Home»International»الغزو الثقافي وكيفية مواجهة الثقافة الفلسطينية للغزو الثقافي الصهيوني

الغزو الثقافي وكيفية مواجهة الثقافة الفلسطينية للغزو الثقافي الصهيوني

0
Shares
PinterestGoogle+

الغزو الثقافي
وكيفية مواجهة الثقافة الفلسطينية للغزو الثقافي الصهيوني

يوسف حجازي

تعريف الثقافة والمثقف
كان الشاعر الأميركي المولد البريطاني الجنسية توماس ستيرنز اليوت ( 1888 – 1965 ) هو أول من اهتم في موضوع الثقافة في بدايات القرن العشرين ، وقال أن تحقيق الثقافة يتوقف على تحقيق ثلاث شروط ( )، وهي البعد العضوي والبعد الجغرافي والبعد الديني ، البعد العضوي وهو البناء العضوي الذي يساعد على الانتقال الوراثي للثقافة داخل ثقافة المجتمع ، والبعد الجغرافي وهو وجوب أن تكون الثقافة من وجهة النظر الجغرافية ثقافة قابلة للتحليل الى ثقافات محلية ، والبعد الديني وهو يعني التوازن بين الوحدة والتنوع في الدين وهو شرط مهم لأنه في كثير من الثقافات لا يمكن إغفال أو تهميش أو تجاوز الدين ، وهذا يعني أن الثقافة هي الروح الحقيقة التي تعبر عن شمولية الحياة الاجتماعية للإنسان ، ومظهر من مظاهر الحياة الروحية والأخلاقية التي تسود المجتمع ، وكل الأنشطة الاجتماعية في أوسع معانيها مثل اللغة والزواج ونسق الملكية والأدب والفن ، والكل المركب الذي يشمل العادات الاجتماعية ، والمجموع الكلي لأساليب العقل والتفكير ، وهذا ما يميز الثقافة عن الحضارة والمدنية ، لان الحضارة هي المجهود الإنساني للسيطرة على الطبيعة ،

والمدنية هي مجموع الصفات الرفيعة الفاصلة التي يستخدمها الإنسان في تصرفاته وعلاقاته مع الآخرين ، وهذا يعني أن الثقافة هي تعبير عن شمولية الحياة الاجتماعية للإنسان في تفاعل المجتمع مع بيئته الطبيعية ومجاله الحيوي الطبيعي بما يؤدي الى نشوء خصوصية ثقافية حضارية لهذا المجتمع تميزه عن ثقافات المجتمعات الأخرى ، ومن هنا تنبع نسبية المعايير والقيم والرموز بين المجتمعات ، ولذلك يمكن القول بدون حرج أو بدون الخوف من الوقوع في الخطأ أن كل إنسان مثقف ، لأن كل إنسان يمتلك رؤية وفلسفة خاصة ، ولأن الثقافة شيء قائم في طبيعة الإنسان ، ولأن الإنسان يتميز بقدرته على إنتاج ثقافة ، ولكن ليس لكل إنسان مثقف وظيفة المثقف العضوي ، لأن المثقف العضوي كالمرآة التي تعكس تفاصيل الأمور بسلبياتها وايجابياتها ، ولأن المثقف العضوي يمارس دورا حيويا في تكوين الأيديولوجيات وبناء التماسك الاجتماعي ، ولذلك يحدث التناقض بين المثقف العضوي والسلطة التي تعتمد الكذب والتزوير في الفكرة أو في التعبير عن الفكرة ، بين ثقافة سياسية تدفع الناس نحو التحرك والانطلاق والسعي الى التغيير والإصلاح وثقافة تشد الناس نحو الأرض وتكرس فيهم روح التبعية والتراجع ، وثقافة اجتماعية تدعوا الى الاتجاه نحو تحكيم القيم وثقافة تشد الناس نحو السلبية والتفكك والانعزال وزرع الهزيمة في النفوس ، ولأن أي عمل عضوي يحتاج الى تفكير وأي عمل ذهني يحتاج الى جهد عضلي ، لذلك يجب أن لا يكون السؤال من هو المثقف ، ولكن ما هو تعريف المثقف ، وأن لا تكون المشكلة في كمية ما يمتلك الإنسان من المعرفة ولكن في طريقة تفكير الإنسان ، لأن الإنسان الذي لا يرتبط بقضايا وطنه ولا يتحسس هموم شعبه ، والإنسان الذي لا تكون همته اكبر من همه لا يمكن أن يكون مثقف ولا يمكن أن نطلق عليه اسم مثقف حتى ولو كان يمتلك ارقي الشهادات العلمية والدرجات الأكاديمية ، وقد أطلق الكاتب الفرنسي المتمرد الذي قتل في معركة دنكرك على الحدود البلجيكية في الحرب العالمية الثانية في عام 1940 بول نيزان( ) ( 1905 – 1940 ) على هذا النوع من المثقفين اسم كلاب الحراسة لأنهم يقومون بدور كلاب الحراسة بالنسبة للسلطة ، كما أطلق عليهم الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي والناشط السياسي الذي انخرط في صفوف المقاومة السرية الفرنسية ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية ، وعاش تجربة الأسر عندما احتل الألمان بلاده جان بول سارتر( ) ( 1905 – 1980 ) اسم المثقفين المزيفين وهو يرى أن العدو المباشر للمثقف العضوي هو المثقف المزيف ، وأن المثقف العضوي ليس مسؤولا عن نفسه فقط ولكنه مسؤولا عن كل الناس ، وان الدور المحوري الذي يقوم به المثقف يتركز في النضال الواعي ضد السلطة المتسلطة ، وهو الذي يقدم رؤيته النقدية والتنويرية للمجتمع ، وذلك لأن عقولهم أما عقول غريزية تتشابه مع عقول الحيوانات ومركزها العناصر الغريزية في جسم الإنسان كالغذاء والأكل والشرب والجنس ،

وأما عقول ميكانيكية تتشابه أيضا مع عقول الحيوانات ومركزها الحواس كالنظر والسمع والشم والذوق واللمس ، وغيرهم من المثقفين المستنسخين والكولونياليين والانثروبولوجيين والمهاجرين ، والانتهازيين الذين يركبون كل موجه ويسيرون في ركاب كل سلطة ، والطفيليين الذين يتمسحون بأذيال كل سلطة ، والسطحيين الذين لا يهمهم من الثقافة إلا الانتساب الى اسمها ، لكن المثقفين الحقيقيين المحكومين بالمرجعية المعرفية والأخلاقية السياسية بواقع أحوالهم ككائنات حية تتأثر بما حولها ، وكمبدعين يواجهون السلطة وجها لوجه ويحملون الحقيقة في وجه القوة هم المثقفون العضويون الذين يرتبطون بقضايا أوطانهم ويتحسسون هموم شعوبهم ، لأن عقولهم عقول فيضية معرفية ومركزها في كل خلية من خلايا الجسم ، وهي تستقبل بشكل كلي وتحلل بشكل كلي .
الغزو الثقافي والفكري
لا بد أولا من الاعتراف بأن مفهوم الغزو الثقافي والفكري والأيديولوجي يقابل مفهوم الهزيمة الثقافية والفكرية والأيديولوجية ، وثانيا وكما يقول المفكر المغربي كمال عبد اللطيف( ) ( انه إذا صح أن هناك مؤامرة على هذا النحو من التصور الفظيع فإن المرسل والمرسل إليه يتحملان مسؤولية هذه المؤامرة ، لأن العرب وواقعهم الثقافي المخزي يتحمل مسؤولية هذا الغزو بقدر ما يتحمله الغرب ، وليس من الحق أننا عندما نتحدث عن الغزو الثقافي أن نعلق المشاكل الثقافية على مشجب الأخر وننسى أنفسنا ) ،

ثالثا لا بد من الإشارة الى أن الغزو الثقافي والفكري والإيديولوجي يختلف عن التفاعل الحضاري الذي يقوم على الحوار والتكامل بين الثقافات ، ولكن ارجوا أن لا يفهم من هذا أن ما يجري بين سلطة مقاطعة رام الله والكيان الصهيوني وخاصة في موضوع الاعتراف بالكيان الصهيوني والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة والتنسيق الأمني هو تفاعل حضاري ، لأن الكيان الصهيوني لا يريد من وراء الاعتراف والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة والتنسيق الأمني التفاعل الحضاري مع سلطة مقاطعة رام الله ، ولكنه يريد تبرير مخططاته ومشاريعه وأساطيره الخرافية في الاحتلال والاستيطان والتطهير العرقي وتهويد القدس وسحب الهويات ، واعتبار فلسطين أرضا توراتية لليهود ، والقدس العاصمة الأبدية للكيان الصهيوني ، وضرب فكرة القومية العربية والأمة الإسلامية ، واقوي دليل على ذلك هو تمسك الكيان الصهيوني بالحلول المنفردة مع كل قطر وبشكل منفرد ، ويرجع السبب في ذلك الى الموقف الصهيوني المعادي لفكرة القومية العربية والأمة الإسلامية ، ولذلك رفضت دولة الكيان الصهيوني فكرة الوفد العربي المشترك والحل العربي – الصهيوني ، وأصرت على الحلول المفردة والثنائية ، وهكذا فرضت دولة الكيان الصهيوني على الوفد الفلسطيني الانتقال من دبلوماسية المؤتمر ( مؤتمر مدريد ) الى الدبلوماسية الثنائية ( الوفد الأردني – الفلسطيني ) ومن الدبلوماسية الثنائية الى الدبلوماسية القطرية ( الفلسطينية – الصهيونية ) ومن الدبلوماسية القطرية الى دبلوماسية القمة ( قمة معبر ايرز ) ( قمة عرفات – رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني ) ولأن الثقافة مكون أساسي من المكونات الوطنية ، وعامل أساسي من عوامل الوعي ويقظة الأمة ، وحماية الهوية الوطنية والنضال الوطني ، كان الهدف الأساسي للغزو الثقافي الصهيوني هو العمل على اختراق ثقافة الأمة وتذويب هويتها وسلبها مكوناتها ، ولذلك كان كتاب الشرق الأوسط( ) الذي يهدف الى إعادة صياغة الوضع في المنطقة على أساس القفز فوق هويتها القومية والإسلامية ، ويطالبها بنسيان تاريخها ، ودفن ذاكرتها ، ومصادرة وعيها ، ويؤسس لوضع جديد تكون إسرائيل هي القوة المهيمنة فيه من خلال رسم خارطة جديدة للمنطقة ، وذلك بعد أن أدرك شمعون بيرس أن السلام وحده غير قادر على تحقيق الأهداف الصهيونية ، وأنه لا بد من الاهتمام بالمجال الثقافي ، ولذلك سعى الى الترويج الى ما يسمه هو ثقافة السلام ،

وتأتي أهمية هذا الكتاب من كون مؤلفه شمعون بيرس مهندس اتفاقية أوسلو ، وهو في نفس الوقت واحد من ابرز صانعي القرار السياسي في الكيان الصهيوني ، ويقول بيرس في كتابه هذا ( إنني لست الرجل الذي غير مواقعه من المفهوم التقليدي المعتمد أساسا على المنظومات العسكرية والتسليحية إلى المفهوم الحديث الذي يقوم بالضرورة على الاتفاقيات السياسية ) ، ويأتي على رأس الأسباب التي اضطرته لسلوك هذا الطريق الأصولية الدينية كما يسميها ، وانهيار نظرية الأمن الإسرائيلي بسبب الصواريخ التي دكت عمق فلسطين المحتلة ، والانتفاضة الباسلة المتمثلة في الشعب الأعزل المجرد من كل شيء غير أيمانه بالله وعدالة قضيته ، هذا الشعب الذي أثار الخوف في نفوس المستوطنين اليهود ، وقلب نظرية الأمن الإسرائيلية التي كانت تعتمد على وسيلة الحرب الخاطفة رأسا على عقب ، والبعد الديمغرافي ، وفي ذلك يقول بيرس ( أن لم تحترس إسرائيل ، فإنها سوف تفقد تفوقها في النمو السكاني بين البحر ونهر الأردن ، وتجلب بذلك المأساة لنفسها بنفس الطريقة الأثنية التي تمزق يوغسلافيا ، حيث أن القنبلة السكانية خطر يداهم الكيان الصهيوني ، وفلسطين لن تكون قادرة على استيعاب الأعداد المهاجرة إليها أو المقيمين فيها من أهلها ) أما بخصوص رأي شمعون بيرس في مفتاح الحل ومنظمة التحرير الفلسطينية فقد قال ( )( لقد حصلنا على تنازلات ما كنا لولاها نستطيع إبرام اتفاقية ) ، ولذلك قال عن اتفاق القاهرة والمفاوضات ( )( إن المفاوضات الجارية لم تكن بين طرفين ، إسرائيلي وفلسطيني ، بل بين إسرائيل ونفسها ، لقد أوضحت إسرائيل أنها لا تنوي إزالة المستوطنات القائمة حاليا ، وبوسع المستوطنات أن تعيش في ظل حكم ليس إسرائيليا )( ) ، وكان شمعون بيرس قد أقدم على الحل السلمي أيضا لأنه وجد فيه مفتاحا لحل مشاكل كثيرة تواجه الكيان الصهيوني ، ومن أهمها كما أورده في كتابه ، مسوؤلية إسرائيل عن أمن كل إسرائيلي في المناطق ( الضفة الغربية وغزة ) ، والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود في حدود آمنة ، وإخراج القدس من نطاق الحكم الذاتي ، والتخلص من الإرهاب ومكافحة العنف ، وإلغاء 33 مادة من مواد الميثاق الوطني الفلسطيني مما كان يدعو الى إزالة دولة الكيان الصهيوني ، وإحداث تغييرات جوهرية في مبادئ منظمة التحرير حسب ما تمليه الظروف الجديدة ، والبحث عن وسائل لمد أيادي الكيان الصهيوني الى العواصم العربية من اجل إنشاء صناعات وإقامة تبادل تجاري ، وذلك في إطار تحقيق الوعد الاقتصادي في إقامة دولة إسرائيل من النيل الى الفرات حسب خطتهم ، ولم يكتفي شمعون بيرس بهذه المكاسب ولكننا نراه يضع أهدافا أخرى تتمثل في إنكاره أي علاقة لإسرائيل في مأساة اللاجئين ، ولهذا لا تجد إسرائيل أي مبررا لعودة اللاجئين الذين غادروا ديارهم بسبب الحرب العربية على إسرائيل كما يدعي ، وينحو باللوم على الأمم المتحدة التي تبنت الفلسطينيين ووفرت لهم الغذاء الهزيل والتعليم المتواضع ، لأنها بذلك حافظت على هويتهم ، ولو أنها ( )(الأمم المتحدة ) لم تفعل ذلك لذاب الشعب الفلسطيني بين شعوب الأرض ، وما قامت لهم قائمة ،

أما صورة الشرق الأوسط الذي يسعى شمعون بيرس وأنصاره في الإسراع في تشكيله سوقا لمنتجاتهم ، فتتمثل في مجموعة نقاط يأتي على رأسها تأكيده على أن الردع النووي يجب أن يظل في يد إسرائيل ، مدعيا أن الوقت لم يحن بعد لتفكيك أسلحته النووية وإعادة جنوده إلي منازلهم ، وعندما يتحدث بيرس عن الموضوع الاقتصادي يفرد شرحا مطولا لمقاومة الاقتصاد المبني على جهود غربية ، ويقفز من أجل ذلك على مسلمات كثيرة ليصل إلى ضرورة التعاون الإقليمي الذي يذيب الدين واللغة والروابط المشتركة من جهة ، ويعطي الحق بالتالي الى المجتمع الصهيوني في أن يأخذ مكانة بين هذه التشكيلة المفترضة وهي إسرائيل وإيران وتركيا والبلاد العربية ، وذلك من اجل تفكيك أي مواجهة ممكنة أو خطر قادم يمكنه التعرض للكيان الصهيوني ، وبالتالي يجهض أي مشروع اقتصادي يمكن أن يقوم مستقبلا سواء كان هذا المشروع وحدة اقتصادية عربية أو سوق اقتصادية إسلامية ، لأن إدخال الاقتصاد الصهيوني ضمن اقتصاديات السوق العربية يجعل الكفة غير متكافئة ، فالمعروف بداهة أن إسرائيل تتمتع بتقدم تكنولوجي وزراعي متطور ، ولكن أين هذا الربح الذي سيجنيه الاقتصاد العربي ، لكن الطبقة السياسية العربية التي ارتبطت بشبكة من المصالح مع الشركات الأميركية متعددة الجنسية من تراست وكونزيرن وكارتل( ) ، ومع وكالة المخابرات المركزية الأميركية التي تشكل المظلة التي تحمي كراسيهم وواقي الصدمات الذي يحمي أشخاصهم ، ولذالك يرى الحكام العرب أن أمريكا هي قدر الله جاء بها والله يذهب بها ، ويرون أنفسهم قدر أميركا جاءت بهم وأميركا وتذهب بهم ، وهكذا أصبح الحكام العرب أميركيون أكثر من الأميركيين أنفسهم ، لأن الأميركيون أنفسهم لا يقولون أن أميركا قدر، فقد قال الكاتب البريطاني الأصل المولود في ويلز في شمال بريطانيا في عام 1942 والاميركى الجنسية بول كيندي( ) أستاذ التاريخ في جامعة بيل في كتابه ( نشوء وسقوط الدول العظمى ) الذي استعرض فيه دوره حضاريه وتاريخيه على مدى ( 500 عام ) ( أن تربع الدول على قمة الهرم السياسي الدولي يؤسس في الوقت نفسه بذور تراجعها وانهيارها اللاحق ) ،

وتأسيسا على هذه التجربة التاريخية لا يستطيع الإنسان أن يقبل مقولة الكاتب الياباني الأصل الأميركي الجنسية فرنسيس فوكو ياما أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي ومدير برنامج التنمية الدولية في جامعة هوبكنز والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية المولود في واشنطن في عام 1952 في كتابه نهاية التاريخ والتي تقول ( أن نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ذهب الى غير رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي وهدم سور برلين ، لتحل محله الليبرالية وقيم الحضارة الغربية ) ويعتبر فوكو ياما من منظري المحافظين الجدد حيث أسس هو ومجموعة من المحافظين الجدد في عام 1993 ( مركز القرن الأميركي ) ، ودعا الرئيس بيل كلينتون الى ضرورة التخلص من الرئيس صدام حسين ، كما انه وقع مع رفاقه من المحافظين الجدد رسالة وجهها الى الرئيس جورج بوش الابن بعد هجمات 11 أيلول بضرورة التخلص من نظام الرئيس صدام حسين حتى وان كان لا يوجد ما يربط بين نظام الرئيس صدام حسين ومنفذي هجمات 11 أيلول ، ولكنه تراجع عن دعمه لغزو العراق في عام 2003 ودعا الى استقالة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ، وأعلن عن احتمال تصويته ضد جورج بوش الابن في انتخابات 2004 ، لأن بوش ارتكب ثلاثة أخطاء رئيسية وهي المبالغة في تصوير الخطر الإسلامي على الولايات المتحد الأميركية ، وإساءة تقدير ردود الفعل السلبية على السياسة الأميركية وازدياد مشاعر العداء في العالم للولايات المتحدة الأميركية ، والإفراط في التفاؤل في إمكانية تحقيق السلام في العراق من خلال الترويج لقيم الثقافة ألغربية في الشرق الأوسط ، لأنه وبالرجوع إلى التجربة التاريخية نرى أن صعود الدول وهبوطها سمة أساسيه من سمات حركة التاريخ ، ولذالك وفى ضوء رؤية شموليه لمجمل المتغيرات الفاعلة ، ومع عدم الاستهانة بقدرات الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي تؤهلها للتأثير في التفاعلات الدولية لفترة قادمة ولصالحها ، ألا أننا ندرك أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت مسيرة التراجع التدريجي ، بسبب متغيرات داخليه تتفاعل مع متغيرات أخرى خارجية ، مما يهدد احتكار أمريكا للقوة والنفوذ الدولي لصالحها ، ومما يساعد على ذالك الخلل البنيوي في الاقتصاد الأميركي وأثره في الحد من قدرة أميركا على الانتشار العسكري خارج حدودها ، وبذالك فهي تفقد مركزها كدولة عظمى ، لأن الدولة العظمى هي الدولة التي تملك القدرة على الحضور خارج حدودها خدمة لمصالحها دون أن تعاني من كلفة هذا الحضور ، ونحن نرى أن أمريكا لم تكن قادرة على الخروج خارج حدودها وإعلان حربها على أفغانستان والعراق دون تأمين كلفة هذه الحرب المادية والمعنوية والبشرية من دول أخرى ، ودون أن تدعم قدراتها الاقتصادية والعسكرية الذاتية بقدرات غيرها عبر أدوات اسمها العولمة والتجارة الحرة والتحالف الدولي ، ولذالك فإن رؤية الحكام العرب التي ترى أن الهيمنة الأمريكية مرشحة للاستمرار في المستقبل هي رؤية خاطئة ومغرضة وتهدف إلى تحقيق الانتشار الوظيفي الأميركي التجاري والاقتصادي والثقافي والعلمي داخل الوطن العربي ، تمهيدا للسيطرة على ثرواته وأسواقه ، وبالتالي التحكم في أدائه ودوره السياسي ، وصولا إلى جعله مجرد إطراف متعددة الهويات الثقافية مركزها الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي دولة إقليمية عظمى هي إسرائيل ، خاصة بعد تراجع دور إسرائيل بسبب انتهاء حالة الاستقطاب الثنائي بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ، وللتأكيد على وظيفة إسرائيل في المنطقة باعتبارها حارسا أمينا على المصالح الأمريكية ، وعنصرا فعالا في جر العرب إلى طرق أبواب البيت الأبيض لطلب الحل منه ،

وقد ظهر ذالك بكل وضوح وبلا أي لبس أو غموض في اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية أوسلو واتفاقية وادي عربة ، ومحاولة إلغاء كل ما له صلة بالعداء لإسرائيل في الوجدان العربي ، وتغيير الطابع العربي الرافض لمصلحة وضع عربي أكثر قبولا بالواقع الجديد الذي يتم ترتيبه ، والخضوع المطلق للإرادة الأمريكية بما يضمن الانخراط في عوامل التبعية والتخلف ، ونستطيع أن ترى ذالك بوضوح في معالم الواقع العربي التي تراجعت فيه فكرة العمل القومي كأساس للهوية والحركة ، بحيث أخذت الدول العربية تعمل على تكريس وجودها القطري ، وحل مشاكلها بمعزل عن إرادة التكامل العربي ، وقد ترتب على ذالك أن سعت أميركا بكل جهدها إلى استثمار الواقع العربي في دعم مصالحها ، وإقامة توازن إقليمي يضمن لها الإمساك بعصب الحركة الرأسمالية ( النفط ) ، بالإضافة إلى تهميش مصالح العرب وأهدافهم وتطلعاتهم الوحدوية القومية لصالح إسرائيل التي أدركت أنه لا يمكن أن يكون لها أولوية على جدول الغرب الرأسمالي إلا إذا ارتبطت بشبكة من المصالح الإقليمية والروابط الاقتصادية في المنطقة في عالم أصبحت تحكمه الأسواق الكبرى وشبكة المصالح المشتركة ، وهو ما يفسر سعي إسرائيل إلى تثبيت دعائم نظام شرق – أوسطي جديد بأعراقه وانتماءاته وقيمه يكون العرب فيه أحد الأعراق الاثنية التي تنتمي إلى هذه المنطقة ، ويشكل النقيض للنظام العربي وقيمه وعقائده ومؤسساته ، وتحظى إسرائيل فيه بدور مهندس ومنظم ومرشد وقطب المنطقة ، وصولاً إلى بناء مناخ تتوافر فيه مستويات التسليم لدى عرب التسويات بدور إسرائيل المهيمن ، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ، هل تنجح أمريكا وإسرائيل في هذا الغزو الثقافي والفكري والإيديولوجي بعد أن فشلت في الغزو العسكري ، والإجابة على ذالك سوف تأتى من المقاومة العراقية وحركة حماس وحزب الله وسورية ،

ومن القوة الحية التي لم تمت بعد في امتنا العربية ، ومن الشعوب العربية التي نامت طويلا ، وحان الآن وليس غدا وقت صحوتها ، لأنها وإن كانت اليوم تملك بعض يومها فإنها غدا لن تملك بعض غدها ، خاصة إذا فرطت باللحظة التاريخية التي تصنعها المقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية بالإضافة إلى الصمود السوري والدور الإيراني والتركي
وسائل ومظاهر الغزو الثقافي والفكري
يقول الكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت ( 1906 – 1989 ) في كتابه الصغير بروست أن قوانين الذاكرة خاضعة لقوانين العادة الأكثر عمومية ، والعادة هي ما نكرر فعله ، ونحن تعودنا أن نلقي تبعية كل ما يحل بنا نكبات على الآخرين ، والحكم بحكم العادة حكم غير مدروس ، ولذلك لا يجوز أن نلقي تبعية الغزو الثقافي على الخارج ، لأن الغزو الثقافي لا يأتينا من الخارج فقط وإنما يأتينا من الداخل أيضا ، وقد كان رائد علم الاجتماع ابن خلدون ( 1332 – 1406 ) يعني ذلك ولذلك قال ( إنما تبدأ الأمم بالهزيمة من داخلها عندما تشرع في تقليد عدوها ) وهكذا يكون الغزو الثقافي اخطر من الغزو العسكري لأن الغزو العسكري يعني احتلال الأرض والغزو الثقافي يعني احتلال العقل ، ولأن الغزو العسكري يستمد قوته من عناصر الإخضاع الخارجية والغزو الثقافي يستمد قوته من عناصر الإخضاع الداخلية ، ولأن بعض المثقفين المزيفين يرون أن الغزو الثقافي ليس غزوا ثقافيا ، ولكنه سبيل الى المثاقفة والتلاقح المعرفي والحضاري ، والتواصل التراثي الإنساني ، ولذلك كانوا كالعاهرة التي تنقل العدوى وترتدي رداء الطهر الاجتماعي والحب الأخوي في نفس الوقت ، وعبدوا الطريق أمام الغزو الثقافي الصهيوني والامبريالي ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن وسائل الغزو الثقافي تختلف عن وسائل الغزو العسكري ، لأن الغزو العسكري يستخدم المواجهة المباشرة و القوة العسكرية ، وهذا يؤدي الى ردة فعل وطنية تحرك العاطفة الوطنية وتؤدي الى مواجهة الغزو العسكري ، ولكن الغزو الثقافي لا يستخدم المواجهة المباشرة والقوة العسكرية ولكنه يستخدم وسائل ناعمة ويتسلل إلينا كما تتسلل الأشواك في أجسادنا ، ولذلك يكون خطره اكبر وما يتحقق منه اكبر مما يتحقق من الغزو العسكري ،

 

ومن الوسائل الناعمة التي يستخدمها الغزو الثقافي الإعلام ، وخاصة الشركات الوطنية والقومية و العالمية التي تسيطر على تكنولوجيا الاتصالات التي لم تعد موقعا مركزيا في شبكة الإنتاج الصناعي فحسب وإنما بدأت تشكل موقع القلب في إستراتيجية إعادة تشكيل منظومة العلاقات الوطنية والقومية والإقليمية والدولية التي تسيطر على وسائل الإعلام على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والاتصالي من صحافة ووكالات أنباء وشبكات إذاعية وفضائيات ، واستغلالها كأدوات للغزو الثقافي والسيطرة الأيديولوجية والثقافية على العالم الثالث بالرغم من محاولات الإعلام الغربي تغليف نفسه بمظاهر الحرية ، واحترام الحرية الفردية ، والدفاع عن حقوق الإنسان ، والتظاهر بالحياد وعدم الانحياز لأي طرف ، كما أرجو ألإشارة إلى أن هذه الهيمنة التكنولوجية الغربية الإمبريالية الصهيونية يقابلها تبعية تكنولوجية واضحة في العالم الثالث الذي يعتمد كلياً على إنتاج الشركات الغربية الصناعية في وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية ، والأقمار الصناعية والتلكس والفاكس ، وشبكات الكوابل ومستلزمات الطباعة ، والاتصال الإذاعي والتلفزيوني ، وبنوك المعلومات والحاسبات الإلكترونية ، وقد ابرز تقرير لجنة مكبرايد حول مشكلات الإعلام في العالم والذي قدم إلى اليونسكو الدور الذي تقوم به الشركات عبر القومية والشركات المتعددة الجنسية كأداة للتغلغل الاقتصادي والسيطرة الأيديولوجية والثقافية في العالم الثالث ، وذلك من خلال سيطرة هذه الشركات على وسائل الإعلام ، وأفاد التقرير بان هناك ( 15 مؤسسة كبرى ) تسيطر بطرق مختلفة على الجزء الأكبر من عملية الاتصال وتتخذ مقرها في خمس دول رأسمالية كبرى وهي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان ، ومن هذه المؤسسات شركة ( اى . بي . ام لصناعة الكمبيوتر ، وشركة جنرال الكتريك وشركة فيليبس وشركة سيمنس وشركة وستون الكتريك وشركة وستنغهاوس ) وغيرها من الشركات ، كما أفاد التقرير أن هناك حوالي ( 20 ألف شركة عالمية ) تسيطر على ( 90 ألف شركة تابعة ) في العالم تتنافس على السيطرة على ( 90% من وسائل الإعلام ) ، وتسعى إلى تعميق الاتجاهات والقيم وأنماط السلوك الليبرالية ، وإشاعة نمط الاستهلاك ونظام السوق ونموذج الحياة الغربية في العالم الثالث ، وهو ما أدى إلى اختلال معادلة الإنتاج في مجال احتكار توزيع الأخبار المصورة أو ما يسمى الحقائب التلفزيونية المصورة التي ترسلها الأقمار الصناعية وخاصةً بعد تطبيق مبدأ التدفق الحر للأنباء والمعلومات الذي أقرته لوائح اليونسكو ، ومبدأ النظام الاعلامى العالمي الحر الذي دعت إليه دول الغرب ، وهو ما أدى إلى ظهور ما يسمى بالتدفق الحر في اتجاه واحد أي من الشمال إلى الجنوب ،

وقد أفرز هذا الاختلال في تدفق الأنباء والمعلومات أضراراً بالغة على الحقوق القومية لشعوب العالم الثالث في مجال الثقافة وفي مجال الإعلام ، لأنه لا يوجد إعلام لله ولا يوجد إعلام خارج السيطرة ، كما استغلت دول الشمال الغنية هذا التدفق الحر للأنباء كأداة ثقافية وإعلامية وأيديولوجية واقتصادية للسيطرة على شعوب العالم الثالث ، وانتهاك سيادتها القومية ، وضرب سياساتها الإنمائية ، وتخريب ثقافاتها القومية ، ولم تقتصر الأضرار على هذا الجانب بل ظهر في تصويرها في التغطية الإعلامية لأحداث هذه البلدان بتشويهها وتحريفها ، وخاصة في عصر الانترنت والأقمار الصناعية والفضائيات ، والتطور في وسائل الاتصال والمواصلات والانترنت ، واختصار المسافات وقوة المفاجأة والتفاعل وعمق التأثير بحيث صارت الكرة الأرضية قرية كونية ، ولم تعد تفصل بين البشر فواصل الزمان وقيود المكان ، وأصبحت الكلمة التي تقال في أي جهة من هذه القرية تقرأ وتسمع وتشاهد في كل الجهات الأخرى , كما أصبحت الأفكار والآداب والفنون والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجيات تروج كما تروج السلع والأزياء , وكما يوجد للسلع والأزياء شركات ومؤسسات وفضائيات وإعلام وإعلاميين ووكلاء وسماسرة وعملاء وتجار يروجون لها ويتولون عرضها ويزينون جمالها يوجد للأفكار والأيديولوجيات والنظم مؤسساتها وفضائياتها وإعلامها وعملاءها وتجارها وسماسرتها الذين ينشطون في كل مكان وزمان وينصبون شباكهم ويرسمون خططهم الظاهرة والخفية وفق التخطيط الذي ترسمه لهم مصانع السلع ومؤسساتها , وأقوى دليل على ذلك ما قاله الدكتور محمد حسين عرندس( ) رئيس تحرير مجلة البلاد اللبنانية الذي قال ( وان كان سلاح الاقتصاد هو السلاح الذي اسقط أسوار الدول وجعلها مفتوحة وخاضعة للسيد الجديد ، إلا أن سلاح الإعلام والثقافة هو الذي يقوم بدور التمهيد واستكمال عملية السيطرة بإضفاء الشرعية المطلوبة عليها وإحلال القناعة بها ، وإحداث تغييرات فكرية وذهنية تجعل شعوب العالم دولة واحدة راضية بالإدارة الدولية لها ، ولذلك فان واشنطن أولت هذا السلاح أهمية كبيرة ، وسخرت له أموالا طائلة ، ووسائل تقنية دقيقة للغاية ، ليقوم بدوره في نشر ثقافة السلطان وتكريسها ليسهل عليه حكم العالم )

وما قاله هيربرت شيللر أستاذ الإعلام الأميركي ونائب رئيس المنظمة العالمية للأبحاث الإعلامية ( إن الاستعمار الثقافي ينمو في الظلام الإعلامي الحالي ، حيث نرى شروط الإنتاج الثقافي وشخصيته يتقرر في مركز سوق عالمية واحدة تفرض إنتاجها على العالم ، حيث يكون هناك خطر في قبول مبدأ حرية انسياب المعلومات في عالم لا تتساوى فيه الإمكانيات التقنية والمادية ، وبالتالي في عالم تكون فيه الدول الصغيرة والفقيرة معتمدة بصورة كبيرة على الدول الكبيرة في تقنية انسياب معلوماتها )( ) وذلك بالإضافة الى الوسائل الناعمة الأخرى مثل الاقتصاد والاستقطاب والهيمنة والتبعية والتغريب والمال السياسي ، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، والسينما والمسرح والموسيقى والغناء ، والمحطات الفضائية وخاصة فضائية ( سي ان ان ) ، والمسلسلات والأدب والفن والشعر ومراكز الأبحاث والدراسات ، والإرساليات التبشيرية والمدارس الأجنبية ، والأندية وخاصة أندية الليونس والروتاري ، والحركات السياسية وخاصة الحركة الماسونية ، وهيئة المعونة الأميركية ، ومؤسسة الايد الأميركية ، ومؤسسة فريدرش ايبرت ، والجامعات الأميركية التي تشكل رأس جسر في الاختراق الثقافي والغزو الفكري ، وفضائية العربية وفضائية اوربت وفضائية أم بي سي وفضائية الفراعنة ، وغيرها من فضائيات الأنظمة العربية التي ظهرت كمكملات لمظاهر السيادة وكأجهزة خدمات تعمل على تشكيل وعي المواطن العربي ، وفقا لرغبات الحكومات العربية وأساطين الإعلام عبر الترويج لسياسات ومذاهب وأفكار معينة ، سواء من خلال الإعلان المباشر أو من خلال البث المبطن لأفكار ، ورؤى يتم تمريرها من خلال البرامج والأخبار والتغطيات والأعمال الدرامية ، وما يسمى منظمات المجتمع المدني ( الانجوزيون ) ( وهنا لا بد من الإشارة الى الفضائيات الوطنية والقومية والإسلامية المقاومة وخاصة فضائية الأقصى وفضائية المنار وفضائية الرأي وفضائية الحوار والفضائية السورية وفضائية الجزيرة وفضائية العالم والفضائية التركية وما تواجهه من مشاكل بسبب خطها السياسي ) ، ودور الإعلام الصهيوني المدعوم بالآلة الإعلامية الغربية الموجهة للشعوب العربية والذي يحاول ان يصل بهم الى الاقتناع بعدم جدوى خيار المقاومة المسلحة في تحقيق الأهداف العربية ، وعدم الجدوى في تحقيق التوازن العسكري أو التخلص من الأوضاع التي يفرضها التفوق الإسرائيلي التقني والعسكري ، وتحطيم أي أمل في نفوسهم في إمكانية تغيير الواقع أو في التفكير في تحسين الظروف الذاتية والموضوعية التي من الممكن ان تحقق استعادة حقوقهم التاريخية ، ولذلك كان دور الإعلام الصهيوني يسير في اتجاه تحويل وتغيير وتثبيت المواقف والآراء والقناعات السياسية التي تخدم أطماعه وأهدافه في فلسطين ، وقد استخدم في ذلك أساليب مختلفة ومتعددة حيث خاطب كل طبقة اجتماعية باللغة التي تروق لها وحسب مستواها الاجتماعي والاقتصادي وتوجهها الفكري والأيديولوجي ، وذلك بالإضافة الى التركيز على مراكز الثقل السياسية ومراكز صنع القرار العالمي ، والحفاظ على علاقات خاصة مع عواصم صنع القرار في العالم ،

والعمل على تدعيم سياسة الحركة الصهيونية المرتبطة عضويا بأطماع الدول الكولونيالية الغربية ليس على مستوى العلاقات السياسية فحسب وإنما على مستوى الإعلام ، ولذلك وظفت سلاح الإعلام لكي يصبح أداة قوية ومؤثرة في الابتزاز والاستقطاب والمناورة السياسية ، بحيث يصور إسرائيل كقوة ردع غربية في المنطقة على قاعدة ليس للغرب في هذه المنطقة أفضل من الغرب نفسه ، واقوي دليل على ذلك قول الأكاديمي جورج رودر ( )( ان بقاء إسرائيل كقوة غربية رادعة مسألة بالغة الأهمية في الدفاع عن أوروبا وعلى المدى الطويل عن الولايات المتحدة الأميركية ، إذ أن إسرائيل مستعدة وراغبة في مشاركتنا أهدافنا الدفاعية ، والغرب مطالب بالدفاع عنها في وجه التهديدات التي تأتيها من الدول العربية التي تستهدفها وتحاول القضاء عليها إذا ما سنحت لها الفرصة للقيام بذلك ) وما قاله البروفيسور بنيامين عزرا ( )( ان الإيحاء للعالم باستمرار العداء من قبل العرب لإسرائيل يخدم جملة من التصورات والمفاهيم التي تقوم على ان الدول العربية تريد إبادة إسرائيل وإزالتها من الوجود ، وهو شيء علينا ان إقناع شعبنا والرأي العام به بكل الوسائل التي بين أيدينا ، لأن ذلك يعد من مصالحنا العليا ) ، وما قاله أيضا إسحاق رابين الذي كان يرى ان السياسة الإعلامية والدبلوماسية الإسرائيلية يجب ان تنطلق من ان إسرائيل قد أصبحت حقيقة ثابتة في المنطقة العربية ، وان مهمتها تتجسد في مواجهة العرب بتلك الحقيقة على الصعيد العالمي ، وتوضيح مقدار عجز العرب عن تغيير هذه الحقيقة المؤكدة التي يجب ان يقروا بها ويتصرفوا على ضوئها ، وذلك بالإضافة الى اتفاقية الغات ( اتفاقية التعريفة الجمركية والتجارة الحرة ) التي تأسست في جنيف عام 1947 و تحولت الى منظمة عالمية للتجارة في عام 1995 لتكون مسؤولة عن مراقبة التجارة الدولية وتحريرها ، وهي منظمة مرادفة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، ونحن نعرف ان هاتين المنظمتين تضعان شروطا تعسفية وصعبة التطبيق بالنسبة لدول العالم الثالث في منح القروض والتسهيلات وخاصة في رفع الدعم المالي عن السلع الاستهلاكية الضرورية ، وتسوية المنازعات ومراجعة السياسات ضمن آليات وإجراءات قانونية محددة ضمن بنود هذه الاتفاقية ، وتأسيس أجهزة مساعدة كمجلس السلع ومجلس الخدمات ومجلس الملكية الفكرية ، ولكن العولمة كانت ولا شك في ذلك هي اخطر وأقدم واحدث أدوات ووسائل الغزو الثقافي الغربي في نفس الوقت ، واقوي دليل على ذلك ما قاله الرئيس الأميركي الثاني والعشرون غروفر كليفلاند ( 1893 – 1897 ) في عام 1893( إن دور أميركا الخلاق هو تحضير العالم ليصبح امة واحدة تتكلم لغة واحدة )( ) وهذا يعني أن مصطلح العولمة ليس مصطلح جديد لظاهرة حديثة تستهدف فرض ثقافة اقتصادية سياسية اجتماعية جديدة على دول العالم الثالث وفق مفاهيم ومنطلقات الحضارة الغربية وخاصة الحضارة الأميركية ، والهدف من وراء ذلك هو تغيير بنية وركائز المجتمعات التاريخية ، وفرض نوع من الرأسمالية اللااخلاقية على العالم الثالث ، وقطع روابط الإنسان مع مجتمعه وتاريخه وتراثه وحضارته وتحويله إلى آلة من آلات العمل الرأسمالي ، وهكذا نرى أن العولمة ظاهرة ثقافية امبريالية بقدر ما هي ظاهرة اقتصادية ، وهي ظاهرة قديمة لأن ظاهرة ثقافة المركز والأطراف ترجع إلى عهد أشور وبابل وسومر والإمبراطورية الأكادية ومصر والصين ، ولذلك نرى أن الاتجاه العالمي نحو سياسة القطب الواحد المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هي مسألة لا تستدعي الاستغراب ، لأن ما من دولة تملك أسباب القوة إلا وتحاول أن تفرض سيطرتها وثقافتها على العالم وعلى شكل ما يعرف بالغزو الثقافي المعولم أو الاستعمار الثقافي المعولم ، ومن خلال آليات الاستيعاب الثقافي في استلاب عقول وتراث شعوب العالم الثالث المتأخرة ثقافيا وتحويلها إلى شعوب تابعة بلا ذاكرة أو تاريخ أو شخصية ، لأن من يفقد ذاكرته وتاريخه يفقد شخصيته ، والهدف من وراء ذلك هو أمركة العالم
الغزو الثقافي الصهيوني
كشفت نكسة حزيران في عام 1967 عن ثلاث حقائق ،

الحقيقة الأولى تمثلت في اتساع مساحة العدوان الصهيوني الذي طال ثلاث دول عربية من دول الطوق وهي مصر وسورية والأردن بالإضافة إلى القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ومزارع شبعا اللبنانية ، والحقيقة الثانية تمثلت في المساعدة المباشرة الواضحة العسكرية واللوجستية والإعلامية التي قدمتها الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية للكيان الصهيوني ، والحقيقة الثالثة تمثلت في حدوث تغيير تكتيكي في النهج الصهيوني ضد الدول العربية وخاصة دول الطوق ، وازدياد دور العمل السياسي – الدعائي والفكري في نهج الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية باتجاه إيجاد أنواع وأشكال مختلفة من العمل السياسي والفكري لتكون أساسا لتأسيس علاقات جديدة بين الكيان الصهيوني والدول العربية وخاصة دول الطوق ، وخلق ما سمي في وقته وما يسمى الآن بالتطبيع أي التحول في النهج الاستراتيجي الصهيوني من الطابع العسكري واحتلال الأرض العربية بالقوة العسكرية إلى نهج السيطرة والهيمنة بأساليب أخرى اقتصادية وسياسية وثقافية وفكرية ، وخاصة بعد أن نجحت إسرائيل في فرض التطبيع السياسي على بعض الأنظمة العربية ، وكل ما من شأنه إزالة التصادم في العلاقات والمشاعر والتوجهات تحت واجهات مختلفة ومتنوعة ، وقد أطلق على هذا التوجه الجديد بكل أبعاده وجوانبه المختلفة مصطلح التطبيع الثقافي ، وهو يعني الاعتراف بالكيان الصهيوني كجزء من المنظر العام في المنطقة ، وان يكون كل ما يريده الكيان الصهيوني منا طبعا فينا ، والتطبيع الثقافي شكل من أشكال الغزو الثقافي ، وكان أول من استخدم مصطلح التطبيع في السياسة ابا ايبان وزير خارجية إسرائيل السابق في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1968 ، والباحث شيمون شامير( ) الذي قال في محاضرة له في جامعة تل أبيب في 20 آذار 1981 وعنوانها ( سنتان بعد توقيع معاهدة سلام بين إسرائيل ومصر ) والذي قال فيها ( أن مصطلح التطبيع مفهوم عادي ، ففي معاهدات السلام التي تنظم العلاقات بين الدول لا يتكلم أحد عن إعادة التطبيع ، والمفهوم الشامل للتطبيع هو من مبتكرات الصراع العربي – الإسرائيلي ) وشيمون شامير هذا باحث أكاديمي ورئيس معهد الدبلوماسية في جامعة تل – أبيب وسفير إسرائيل السابق في القاهرة وعمان ، ويعود له الدور الأكبر في بناء إستراتيجية إسرائيلية في لتدخل والاختراق الثقافي وتهويد تاريخ وآثار مصر ، وقد انشأ المركز الأكاديمي الإسرائيلي في مدينة القاهرة في عام 1982 ( وهو نفس العام الذي اجتاحت فيه القوات الإسرائيلية لبنان واحتلال بيروت ) والذي يقع في البناية رقم 92 في شارع النيل في أعلى منزل الأستاذ المفكر المصري والعربي محمد حسنين هيكل ، وهذا هو التطبيع ركوب وحمل وتلقى أوامر ، ركوب إسرائيل فوق ظهورنا ، وحملها إلى العواصم والأسواق العربية والإسلامية والعالمية ، وتنفيذ أوامرها حتى يكون كل ما تريده منا طبعا فينا ،

هذا وقد كانت الخطوات الأولى لنهج التطبيع قد أخذت طريقها إلى التطبيع بعد نكبة أيار1948 ، وبعد نكسة حزيران 1967، حيث تجسدت في التطبيع الجبري في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948 ، وفي الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في عام 1967 في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء ، وأخذت إشكالها الملموسة في تطبيع الأمر الواقع والجسور المفتوحة مع الأردن ، أو في التطبيع المفروض كما حدث في الجنوب اللبناني بعد عملية الليطاني في عام 1978 ، أو في التطبيع من خلال الاجتماعات الرسمية كما حدث في قمة أيفران في 23 تموز 1986 ، حيث استقبل الملك الحسن الثاني في قصره في منتجع أيفران شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل الذي وصل إلى مدينة فاس في زيارة رسمية للمغرب ، وقد شكلت هذه الزيارة مفاجأة سياسية في الوطن العربي ، وأثارت ردود فعل مختلفة تراوحت بين الإدانة والاستنكار والصمت والترحيب ، وذلك بالإضافة إلى الاجتماعات السرية المتعددة بين الملك عبد الله وحفيده الملك حسين مع المسؤولين الإسرائيليين ، والزيارات السرية الذي قام بها إلى المغرب وزير خارجية إسرائيل موشي دايان ورئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين ورئيس الموساد الإسرائيلي اسحق حوفي ونائبه ديفيد كمحي ، لكن ذلك كله لم يكن يشكل سوى مقدمات عملية يراد لها أن تكون مدخلا لمواضيع أكثر شمولية وخطورة كما يتضح من محاضرة شيمون شامير الذي قال فيها ( أن إسرائيل لا يعني فقط قبول إسرائيل ، ولكن أيضا أن تقبل الصهيونية ، لأن الاعتراض على الصهيونية يعني الاعتراض على الأساس الإيديولوجي لدولة إسرائيل ، وهذا يعني إفراغ إسرائيل من الشرعية ويمثل تهديدا لوجود إسرائيل ) ولكن إسرائيل التي لا تعوزها الأسباب في الاحتلال لا تعوزها الأسباب في وضع العصا في دولاب أي تسوية ، لأن إسرائيل لا تلتزم إلا بمصالحها ، وهي كالمرأة المومس التي تريد كل يوما خليلا ولكنها لا تعطي قلبها لأحد ، وهي أيضا كجهنم كلما أخذت قالت هل من مزيد ، ولذلك نرى تسيبني ليفني وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تستبق اجتماع أنا بوليس وتطالب الفلسطينيون والعرب بالاعتراف باليهودية كأساس أيديولوجي لدولة إسرائيل ، وتعلن أن إقامة الدولة الفلسطينية هو الحل القومي للفلسطينيين في إسرائيل ، وهذا يعني طرد مليون ونصف مليون مواطن فلسطيني من فلسطين المحتلة في عام 1948 ، وطرد أكثر من مائة ألف مواطن فلسطيني من القدس الشرقية المحتلة في عام 1967 ، والتنازل عن القدس وحق العودة ، وتصفية القضية الفلسطينية ، ولذلك ولأن العلاقة مع الشعب الفلسطيني تحتل مكان القلب في المطالب الإقليمية الإسرائيلية بادرت إسرائيل إلى طرح مجموعة من الأفكار للالتفاف حول هذه العلاقة ومنها فكرة الوطن البديل ،

وفكرة الحكم الذاتي في أجزاء من الضفة الغربية ، وفكرة الخيار الأردني ، وفكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السيادة والسلاح في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولذلك أيضا ولأن إحلال السلام الاقتصادي في المنطقة يعني إزالة العوائق والحدود بين إسرائيل والدول العربية ، وحرية التدفق الحر للسلع والخدمات والأفكار وعناصر الإنتاج سواء في إطار سوق مشتركة للشرق الأوسط ، أو سوق مشتركة لدول البحر الأبيض المتوسط تضم الدول العربية والدول الأوربية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط ، وذلك من اجل تخفيض الأعباء الأمنية وميزانية وزارة الحرب الإسرائيلية ، والبحث عن مجال خارج حدود إسرائيل يوفر لها المياه والسوق والأيدي العاملة ورأس المال وحاجات النمو الاقتصادي والعمق الاقتصادي ، وهذه في مجموعها تشكل مسألة موت أو حياة بالنسبة لإسرائيل على المستوى البعيد ، وهنا اذكر بمشروع السادات تزويد إسرائيل بمياه نهر النيل عبر أنفاق تحت قناة السويس ، ومشروع مركز التنبؤ التكنولوجي الذي طرحته جامعة تل أبيب ، ومشروع التعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي عرف باسم مشروع ماريشال الذي طرحة شمعون بيريز ، ولم تقتصر أهداف التطبيع على الموضوع الاقتصادي والأمني ولكنها ركزت وبشكل مكثف ومباشر على الموضوع الثقافي والفكري والروحي ، لأن هذا الموضوع في نظر حكام إسرائيل هو الدعامة الأساسية في صنع السلام في الشرق الأوسط ، خاصة وان حكام إسرائيل والولايات المتحدة والدول الامبريالية الأوربية يعتقدون أن سبب استمرار الصراع في الشرق الأوسط يرجع إلى رفض العرب والمسلمين الاعتراف بدولة إسرائيل ، ولذلك يجب أن تتوجه كل الجهود السياسية والأكاديمية والثقافية إلى دراسة جذور هذا الرفض في الإسلام والعقل الإسلامي ، وفي العروبة والعقل العربي ، وفي التاريخ العربي والإسلامي ، وفي الثقافة العربية و الإسلامية ، وفي الحضارة العربية – الإسلامية ، وقد ساهمت في هذه الجهود مؤسسات عالمية لها مكانتها ، وتحاول أن تظهر بمظهر المحايد الموضوعي ، وهنا أذكر أيضا بمواقف بعض الدول العربية التي غيرت مناهجها التعليمية وخاصة في مادة التاريخ ومادة الجغرافية ومادة التربية الوطنية ومادة التربية الإسلامية والعلوم الإنسانية ، وموقف سلطة أوسلو( ) التي أقدمت على تغيير ( 14 ) كتابا في مادة التربية الدينية ، وتغيير ( 22 ) كتابا في مادة اللغة العربية والعلوم الإنسانية ، وتغيير ( 18 ) كتابا في مادة العلوم الاجتماعية وخاصة في التاريخ والجغرافية والتربية الدينية والوطنية ، وبالإضافة إلى منع تداول ( 78 ) كتابا من أصل ( 121 ) كتابا مدرسيا وتغيير موادها المتعلقة بحقائق الصراع مع العدو الصهيوني ، وذلك بالإضافة إلى حرق كتب المفكر المقدسي الفلسطيني العالمي البروفيسور ادوارد سعيد صوت فلسطين في أميركا ، وهو الذي كان يقول ( إن انتمائي إلى ديني لا ينسيني أنني ابن بلدي وارضي ، وأنني ازداد حزنا كلما ازدادت أميركيتي وأصبح على مواجهة هذه الأمركة ) ، ولذلك كانت استقالته من المجلس الوطني الفلسطيني معارضة لسياسة عرفات الذي اتهمه بأنه كان يركع بسهولة لكل ما هو إسرائيلي ، وذلك حتى يكون أسلوب تنشئة الأطفال والشباب العربي يتفق مع الأسلوب الذي تريده إسرائيل وأمريكا ، لأن التطبيع الثقافي والى جانب انه هدف استراتيجي اسرائيلى فهو هدف استراتيجي أميركي ، وجوهره الملائمة بين تدعيم وجود إسرائيل وتعزيز الوجود والنفوذ الأمريكي في هذه المنطقة الغنية بالنفط والذي هو أهم عناصر الاقتصاد العالمي ،

وقد أكد ذلك جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي السابق الذي قال ( أننا في حلف واضح وغير قابل للفصم مع إسرائيل ) ، وقانون الدفاع الأمريكي الذي صدر في عام 1958 ( والذي اعتبر الشرق الأوسط جزء لا يتجزأ من الأمن الأميركي ( وقد مرت عملية التطبيع وفي كل مجالاتها المختلفة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والثقافية بمراحل عديدة استغرقت سنوات طويلة ، ويمكن القول أن عملية الانتقال عمليا إلى تنفيذ عملية التطبيع قد بدأت بعد حرب النكبة في أيار 1948 ، ولكنها أخذت شكلها الأوضح ومحتواها الأعمق بعد حرب النكسة في حزيران 1967 ، وقد تركزت خطوات تلك العملية في الأراضي المحتلة في القدس والضفة وغزة والجولان ومزارع شبعا وسيناء وذلك في استثمارها سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا ، وفي سياسة الجسور المفتوحة مع الأردن ومصر ، وفتح قناة السويس للملاحة ، وعودة أهالي مدن قناة السويس إلى بورسعيد والسويس والإسماعيلية ، لكن الخطوة الأكبر والأكثر أهمية في عملية التطبيع تحققت بعد زيارة السادات إلى القدس المحتلة في 19 تشرين الثاني 1977 والاهتمام بإخراجها مسرحيا على الشكل الذي ظهرت فيه على أنها وليدة فكرة عبقرية خطرت في ذهن السادات فجأة وبدون مقدمات ، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد في 17 أيلول 1978 ، وتوقيع معاهدة الصلح مع إسرائيل في 26 آذار 1979 ، وموافقة مجلس الشعب المصري على إلغاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل بناء على طلب السادات في 5 شباط 1980 ، لأن ذلك كان أول تطبيع علني ورسمي ومعلن ، ولأنه كان التطبيع الأخطر لأنه اخرج مصر بكل ثقلها البشري والحضاري والاقتصادي والعسكري العربي والإقليمي والدولي من معادلة الصراع العربي – الصهيوني والمخططات الصهيونية والامبريالية إلى الجانب الآخر ، ولأنه أيضا فتح المجال أمام التطبيع الفلسطيني – الإسرائيلي برعاية ومساهمة الولايات المتحدة الأمريكية المكشوفة التي بدأت بشكلها الرسمي العلني في مؤتمر مدريد ، وبشكلها السري في قناة أوسلو السرية التي انتهت بتوقيع اتفاق غزة – أريحا أولا ،

وبعد ذلك جاءت الخطوة الأكثر خطورة وهي اشتراك جيوش بعض الدول العربية في العدوان الامبريالي الأطلسي على العراق في 17 كانون الثاني 1991 وهو العدوان الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية واشتركت فيه جيوش أكثر من ثلاثين دولة وبمساهمة ومباركة علنية رسمية من عدد من الدول العربية التي قاتلت جيوشها التي تجمعت في حفر الباطن إلى جانب المعتدين على العراق ومنها إسرائيل ، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني ، وهو أمر بالغ الخطورة والدلالة على كل المستويات الوطنية والقومية والإنسانية والأخلاقية ، وخاصة على مستوى حركة التحرير الوطني والقومي العربية وما تعنيه من قضايا أيديولوجية وقومية ونضالية ومستقبلية ، وما تتركه من آثار فكرية ونفسية على واقع ومستقبل حركة التحرير الوطني والقومي العربية ، وفي بروز نزعات التشاؤم الممزوج باليأس والإحباط ، إلى أن وصل الأمر إلى توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993 ، وإعلان مجلس التعاون الخليجي رفع الحظر والمقاطعة الاقتصادية عن الكيان الصهيوني في عام 1994 ، وتوقيع اتفاقية وادي عربة في عام 1996 ، واحتلال العراق وسقوط بغداد في 9 نيسان 2003 ، وحرب الوعد الصادق في لبنان في عام 2006 ، وحصار غزة ، وحضور 16 دولة عربية اجتماع أنا بوليس في 27 تشرين الثاني 2007 ، وحرب الفرقان ( الرصاص المصبوب ) في عام 2008- 2009 ، واغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في الإمارات العربية المتحدة ، وتزوير جوازات عدد من الدول الأوروبية وكندا واستراليا ، والقرصنة الصهيونية ضد أسطول الحرية في المياه الدولية وقتل ( 9 ) أشخاص من الناشطين الأتراك المدنيين المتضامنين مع غزة المحاصرة وجرح العشرات ، لكن وكما قلنا في بداية هذه الدراسة لا بد من الإشارة إلى دور سلطة منظمة التحرير الفلسطينية في الغزو الثقافي الداخلي ، وفي فتح كل الأبواب أمام الغزو الثقافي الصهيوني والامبريالي ، ومن مظاهر ذلك ما يرجع إلى تركيبة وطبيعة هذه السلطة ، وهي سلطة ليس لها منطق ، إذا انهزمت تفرض ثقافة الانتصار ، وإذا انتصر الشعب تفرض ثقافة الهزيمة والحصار ، ولكن من الحق ان يقال ان هذه السلطة المتسلطة وجدت في بعض المثقفين المزيفين أداة طيعة تعاونت العناية الخفية في المخابرات والاستخبارات العربية والصهيونية والغربية ، والسنوات الطويلة من التجارب على صياغتهم وفقا لبرنامج هذه السلطة ،

وقد عززت تبعية هؤلاء المثقفين المزيفين للفكر الغربي والصهيوني وطروحاته غربتهم عن أنفسهم وعن مجتمعهم وعن ثقافتهم وعن حضارتهم حتى وقفوا في خندق الأعداء بدوافع ذاتية ضيقة أو دوافع حزبية مغلقة أو لتحقيق مكاسب مادية أو جاهات جماهيرية ، فانحرفوا إلى هاوية الازدواجية والتقلب في المواقف والخيارات ، ومن الحق ان يقال ان هذه السلطة كانت بارعة في خلق الحركات الجماهيرية التي لا جدوى لأية حركة تحرير بدونها ، ومن الحق ان يقال ان هذه السلطة كانت تتقن فن الدعاية للجماهير ، ومن الحق ان يقال ان هذه السلطة كانت بارعة في نشر ستارا واقعيا من الأكاذيب والاتهامات ضد أي شخص يشكل خطرا عليها ، وقد كانت تواصل عملها هذا إلى اللحظة التي تنهار فيها أعصاب هذا الشخص ، ولا شك ان هذا الأسلوب يرتكز على حسابات مدروسة للضعف الإنساني ، وتؤدي نتائجها إلى النجاح بشيء من اليقين الرياضي ، ومن الحق أن يقال أن هذه السلطة استطاعت ان تخلق بالتعاون مع الامبريالية الأميركية والدول الأوروبية المانحة والكيان الصهيوني مجتمعا سياسيا يرتبط عضويا بالولايات المتحدة الأميركية والدول المانحة والكيان الصهيوني ، ولذلك كان هذا المجتمع السياسي يرى انه لا يجب ان يبقى لنفسه ولكن كدعامة وصقالة خشب تعبر عن طريقها هذه السلطة المتسلطة إلى مستوى الواجبات السامية ، ولذلك كانت هذه السلطة مثل من أعظم الأمثلة على السلطة المطلقة والتي لا حدود لها للشخصية والكذب والمناورة في حياة التاريخ ، وفي ذلك قال الدكتور عبد الستار قاسم( ) أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح ( يتمتع ياسر عرفات بقدرة كبيرة على المناورة والمراوغة والخداع ، انه بارع في الالتفاف والتمويه والتعمية وزرع الشكوك والظنون والتملص والانفلات ، لقد قضى أغلب وقته فيما يسميه التكتيك ، أي البحث عن الوسائل والأسباب والآليات التي تخرجه من المآزق إلى بر الأمان ، أو جر الآخرين إلى مآزق يصعب عليهم الانفلات منها سالمين ، انه مناور قد يستطيع تسيير أموره من يوم إلى يوم بالكثير من السلامة ، وهو في قدرته هذه يعتمد على أنماط بارزة منها ، الاستعداد المستمر لعدم قول الصدق بطريقة يصعب معها تكذيبه ، انه ماهر في مراوغة الحقيقة والالتفاف عليها ، وماهر في تجنب الصدق أو ذكر الحقائق كما هي ، وعدم قول الصدق عبارة عن عادة بالنسبة له إلى درجة انه أصبح ثابتا حياتيا أو حقيقة يعبر عن فلسفة في العمل ،

وقول الحقيقة عبارة عن كشف للأوراق مما يعني الهبوط إلى موقف ضعيف بالنسبة له ، هذا نمط يجب استعماله ضد الأصدقاء والأعداء على حد سواء ، ولكنه استعمله ضد الشعب الفلسطيني أكثر من أية جهة أخرى بسبب وجود الإمكانيات الاستخبارية لدى الآخرين ، ومن السهل أن يكتشفوا الأمور ) وذلك إلى جانب توريط المتعاونين في إدارة السلطة ، واستعمال سلاح المال والإعلام والأسلوب الفهلوي في القيادة وغياب التخطيط الاستراتيجي ، والقضاء السريع على أية قيادات يمكن أن تكون قيادات بديلة في خارج فتح آو في داخل فتح ، ولذلك كانت حرية الاختيار الأيديولوجي أمام تحديات سياسة السلطة المتسلطة والتحديات الصهيونية والامبريالية المعقدة والمتداخلة ليست اختيارات إيديولوجية قيمية بقدر ما هي تبرير لمصالح فئوية خاصة وإنتاج استهلاكي وربح إنتاجي ، ولذلك نجد هذه الأيديولوجيات تنقلب رأسا على عقب وتتلون بكل ألوان الطيف ، وتتكيف وفقا لعوامل الزمن والظروف وطبقا لهذه المصالح وهذا الانتفاع وهذا الربح ، كما نرى أنها تتحول إلى شعارات ترمز إلى تاريخ أكثر مما ترمز إلى واقع ، والتاريخ فعل غائبين لا شاهد منهم ولا شاهد عليهم ، ولذلك يسهل فيه التزوير في الفكرة والتزوير في التعبير عن الفكرة ، ومن لم يشهد تاريخ هذه الفصائل أرجو أن يقرأ حاضر هذه الفصائل ، وهذا ما يفسر التناقض في مواقف وتصريحات الفصائل الفلسطينية ، لدرجة أننا نجد تصريحا في الصباح يتناقض مع تصريحا في المساء ، وموقفا في الصباح يتناقض مع موقفا في المساء ، وهذا لا يدخل في إطار الكذب أو النسيان كما قال الدكتور عبد الستار قاسم فحسب وإنما يدخل في إطار غياب القيادة التاريخية ، والخطة الإستراتيجية ، والتعبئة التصاعدية ، والفعل التصاعدي ، والمصلحة التي تتطلب هذا التلون من الكذب والمراوغة والتقلب في المواقف وخاصة في الحالة الفلسطينية حيث لا يمكن فصل السياسة الخارجية عن السياسة الداخلية ، لأن الظواهر والأحداث التي تحدث في احد المجالين تحدث ردود أفعال متوالية في المجال الآخر ، وبذلك يكون توفر أو عدم توفر الموارد الاقتصادية والاجتماعية ، وطبيعة النظام السياسي وخصائص القيادة السياسية وتوزيع الموارد الاقتصادية والاجتماعية وعدم اليقين في السياسة الخارجية عناصر أساسية في شكل سياسة السلطة الفلسطينية ومسار هذه السياسة ، لأنها تؤثر بشكل مباشر في توزيع الموارد الاقتصادية والاجتماعية والمساعدات الأوروبية التي لا يمكن للسلطة أن تستمر بدونها ، والمال السياسي الذي يصل إلى حد دفع رواتب الموظفين ومصاريف تشغيل الوزارات ، وكذلك الحال بالنسبة إلى الوحدة الوطنية فالأمر في الحالة الفلسطينية يختلف نظرا للاعتماد على الخارج في الدعم المالي والمساعدات ، وعلى إسرائيل في المعابر ، وهذا يشير بوضوح إلى دور الخارج في الاقتتال الداخلي والحصار ، ولكن هذا لا ينفي أن الدور الحاسم في هذا الاقتتال وهذا الحصار كان من صنع العقل الفلسطيني ، لأن العدو في السياسة الداخلية عدو داخلي بالدرجة الأولى ، وهو بالتحديد فئات الشعب في مواجهة بعضها البعض خاصة وان بعض السياسيين الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية لجئوا في محاولة إلى التغلب على مشكلاتهم الداخلية بتحويلها إلى مشكلات خارجية ، وهكذا نرى أن السلطة والفصائل التي تعيش على المال السياسي الأوروبي ، ولا يوجد مال لله أو خارج اللعبة السياسية ، قد عبدوا الطريق أمام الغزو الثقافي الصهيوني والامبريالي الذي تسلل إلى عقل المجتمع الفلسطيني وبطنه ،

ولكن وهنا لا بد من الإشارة إلى مسؤولية المجتمع الفلسطيني في هذا الغزو ، وخاصة أن الضمير الفلسطيني لم يستجيب استجابة ايجابية في مواجهة هذا التحدي منذ أن بدأت دوافع الانحراف تتشكل في الفكر والفعل في المقاومة والسياسة والمال والإدارة الفلسطينية في نهاية الستينات ، ومن لم يشهد فساد هذه السلطة أرجو أن يقرأ حاضر السلطة وحاضر القضية الفلسطينية ، ولذلك الكل مسؤول عن الغزو الثقافي الصهيوني سلطة وفصائل ومعارضة ومثقفين ومجتمع ، بدافع الحاجة أو بدافع الرفاهية وبوعي أو بدون وعي ، ولكن بدرجات مختلفة ، السلطة لأنها فتحت كل الأبواب أمام الغزو الثقافي الصهيوني والامبريالي بالفعل أو بالامتناع عن الفعل ، بالفعل لأنها بدأت سلسلة التنازلات اعتبارا من أيلول 1970 بالخروج من الأردن ومرورا بالموافقة على البرنامج المرحلي في عام 1974 والاعتراف بالقرار 242 والخروج من لبنان في عام 1982 والخروج من طرابلس في عام 1983 وإعلان ما يسمى وثيقة الاستقلال في الجزائر في عام 1988 ومؤتمر مدريد في 30 تشرين أول 1991 ومفاوضات واشنطن في 3 تشرين الثاني 1991 ومؤتمر باريس حول التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط في 29 – 30 تشرين أول والمفاوضات المتعددة الأطراف في أوتاوا حول مسألة اللاجئين ورفض إسرائيل المشاركة بسبب وجود احد أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني ضمن الوفد الفلسطيني في 11 – 12 تشرين الثاني 1992، وقناة أوسلو السرية في 20 كانون الثاني 1992 ، وعرض عرفات على ( الشعب الإسرائيلي ) إقامة ما يسمى ( سلام الشجعان ) في 21 كانون الثاني 1993 وتوقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بالأحرف الأولى في أوسلو في 19 – 20 آب 1993، وتفويض اللجنة المركزية لحركة فتح لعرفات التوقيع على اتفاقية أوسلو في 4 أيلول 1993 ، وتبادل وثائق الاعتراف بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 9 أيلول 1993، على الرغم من مقاطعة الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية ومعارضة فاروق القدومي ( أبو اللطف ) رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فإن الجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المجتمعة في تونس تبنت النص الذي قدمه عرفات ، وتوقيع إسحاق رابين وعرفات كل على حده رسائل الاعتراف بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، وبموجب هذه النصوص تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في العيش بسلام وطمأنينة ، وتعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، وقد صادقت اللجنة التنفيذية للمنظمة على إعلان المبادئ ، وتوقيع عرفات ورابيين على إعلان المبادئ في واشنطن في 13 أيلول 1993 ، وتوقيع عرفات وشمعون بيرس على اتفاق إعلان المبادئ حول الحكم الذاتي في غزة – أريحا في القاهرة في شباط 1994 ، وقد نص الاتفاق على إشراف إسرائيل على نقاط المرور بين أريحا والأردن وبين غزة ومصر ، وعلى وضع امن المستوطنات اليهودية في غزة في عهدة الجيش الإسرائيلي

، وبقيت مسألة مساحة أريحا بدون حل ، وتوقيع عرفات وشمعون بيرس على وثيقة الاتفاق حول إدارة الحكم الذاتي في الأراضي المحتلة ( غزة – أريحا ) في 4 أيلول 1994 وقد ابدي عرفات تحفظات حول مساحة أريحا ، وتسلم وتسليم السلطة بين الجيش الإسرائيلي وممثلي السلطة التنفيذية الجديدة في غزة – أريحا وعرفات يغادر تونس إلى غزة في تموز 1994 ، ومنح جائزة نوبل إلى عرفات ورابين وبيرس في 14 تشرين الثاني 1994 ، واتفاق عرفات ورابين على النقاط الرئيسية في مشروع اتفاق مؤقت حول مبادئ الحكم الذاتي في الضفة الغربية في 6 تموز 1995 وخاصة في موضوع انتخاب مجلس وطني وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية ، وتسليم السلطات المدنية إلى السلطة الفلسطينية ، والإفراج تدريجيا عن المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل ، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من نابلس وبيت لحم وقلقيلية وطول كرم ورام الله تنفيذا لاتفاقيات طابا في 11 كانون أول 1995 ، وانتخاب 88 عضوا لمجلس الحكم الذاتي الفلسطيني حيث أحرزت فتح غالبية المقاعد ( 65 ) مقعدا وفاز عرفات ضد منافسته الوحيدة سميحه خليل وأصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية في 29 كانون الثاني 1996 ، وقد أدت هذه التنازلات إلى فتح الباب أمام الغزو الثقافي الصهيوني رغم استمرار إسرائيل في سياسة الاستيطان والإبعاد ، والإبعاد سياسة قائمة في طبيعة الكيان الصهيوني الذي ينطلق من مقولة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ومن لا يذكر أبعاد مطران القدس هلاريون كابوتشي ومرج الزهور وكنيسة بيت لحم ونواب القدس ، والاغتيالات أيضا سياسة قائمة في طبيعة الكيان الصهيوني ومن لا يذكر اغتيال اللورد موين في القاهرة واغتيال غسان كنفاني وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت ،وماجد شرار في روما وعباس الموسوي الأمين العام لحزب الله في بيروت وفتحي ألشقاقي في مالطة والمهندس يحي عياش والشيخ احمد ياسين والدكتور عبد لعزيز الرنتيسي والمهندس إسماعيل أبو شنب والدكتور المتقادمة في غزة وأبو جهاد في تونس وأبو على مصطفى في رام الله وجهاد جبريل في بيروت وعماد مغنية في دمشق ومحمود المبحوح في دبي وعز الدين قلق والهمشري ووائل زعيتر وغيرهم من قيادات الشعب الفلسطيني واللبناني ، والحصار وسحب الهويات وتهويد القدس ، وارتكاب المجازر في الحرم القدسي والحرم الإبراهيمي وجنين ونابلس وقانا وغزة ، والحروب أيضا سياسة قائمة في طبيعة الكيان الصهيوني ،

ومن لا يذكر حرب أيار 1948 وسياسة التطهير العرقي والتهجير ألقسري ومجزرة دير ياسين وغيرها من المجازر ، والعدوان الثلاثي وحرب حزيران ومعركة الكرامة وعملية الليطاني ، واجتياح لبنان واحتلال بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا ، وإعادة احتلال الضفة ومجزرة جنين وحي الياسمين في البلدة القديمة في نابلس ، وعناقيد الغضب والوعد الصادق والفرقان ، ولن يتوقف الغزو العسكري الصهيوني إلا بتصفية احد الطرفين وجودا وجذورا في فلسطين ، ولن يتوقف الغزو الثقافي الصهيوني عند حدود فلسطين ولكنه تجاوز حدود فلسطين إلى الدول العربية التي كشفت وجهها وخرجت من ترددها وفتحت مكاتب ارتباط ومكاتب رعاية مصالح وسفارات في تل – أبيب ، وسفارات ومكاتب ارتباط ومكاتب رعاية مصالح إسرائيلية في القاهرة وعمان وتونس والرباط والدوحة ومسقط والمنامة ونواكشوط ، ( وهنا لا بد من الإشارة إلى الموقف الرسمي الذي أعلنته وزيرة الخارجية الموريتانية السيدة الناها بنت مكناس في 20 تشرين الأول 2010 والذي أكدت فيه مجددا أن قرار قطع العلاقات الموريتانية – الإسرائيلية الذي أعلنته موريتانيا في قمة الدوحة الاستثنائية ( قمة غزة ) في 16 كانون الثاني 2009 قرار سيادي لا رجعة فيه ) وموقف قطر التي علقت الاعتراف شبه الرسمي بإسرائيل احتجاجا على حرب للفرقان على غزة ، وهذا يدل دلالة واضحة على موقف شجاع للرئيس محمد ولد عبد العزيز ووزيرة الخارجية الناها بنت مكناس وأمير قطر الأمير خليفة بن حمد آل ثاني ، وبنفس الوقت يشكل إحراجا للدول العربية التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني ، وخاصة الأردن الذي عقد اتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني في 26 تشرين الثاني 1994 ، ومصر التي وقعت اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني في 17 أيلول 1978 ، وعقدت المؤتمرات في طابا وشرم الشيخ والقاهرة للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومكافحة الإرهاب ( المقاومة ) ، والدول العربية التي اشتركت في مؤتمر برشلونة حول تطوير العلاقات الاقتصادية بين دول أوروبا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط في 27- 28 تشرين الأول 1995 بحضور 15 وزير خارجية أوروبية ونظرائهم في 11 بلدا متوسطيا إضافة إلى السلطة الفلسطينية ، وسلطنة عمان التي استقبلت شمعون بيرس علنا لأول مرة في مسقط في الأول من نيسان 1996 ،

ولم يتوقف الغزو الثقافي عند حدود الدول العربية ولكنه تجاوزها إلى ارويا ، ولكن وكما قال الشاعر عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
ولكن هذه الدول العربية التي أدمنت الهزيمة وأدمنت الخيانة ، ومات فيها الإحساس ، وتشوهت فيها العواطف ، كيف تحرج وهي لا تملك أن تحرج ، وكيف تحرج وهي لا تريد أن تحرج ، وحتى لو أرادت أن تحرج لا تستطيع أن تحرج ، وكيف تحرج واليونان واسبانيا اعترفت بإسرائيل بعد كامب ديفيد واعتراف مصر بإسرائيل ، وعندما سأل رئيس وزراء اسبانيا قال : لماذا لا نعترف بإسرائيل إذا كانت مصر اكبر دولة عربية اعترفت بإسرائيل ، وكيف تحرج والفاتيكان اعترف بإسرائيل في 29 كانون أول 1993 أي بعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، وكيف تحرج وكوبا قطعت علاقاتها مع إسرائيل في حرب 1973 ، وفنزويلا قطعت علاقتها مع إسرائيل احتجاجا على جرائم إسرائيل في حرب الفرقان في غزة ، وبوليفيا قطعت علاقاتها مع إسرائيل احتجاجا على جرائم إسرائيل في حرب الفرقان في غزة ، وكيف تحرج وهي لم تقطع علاقاتها بإسرائيل ولكنها قاطعت مؤتمر الدوحة ( مؤتمر غزة ) وكيف تحرج ، وهل في فكر وفعل طيب رجب اردوغان في دايفوس ، وفكر وفعل جورج غالاوي قائد قافلة شريان الحياة ، وفعل وفكر أسطول الحرية ، وفكر وفعل مؤسسة الإغاثة التركية ، وفعل وفكر هوغو شافيز ولول دي سيلفا واحمدي نجاد ما يحرج حكاما يحكمون أوطانا لا يملكون فيها حتى أجسادهم ، ولم يقف الغزو الثقافي عند حدود أوروبا ولكنه تجاوز حدود أوروبا إلى أفريقيا وعادت إسرائيل إلى أفريقيا في زمن كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة بعد أن كانت قد طردت منها في زمن جمال عبد الناصر وكوامي نكروما واحمد سيكوتوري وباتريس لومومبا وجومو كينياتا وموديبو كيتا ومؤتمر باندونغ ومؤتمر بريوني وحركة عدم الانجياز والحياد الايجابي والمقاومة الفلسطينية ، وها هي اسرائيل الان تلعب في جنوب السودان لضرب وحدة السودان ، وتقف على منابع النيل في بحيرة فيكتوريا في هضبة البحيرات وفي بحيرة طانا في هضبة الحبشة وفي جنوب السودان ، والهدف هو تهديد أمن مصر المائي ، ولم يقف الغزو الثقافي الصهيوني عند حدود أفريقيا ولكنه تجاوز حدود أفريقيا وعبر المحيط الأطلسي إلى الولايات المتحدة الأميركية العدو التقليدي للقضية الفلسطينية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ، والولايات المتحدة التي كانت تستخدم الفيتو بدون سبب أصبحت الان تستخدم الفيتو بسبب ،

وقد قالت مادلين اولبرت مندوبة أميركا في مجلس الأمن السابقة ووزيرة خارجية أميركا السابقة في الفترة الثانية من رئاسة الرئيس بيل كلينتون في تبرير استخدامها الفيتو أن الاستيطان موضوع مؤجل إلى المرحلة النهائية من المفاوضات طبقا لاتفاقية أوسلو ، ولذلك لا يجب استباق المفاوضات وطرحه قبل مفاوضات المرحلة النهائية ، وقد سار عرفات للأسف في نفس الاتجاه عندما استخدمت الولايات المتحدة الأميركية الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الدولي الذي يطالب اسرائيل بإلغاء مصادرة الأراضي الفلسطينية في محيط القدس الشرقية في 17 أيار 1995 ، وطلب من النواب الفلسطينيين في الكنيست الصهيوني سحب اقتراح حجب الثقة عن الحكومة الإسرائيلية ، لأن من شأن ذلك إسقاط حكومة رابين شريكه في سلام الشجعان المزعوم كما يدعي في حال تأييد اليمين المتطرف لهذا الاقتراح( ) ، ويدعو المجلس الوطني الفلسطيني إلى تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني وشطب البنود التي تدعوا إلى تدمير اسرائيل في 24 نيسان 1996 ، وإسرائيل ترد وتغلق ثلاث مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس الشرقية في 23 تموز 1996 وتفتح نفقا اثريا قرب المسجد الأقصى في 24 أيلول 1996 ، ونتياهو يقترح منح الفلسطينيين وضعا مماثلا لبورتريكو أي كيان بلا سيادة في 8 تشرين الثاني 1996 ، ويلغي تصاريح الإقامة لحوالي 600 مواطن مقدسي في محاولة لتقليص عدد الفلسطينيين في القدس في 30 كانون الثاني 1997 ويقرر بناء مستوطنة جديدة في جبل أبو غنيم ( حي هار حوما بالعبرية ) في الأول من آذار 1997 وسط انتقادات عربية ودولية ، ويشمل المشروع بناء 6500 مسكن يضم 30 ألف مستوطن بحيث يصبح عدد اليهود في القدس الشرقية 250 ألف يهودي مقابل 120 ألف فلسطيني معرضون للهجرة بسبب المضايقات الخانقة ، ومجلس الشيوخ الأميركي يتبنى قرارا غير ملزم يعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ويوافق على تخصيص 100 مليون دولار لعملية نقل السفارة الأميركية من تل – أبيب إلى القدس ، و ذلك لا يستدعي الاستغراب وأن كان يستدعي الأسف ، ولا يجب أن يستدعي الاستغراب وأن كان يجب أن يستدعي الأسف ، لأن المعادل الطبيعي للاستجداء هو الاستقواء ، ولأن تجاوز كل حدود الضعف لا يصنع سلام عادل ، ولأنه لا يمكن تحقيق التعادل في اللاتعادل ، ولأنه لا يمكن الحصول على المادة الحية من غير الحية ، وقد كانت هذه السلطة غير حية ، لأن أي سلطة تفرط في أرضها سلطة غير حية ، وأي سلطة تغلب مصالحها الفئوية على مصلحة شعبها سلطة غير حية ، وأي سلطة لا ينفذ بصرها إلى مقتضيات العصر والى كل ما هو جاهز للتطور سلطة غير حية ، وأي سلطة لا ينفذ بصرها إلى الخطوة اللازمة واللاحقة بصورة مباشرة سلطة غير حية ، وأي سلطة لا يتزاوج فيها السياسي والنظري سلطة غير حية ، لأن الرجال العظام الذي قدر لهم أن يصنعوا التاريخ كانوا مزيجا من السياسي العملي والمفكر ، وأي سلطة لا تتجاوز حدود الوعي الأناني والوعي الحزبي سلطة غير حية ،

ولذلك كانت السلطة الفلسطينية سلطة غير حية ولا يجوز أن نطلق عليها اسم قيادة تاريخية لأن في ذلك اغتصاب للتاريخ ، والأمر من قبل ومن بعد في تفسير هذا الاحتضان الجماهيري لها يرجع إلى أن الشعب الفلسطيني كان مستعدا للركض خلف كل من يحمل الراية ويطلق الرصاصة وبدون التفكير في فكر وفعل من يحمل الراية ويطلق الرصاصة ، والى أن هذه السلطة كانت تشتق أهدافها وإعمالها من السير الطبيعي الهادي الذي تقره الأنظمة العربية الرجعية ، والى سيطرة هذه السلطة على المال والإعلام والعسكر ، والى المثقفين المزيفين الذين لعبوا دورا خطيرا في فصل هذه السلطة ورموزها ومكاسبها وامتيازاتها عن محيطها الاجتماعي بالترميز والتقديس ، ولذلك نراها بعد توقيع اتفاقية أوسلو تنقل الصراع من إطاره العسكري والجماهيري مع العدو الصهيوني إلى المجالات الثقافية ، وفرض الحصار على ثقافة المقاومة ، واستبدالها بثقافة التسوية التي تقوم على السيطرة على وسائل الإعلام وإقامة الندوات والمؤتمرات والمراكز والمعاهد الفنية ، وتوسيع دائرة العلاقات مع الجامعات ومراكز الأبحاث الصهيونية ، وتنظيم التجمعات والرابطات الصهيونية – الفلسطينية ، وتنمية السياحة إلى اسرائيل بالشكل الذي يحقق للزائرين التعرف على الثقافة والآداب الصهيونية ، وتنظيم الرحلات ومعسكرات الشباب وتطبيع العلاقات الثقافية ، وتشكيل الدوريات المشتركة والتنسيق الأمني الفلسطيني – الصهيوني ، واستخدام مصطلحات جديدة لا تجسد صلة جوهرية بين الكلمة ومعناها مثل مصطلح الشريك والآخر ، والارتباط بالسوق الإسرائيلية استهلاكيا ، واستخدام العملة الصهيونية ، والتجارة عبر المعابر والمواني الصهيونية ، وارتباط شركة الهاتف والبريد والكهرباء وجوال والانترنت بالشركات الصهيونية ، والاعتماد على الكيان الصهيوني في إصدار الهويات وشهادات النفوس وجوازات السفر ، وذلك بالإضافة إلى الاعتماد على السوق الصهيونية في تشغيل العمال الفلسطينيين ، وعلى المستشفيات الصهيونية في علاج المرضى الفلسطينيين ، واستخدام اللغة العبرية والأغاني العبرية ، وتدريب وتسليح الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، كل هذا يحدث بموافقة السلطة ومباركتها في عصر الإعلام الذي لم يعد إعلام ينقل خبر ولكنه أعلام يصنع خبر ، ويجتاز كل الحدود والسدود والقيود والعوائق والفواصل ، ويدخل البيوت ويقتحم أشد خصوصيات الإنسان ، ويتدخل في تكوين ثقافته ومزاجه العام وقناعاته وميوله في عملية غزو ثقافي شامل تؤدي إلى غسل الدماغ الجماعي من اجل إحلال قناعات جديدة في هذا الدماغ بدل القناعات السابقة ، وهكذا يكون الإعلام سلاح إرهاب وأداة تلويث للعقل وتسميم للأفكار وعدم ثقة بالقيم والمبادئ التي نشأ عليها الإنسان ودرج حتى تسهل مهاجمته وتدميره من الداخل والسيطرة الكاملة عليه ، وإقامة حاجز بينه وبين مثله وأخلاقه وأعمدة مجتمعه التي يرتكز عليها ، وقد استطاعت الكلمة في عصر الانترنت أن تمكن الإنسان من اختراق حاجز الزمان ، كما استطاعت الصورة أن تمكن الإنسان من اختراق حاجز المكان ،

وهكذا يمكن أن تكون الكلمة سلاح والصورة سلاح يستخدم في إجبار الآخرين على تقديم تنازلات ما كان من الممكن تقديمها لولا تلك الكلمات المسجلة أو الصور الذي يمكن أن تؤدي إلى تحويل مجموعة من الناس إلى أداة طيعة ومسلوبة الإرادة ومنصاعة في قناعاتها ومواقفها للقوى التي تملك وسائل الكلمة والصورة المنقولة عبر الإعلام ، والمشكلة ليست في الإعلام ولكن في التطبيق وعيوب الإنسان ، ولم يتوقف الغزو الثقافي الداخلي عند حدود الإعلام ولكنه تجاوز الإعلام إلى منظمة التحرير وحركة فتح والفصائل الفلسطينية ، وتحولت منظمة التحرير إلى واقي صدمات للسلطة ، وتحولت حركة فتح إلى واقي صدمات للسلطة ، وتحولت الفصائل إلى توابع تسير في مدار السلطة لأنها تتغذى على مال السلطة الذي يأتي من الدول المانحة ، ولكن لا يوجد مال لله أو مال خارج المصالح السياسية ، وهكذا فقدت منظمة التحرير وحركة فتح والفصائل دورها ، لأن دور أي حركة أو منظمة أو حزب هو التثقيف ، ولا قيمة معرفية لأي منظمة أو حزب أو فصيل إذا لم يكن أداة تثقيف وتحضر ، كما انه لا قيمة معرفية للثقافة إذا لم تكن أداة تغيير ، ولم يتوقف الغزو الثقافي الداخلي عند حدود المنظمة وحركة فتح والفصائل ولكنه تجاوز المنظمة وحركة فتح والفصائل إلى المجتمع ، والحرب مع العدو الصهيوني لم تعد حرب جيوش وإنما حرب مجتمعية ، وأقوى دليل على ذلك هروب اسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000 أمام مقاومة حزب الله والشعب اللبناني ، وهروب اسرائيل من غزة في عام 2005 أمام مقاومة حماس والفصائل والشعب الفلسطيني ، وانتصار حزب الله والشعب اللبناني في عام 2006 في حرب الوعد الصادق ، وانتصار حماس والشعب الفلسطيني في عام 2008 – 2009 في حرب الفرقان ، رغم اختلال موازين القوى بما لا يقاس ، ولذلك كان المجتمع الفلسطيني هو الهدف الأول للغزو الثقافي الداخلي والخارجي ، لأن انتصار برنامج المقاومة يعني هزيمة برنامج المساومة ، وهزيمة برنامج المساومة يعني هزيمة السلطة ، ولذلك كانت العلاقة بين المجتمع والسلطة علاقة عكسية ، وهذا يعني أن ما يزيد في المجتمع ينقص في السلطة ، وان ما يزيد في السلطة ينقص في المجتمع ، والسلطة مصلحة إسرائيلية

، ولذلك تقاطعت المصالح بين السلطة وإسرائيل في ضرب وحدة المجتمع الفلسطيني ، وتحويله إلى مجتمع استهلاكي ، وتعميق الوعي العشائري والفصائلي على حساب الوعي الوطني ، وتخريب العلاقة بين المواطن وسياقه المؤسساتي ، وتشجيع روح التخريب والثقافة الاستهلاكية على حساب صياغة ثقافة إعلامية إنتاجية تبني حركية اجتماعية ثقافية اقتصادية متوازنة ذاتيا وموضوعيا ، أحيانا بوعي وأحيانا بغير وعي ، والمجتمع اللبناني مثل حي لهذا الغزو الثقافي والسؤال لماذا لبنان ، لبنان اضعف بلد عربي سياسيا وعسكريا واقتصاديا ، واصغر بلد عربي جغرافيا وديموغرافيا ، ولكن اسرائيل والغرب الامبريالي يدرك ومن خلال نظرة موضوعية تتطابق معرفيا مع الواقع ان لبنان اصغر بلد عربي اكبر بلد عربي وان شعب لبنان اصغر شعب عربي اكبر شعب عربي بوحدة المقاومة والشعب ، ولذلك يجب ضرب وحدة المقاومة والشعب ، وقد حاولت اسرائيل وسوف تستمر في المحاولة في ضرب وحدة المقاومة والشعب في لبنان ، وهذا ما حاولت اسرائيل والغرب الامبريالي والرجعية العربية ان تفعله في غزة وسوف تستمر في المحاولة ، ولم يتوقف الغزو الثقافي الداخلي والخارجي عند حدود المجتمع ولكنه تجاوزه إلى حدود الإنسان لأن السلطة والكيان الصهيوني والدول الامبريالية المانحة كانوا يعرفون انه إذا أصبحت نسبة كبيرة من المواطنين موظفين حكوميين أو منتفعين فإن حرية الصحافة والديمقراطية والأحزاب والمعارضة لا يستطيعون أن يقاوموا الاحتلال إلا بالاسم فقط ، ولا يستطيعوا أن يحافظوا على حرية الوطن واستقلاله إلا بالاسم فقط ، ولم يتوقف الغزو الثقافي الداخلي والخارجي عند حد الموظفين ولكنه تجاوزه إلى الخزان البشري النضالي الفلسطيني في داخل الخط الأخضر ، وقد كان البعض في السلطة ولا يزال يتعامل معهم وكأنهم جالية وليس جزء من الشعب الفلسطيني ،

وقد أدى ذلك إلى حصر مكانتهم وحجمهم ودورهم في أضيق نطاق وهو النضال من خلال الحزب الشيوعي الإسرائيلي ( ومن هنا ظهرت مقولة إذا حكم راكاح سوف نلقي السلاح ) أو من خلال العمل الانتخابي من داخل الأحزاب الصهيونية أو من خلال مجموعات الأرض وهي ظاهرة جديدة ، ورغم أن العمل من خلال هذه المؤسسات الصهيونية وخاصة الحزب الشيوعي والأحزاب الصهيونية الأخرى ليس إلا معارضة من خلال المؤسسة الصهيونية إلا أن السلطة شجعت الفلسطينيين على ذلك ، وقد حقق هذا الشكل من المعارضة لإسرائيل الشكل الديمقراطي اللازم لتجميل وجه الصهيونية العنصرية القبيح عالميا ، وذلك بالإضافة إلى العمال الذين يعملون في اسرائيل ويعتمدون في حياتهم على سوق العمل الإسرائيلية وكذلك التجار ، وقد كان الهدف من ذلك ولا يزال هو ان يفكر الإنسان الفلسطيني ببطنه وحواسه وغرائزه وليس بعقله ، وهكذا يكون الإنسان الفلسطيني فريسة سهلة للغزو الثقافي والتطبيع الثقافي الصهيوني
كيفية مواجهة الثقافة الفلسطينية للغزو الثقافي الصهيوني
من يقتل إنسان يقتل حيوان عاقل ومن يقتل الحقيقة يقتل العقل نفسه ، وهذا يعني أن الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي وهو شكل من أشكال الغزو الثقافي اخطر من الغزو العسكري ، لأن الغزو العسكري يعني احتلال الأرض والغزو الثقافي يعني احتلال العقل ، والأرض لا يمكن ان تحرر العقل ولكن العقل يمكن ان يحرر الأرض ، كما انه اخطر من اتفاقيات التسوية ، لأنه يعتبر خطوة متقدمة بالنسبة للمشروع الصهيوني ، وأقوى دليل على ذلك ان شعوب الحكومات العربية التي وقعت اتفاقيات التسوية ترفض التطبيع وخاصة التطبيع الثقافي ، لأن الوعي الشعبي العربي الذي يستمد ثقافة مقاومة الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي من الثقافة العربية – الإسلامية يثبت قوته في مقاومة الغزو الثقافي والمظاهر التطبيعية الثقافية ،

ولكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي وننتظر نتائج المعركة الدائرة بين الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي الصهيوني الامبريالي والوعي الشعبي العربي – الإسلامي ، وخاصة في فلسطين ونحن نرى تقاطع المصالح بين سلطة أوسلو والغزو الثقافي الصهيوني الامبريالي بوعي في بعض الأحيان وبدون وعي في كثير من الأحيان ، ولذلك يجب ان نقف وقفة موضوعية مع النفس وان نعترف ان هذه السلطة سلطة أوسلو شكل من أشكال الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي وأداة من أدوات الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني والغرب الامبريالي والرجعية العربية ، ونحن شعب منكوب بقيادته ، ولذلك أيضا يجب ان نفرق بين القائد وبين الممثل الذي يمثل دور القائد ، لأن من كان في موقع القرار لم يكن قائد ولكنه كان يمثل دور القائد ، والفرق بين القائد والممثل أن القائد يصنع التاريخ والممثل يمثل التاريخ ولكن وفق رؤية كاتب المسرحية وكاتب السيناريو والمخرج والمنتج الممول للعمل المسرحي ، وهذا هو الاستحقاق الأول في مواجهة الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي ، وهو قيادة عضوية ترتبط بقضايا شعبها وتتحسس همومه وتكون همتها اكبر من همها ، والاستحقاق الثاني في مواجهة الغزو والتطبيع الثقافي هو الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت راية الحقوق الوطنية الفلسطينية ، وذلك بالإضافة إلى مشروعية الوسيلة في المقاومة بلا سقف أو حدود ، والتحول من بنية الاستهلاك إلى بنية الإنتاج ، وتعميق الوعي الوطني بتربية وطنية منفتحة على التراث الوطني والقومي ، وتشييع ودفن العشائرية والجهوية والفئوية والحزبية الضيقة ، وتصحيح العلاقة بين الإنسان وسياقه الثقافي والاجتماعي والحضاري ، وصياغة ثقافة إعلامية إنتاجية تبني حركة اجتماعية وسياسية وثقافية وإعلامية متوازنة ذاتيا وموضوعيا ، وتشجيع روح التجريب والدينامية لتوليد بنية اجتماعية تكون قادرة على القيام بمهماتها الاسترتيجية والتكتيكية تحت راية الحقوق الوطنية ، والالتزام بالديمقراطية غير المباشرة وهي نظام يحتفظ فيه الشعب لنفسه بحق ممارسة السلطة في حدود ينص عليها الدستور من خلال الاستفتاء لمعرفة رأي المواطنين الذين يمتعون بحق الانتخاب في قضية معينة قبل إجازتها والبت فيها ، والاقتراح الشعبي في تشريع قانون جديد أو تعديل أو إلغاء قانون سابق ،

والاعتراض الشعبي على أي قانون صادر من المجلس التشريعي خلال فترة زمنية وعلى ان يصل عدد المعترضين إلى الحد الذي يحدده الدستور ، والحل الشعبي وهو حق الناخبين في حل المجلس التشريعي على ان يصل العدد إلى الحد الذي يحدده الدستور ، والعزل أي عزل نائب أو عدد من النواب أو رئيس السلطة قبل انتهاء مدة رئاسته على ان يصل العدد إلى الحد الذي يحدده الدستور ، والالتزام بالثقافة الأخلاقية أي تحرير الإنسان من المصلحة في النظر إلى القضايا الوطنية ، ومراجعة التاريخ السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية ، وإعادة التوازن والتعادل داخل الإنسان الفلسطيني الذي بات أنسانا حائرا ممزقا وبقدر ما يتغنى بالمبادئ بقدر ما يتنكر لها وينكرها سلوكيا ، وترتيب بيت الحركة السياسية الفلسطينية وإعادة تنظيم الهندسة الداخلية لمنظمة التحرير الفلسطينية لأنها هكذا لا شيء ولا شيء لا يلد شيء ، وترتيب بيت الحركة الوطنية الفلسطينية وإعادة تنظيم الهندسة الداخلية للفصائل الفلسطينية لأنها هكذا لا شيء ولا شيء لا يلد شيء ، وتفكيك المجتمع السياسي الفلسطيني وإعادة تركيبه في اتجاه وطني تحت راية الحقوق الوطنية ، وتفكيك المؤسسات الأهلية والنقابات والاتحادات الشعبية وإعادة تركيبها في اتجاه وطني ، وأخيرا ولأن الحرب حرب مجتمعية بالدرجة الأولى أو هكذا تريدها اسرائيل وخاصة بعد هزيمتها عسكريا أمام المقاومة والشعب اللبناني وأمام المقاومة والشعب الفلسطيني ، كان ترتيب المجتمع الفلسطيني هو الأساس الأول في معركة مواجهة الغزو الثقافي والتطبيع الثقافي الصهيوني ،

ويأتي في مقدمة هذا الترتيب تنظيف بطن المجتمع الفلسطيني من المجتمعات الذي حمل فيها سفاحا ، وهي عملية تنظيف وشفط وسحب بقايا الحمل السابق ، وخاصة مجتمع العمال الذين يعملون في سوق العمل الاسرائيلة ، والمجتمع السياسي ( مجتمع أوسلو ) الذي استطاع بمعاونة السلطة والكيان الصهيوني والدول المانحة تنمية علاقات ومصالح ترتبط بالسلطة والكيان الصهيوني والدول المانحة ، والمجتمع المدني الذي شكلته سلطة أوسلو بالتنسيق مع الكيان الصهيوني والدول المانحة لإدارة الصراع واحتوائه بين المجتمع والمجتمع السياسي ( السلطة ) بما يضمن تحقيق مصالح السلطة من خلال السيطرة المباشرة على المجتمع بواسطة أجهزة السلطة ، أو من خلال السيطرة غير المباشرة ( الإيديولوجية والثقافية ) من خلال منظمات اجتماعية غير حكومية ، أو من خلال مؤسسات مجتمع مدني نخبوي لا تزعج السلطة ، ولا تلعب أي دور ايجابي في تغيير الأوضاع القائمة ، وذلك بالإضافة إلى الحمل الكاذب ، وهو حمل يشبه الحمل الحقيقي في أعراضه وخاصة في الأعمال العسكرية التكتيكية والهمروجات الإعلامية ، ولكن ولأن هذا الحمل لم يكن بسبب أسباب عضوية بل بسبب أسباب نفسية ، ولأن هذا الحمل لم يلد الانتصار رغم طول فترة هذا الحمل التي تجاوزت كل فترات الحمل التي عرفتها كل المجتمعات في التاريخ ، ولأن المجتمع الفلسطيني كان طول فترة هذا الحمل التي تجاوزت أكثر من 45 عاما يدفع كلفة هذا الحمل ارض ودم وحصار واعتقال بالمفرق وبالجملة ، لذلك يجب على الشعب الفلسطيني أن يواجه نفسه ، وان يعترف بأن هذا الحمل كان حملا كاذبا ، لأن ثنائية الحمل والولادة ثنائية مطلقة كثنائية الولادة والموت ، وهذا يترتب على المجتمع الفلسطيني أن يقذف من بطنه هذا الحمل الكاذب ، وأن يقذف أيضا المجتمعات العمالية الطفيلية والسياسية الأوسلوية والنخبوية الأنجوزية .

المراجع
– الثقافة الشعبية موضوعا للنقد – توماس ستيرنز اليوت – مقالة
– كلاب الحراسة – بول نيزان – باريس 1939
3- دفاع عن المثقفين – جان بول سارتر – ترجمة جورج طرابيشي – منشورات دار الآداب – بيروت ص 43
4- مفاهيم مكتسبة في الفكر المعاصر – د كمال عبد اللطيف – الرباط – ص – 57
5- الشرق الأوسط الجديد – شمعون بيرس – تل – أبيب 1993
6- المصدر السابق – ص 44
– المصدر السابق – ص – 43
8- المصدر السابق – ص – 44
9- المصدر السابق – ص- 88
10- حكام برسم البيع – يوسف حجازي – 20- 2 -2006 Donia Al-Raai – email: pulpit.alwatanvoice@gmail.com
11-

نشوء وسقوط الدول العظمى – بول كيندي – مؤسسة هايمان – 1988 – مستقبل الإمبراطورية الأميركية – مقدم الحلقة احمد منصور – ضيف الحلقة – بول كيندي – تاريخ الحلقة 16/11/2003
12- الغزو الثقافي للأمة – مظاهر ومخاطر – بحث -محمد حسين عرندس – رئيس تحرير مجلة البلاد – لبنان – 1999
13- هيربرت شيللر – هيمنة الاتصالات الثقافية – 1976 – ص 503 – المصدر السابق

4 – حسن قبلاوي – الإعلام في الإستراتيجية الصهيونية – مقالة – صحيفة البعث السورية – 8/3/2003
5 – المصدر السابق

6 – الغزو الثقافي والمفاهيم المتعلقة به – مقالة – مجلة النبأ – العدد 63 – د 0 عبد الله أبو هيف – تشرين أول 2001
17 – ويسألونك عن التطبيع ثلاثون عاما من التيه – مقالة – د 0 رفعت سيد احمد – الوطن الالكترونية – 25/7/2009
18- الغزو الثقافي للأمة – مظاهر ومخاطر – محمد حسين عرندس – بحث – مجلة البلاد – بيروت 1999
19- الطريق إلى الهزيمة – نيسان 1998 – د 0 عبد الستار قاسم – ص- 152 – 153
20- اسرائيل – فلسطين غدا – أطلس استقائي – فيليب لومارشان – لميا راضي – تعريب يوسف ضومط – دار الجيل بيروت 1998

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *