضافة إلى كونها تولي اهتماما بمنحنيات التطور الكمي دون أن تلامس الحقائق المرتبطة بنوعية التعليم بهذا الوسط الذي ظل على الهامش ما دامت المشكلة أعمق من الأرقام إذ تضرب جذورها في استمرار الأرضية المهترئة لذلك الوسط ما ينعكس سلبا على قطاع التعليم.

منازل مهجورة

تلعب البناية التعليمية دورا أساسيا في استقطاب التلاميذ بل وأسرهم أيضا، فهي الفضاء التي يمكن من خلاله للتلميذ ـــ

أن يتفاعل مع كل الأشياء بطريقة ايجابية، غير أن هذا الفضاء بالوسط القروي يوجد على النقيض من ذلك، فالبناية التعليمية في كثير من الحالات تبدو بئيسة على شاكلة المنازل المهجورة ، فهي بدون أسوار، حجراتها مبنية بالبناء المفكك الذي تفاعل مع كل أحوال الطقس خلال سنين مضت، بل إن تلك البنايات بشكلها الحالي توفر فضاء للمتشردين الذين يؤمونها خلال العطل في غياب الظروف الأمنية، وفي يوم عيد المدرسة يصطدم التلاميذ والأطر العاملة بما لحق محتوياتها من خراب الأمر الذي يفرض إعادة تجميلها بطريقة ترقيعية، بل إن تلك البنايات عادة ما تعرف سرقات بالجملة، ويعكس ذلك سيل الشكايات التي تتوصل بها النيابات والمصالح الأمنية ، لكن في كل مرة تسجل تلك السرقات ضد مجهول دون أن يسجل أي تقدم في تحصين المدرسة، والحقيقة أن هذا التحصين لايتطلب المقاربة الأمنية فقط ،بل بات على المسؤولين على الشأن التعليمي أن يضعوا إستراتيجية للتعليم بالوسط القروي خاصة أثناء إحداث مؤسسة معينة أو وحدة مدرسية، حتى لايظل الفارق شاسعا بين المدارات الحضرية والقروية، فتلاميذ الوسط القروي أثناء زيارتهم للمدن، وأثناء مشاهدتهم لبعض المدارس على علاتها يصطدمون لدرجة الاغتراب، فهم يدرسون نفس البرنامج وعلى نفس الأرض ، لكنهم مهمشون في المكان، الأمر الذي يطرح تساؤلات عميقة حول خطاب تكافؤ الفرص الذي بات شعارا معلقا في الفضاء. هكذا تتحول البناية التعليمية بالوسط القروي إلى منطقة طرد في انتظار تأهيلها وإخراجها من الكآبة التي تلازمها ليل نهار، ويتعمق هذا الوضع في المناطق التي لم تستفد في مراحل سابقة من الصندوق الجماعي الذي أنزل النعمة على مناطق وهاجم بالنقمة مناطق أخرى. من جهة أخرى فان كثيرا من تلك البنايات لات وفر سكنا وظيفيا للمدرسين، الأمر الذي يفرض على بعضهم اتخاذ حجرة مأوى له ، والبعض الآخر وهم الغالبية يمارسون التراقص بين مقر سكناهم البعيد أصلا ومقر عملهم ، وفي الحالة الأخيرة يطرح أكثر من سؤال حول الأداء التعليمي لمدرسين منشغلين بالمواصلات، يصارعون الزمن الذي عادة ما ينتصر عليهم، وهو السؤال الذي يؤدي الجواب عليه إلى نكسة كبرى عنوانها هدر الزمن التعليمي ، في وقت مازال فيه المسؤولون يطالبون المدرسين بالتضحية إلى آخر رمق دون أن يوفروا مبتدأ ذلك.

المسالك والمهالك

تشير دراسة أنجزتها اللجنة الخاصة بالتربية بالتكوين في مرحلة سابقة لكن مضامينها مازالت حاضرة إلى حد الآن،أن البعد عن المؤسسة التعليمية يشكل عائقا إضافيا للتلاميذ في الوسط القروي، يحد من عزيمتهم ويثير تحفظا لدى الآباء، خاصة إذا تعلق لأمر بالفتيات، ويعود ذلك إلى تشتت الساكنة والعوائق الجغرافية أي المناطق المعزولة والظروف المناخية الصعبة، يضاف إلى ذلك قلة عدد المؤسسات، غالبا ماتكون المسافات التي يقطعها الأطفال مشيا في غالب الأحوال لبلوغ المدارس بعيدة جدا سيما أن الأمر يحسب بالكيلومترات، والحقيقية أن كثيرا من الدواوير تعيش هذه الأزمة بامتياز في وقت تم إيجاد حلول لدواوير أخرى إما عبر توفير حافلة نقل ، أو إحداث وحدة مدرسية غير بعيد عن السكان بل وفي حالات أخرى تم احدث المدارس الجماعاتية وهي بمثابة داخليات بإمكانها تجميع التلاميذ، هذا في وقت مازال فيه السكان يحملون مطالبهم إلى السلطات الإقليمية من أجل تقريب المدرسة من أبنائهم ، وفي حالة" بني وجكل" بالجهة الشرقية فان المدرسة تبعد ب15 كيلومتر عن الدوار. هذا البعد يثير مسألة لاتقل أهمية وهي المسالك الوعرة التي تتطلب من الأطفال أن يواجهوها يوميا حاملين محفظات ثقيلة، بل عليهم مواجهة الظروف الجوية المتقلبة والتي في كثير من الأحيان تفرض عليهم الركون في منازلهم، وحتى إذا وصلوا إلى المدرسة، فإنهم على الدوام يصطدمون بغياب البنى التحتية من ماء صالح للشرب ومراحيض وغيرها من مظاهر النذرة والخصاص، وكلها عوامل تفقد المدرسة جاذبيتها وتؤثر على وتيرة المواظبة على الدروس. أما تلك المسالك الوعرة والظروف الجوية فتؤثر أيضا على المدرس الذي قد يصل متأخرا في الحالات العادية ، وقد لايأتي أصلا في حالة الظروف الجوية القاسية خاصة في المناطق التي تعرف تهاطل الثلوج أو في المناطق ذات الأودية الموسمية التي تعزل المنطقة على محيطها أثناء فيضانها بسبب الأمطار العاصفية، والمشكلة أن هدر الزمن التعليمي قد يستمر لوقت طويل. هذا في وقت يتابع فيه التلاميذ بالوسط الحضري دروسهم دون أي تعثر، لكن الغريب وقت إعلان النتائج هو أن نسبة النجاح بالقرية تكون قوية أيضا، وهذا غير مفهوم خاصة أن بعض التلاميذ الملتحقين بالتعليم الثانوي الإعدادي وجدوا أنفسهم غير قادرين على كتابة الحروف وبالأحرى مجاراة العملية التعليمية وبرامجها المعقدة.

توقيت لاقروي

خلصت الدراسة المذكورة إلى أن تنظيم عملية التمدرس لايتجاوب مع العالم القروي، وهكذا فبما أن السنة الدراسية لاتتماشى مع إيقاع السنة الفلاحية ومختلف أنشطتها، فان التلاميذ يغادرون المدرسة أحيانا خلال السنة الدراسية للعمل في الحقول، وفيما يتعلق باستعمالات الزمن فإنها لاتأخد بعين الاعتبار خصوصيات العالم القروي بما في ذلك يوم السوق والمشاركة في الأعمال الفلاحية أو المنزلية، وبالتالي فهي تزيد من تقليص وتيرة المواظبة على الدروس. بضاف إلى ذلك عدم ملاءمة المعارف التي يتم تلقينها للاحتياجات الخاصة للعالم القروي بالفعل، بما أن نظام التعليم موحد، فان المعارف المكتسبة لاتمثل قيمة مضافة ملموسة يمكن للتلاميذ توظيفها بشكل مباشر تمكن من تبرير وتثمين ما تستثمره الأسر من وقت وإمكانات من أجل تعليم أبنائها. وترى تلك الدراسة أن المدرس الذي يعد اللبنة الأساسية في النظام برمته، والذي ينبغي إشراكه وتحفيزه بشكل أكبر في الوسط القروي، بالإضافة إلى كونه لايتلقى تكوينا كافيا يمكنه من مواجهة واقع الوسط القروي، يعيش ظروفا مادية صعبة، كما أن المدرس غالبا مالا يتحدر من نفس المنطقة التي يعمل بها، وبالتالي فانه قد لايتكيف مع البيئة التي يجد نفسه ملزما بالعمل فيها.

تزايد الأقسام متعددة المستويات

من جهة أخرى، فان هذا المدرس يصطدم بالأقسام متعددة المستويات، فتراه تائها يبحث على عمليات ديداكتيكية تواجه هذا الوضع الغريب خاصة أنه لم يتلق أي تكوين في هذا الباب، وكل مايعلمه، أن عليه أن يدبر شأن قسم تختلط فيه المستويات ولو بالترقيع. وحسب دليل تحضير وإجراء الدخول التربوي 2007 -2008، فان المقصود بالأقسام متعددة المستويات تلك التي تضم أكثر من مستوى دراسي خاصة بالوسط القروي، حيث يكون عدد التلاميذ في كل مستوى قليلا، ونتيجة لذلك، يتم تجميع تلاميذ مستويين أو ثلاثة في قسم واحد لايتعدى مجموع عدد تلامذته حجم قسم عادي. هذا واعترف أصحاب الدليل على أن وضعية الأقسام متعددة المستويات بدأت تأخذ حجما متزايدا في السنوات الأخيرة ،إذ بلغت 20 في المائة في إحصاء 2005 -2006، وحوالي 22 في المائة في الدخول المدرسي 2006 -2007، فضلا عن التزايد لمثل هذه الأقسام التي يتجاوز عدد المستويات بها ثلاثة مستويات. أما أسباب تنامي هذه الظاهرة فيفسرها الدليل، بالسعي إلى تعميم التمدرس في التعليم الابتدائي في أبعد نقطة من العالم القروي، تشتت ساكنة هذا الوسء وأخيرا الحرص على ترشيد الموارد البشرية بسبب ضعف المناصب المسندة للتعليم الابتدائي، وسطر الدليل أهداف الدخول التربوي 2007 -2008 في الحرص على ألا يتجاوز عدد المستويات في كل قسم مشترك مستويين اثنين، ثم تقليص نسبة هذا النوع من الأقسام إلى 10 في المائة أو أقل عوض 22 في المائة الحالية. إلى ذلك طالب المسؤولون من الأكاديميات والنيابات ضبط نسبة هذه الأقسام وعدد المستويات فيها وإعطاء أهمية للتكوين في تدريس الأقسام متعددة المستويات داخل مركز التكوين الأساسي، وأخيرا تكوين الأساتذة العاملين بها في اطار برنامج التكوين المستمر ليتمكنوا من تدبيرها على الوجه المطلوب. لكن الواقع يفيد بأن كل إجراءات التحضير للدخول التربوي كانت تحمل هذا المشكل وبنفس الصيغ مع اختلاف في الأرقام التي تعرف تزايدا كل سنة، بل الأقسام متعددة المستويات أصبحت تهدد الخواضر أيضا ، ما يعني أن المسؤولين مطالبين بالبحث على مقاربات أخرى في اطار استراتيجية مضبوطة ومدروسة لمعالجة الظاهرة.

عبد اللطيف الرامي(وجدة)

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. حمزاوي محمد
    27/10/2007 at 20:03

    أستادي بكثرة اعجابي بك و بمقالاتك الجريئة لايسعني الا أن اقول ما شاء الله عليك ولهلا يخطيك على مدينتنا المنكوبة

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *