Home»Enseignement»من سمات المحتوى التعليمي الجيد عند ابن خلدون

من سمات المحتوى التعليمي الجيد عند ابن خلدون

0
Shares
PinterestGoogle+

 
يقول ابن خلدون ينتقد سوء التعليم في عصره:

 » وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العصر الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته، ويُحضِرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم، ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها، ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه، ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله؛ فيخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها، وقبل أن يستعد لفهمها فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا  »
إن ابن خلدون غير راض عن تعليم أكثر المعلمين في عصره؛ وغير راض عن طرق التدريس، وغير راض عن محتوى التدريس. إنه يرفض التعليم الذي يركز على الكم، والغالب أن طريقة التدريس المرتبطة بالكم هي طريقة الحفظ، إن التعليم الذي يطالب المتعلم بحفظ ودراسة كتب كثيرة في علم واحد تعليم سيء، وقد ذكر ابن خلدون بعض أسماء الكتب الكثيرة التي كانت مقررة للمتعلمين آنذاك، في علمي الفقه، و العربية .
و يعتبر ابن خلدون الكتب المختصرة الموضوعة في علم من العلوم محتوى سيئا للتعليم، حيث قال: » وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولة في الفنون للتفسير والبيان، فاختصروها تقريبا للحفظ، كما فعله ابن حاجب في الفقه وأصول الفقه، وابن مالك في العربية والخونجي في المنطق وأمثالهم، وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل ».

وقد علل فساد هذا الطريق من التعليم قائلا:  » وذلك لأن فيه تخليطا على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها…ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها، لأن ألفاظ المختصرات نجدها لذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت  »
إن أهم ما جعل ابن خلدون يرفض هذا المحتوى التعليمي أنه لا يراعي استعدادات المتعلم، ولعله يقصد هنا الاستعداد العقلي والنفسي، فالمدرسون كانوا يبدؤون من حيث ينبغي أن ينتهوا، لأنهم يلقون « الغايات » من العلم على المتعلمين؛ بمعنى أنهم يطالبون المتعلمين باستيعاب ما بلغوه من العلم في تعلمهم هم، أي أنهم لم يراعوا النمو العقلي للمتعلمين، فلم يخاطبوهم على قدر عقولهم، بل خاطبوهم بما بلغوه من علم.
وإذا كان واضحا أن ابن خلدون يرى أن التعليم الذي يعتمد المطولات أو المختصرات، التي اختصرت اختصارا شديدا، تعليم سيئ مضر بالمتعلمين، فما المحتوى الدراسي الذي يحقق تعليما جيدا مفيدا؟
إن المحتوى التعليمي الجيد عنده ينبغي أن يكون متدرجا، ومعنى التدرج عند ابن خلدون أن يُقدَّم العلم للمتعلم قليلا قليلا، أي أن يلقن المتعلم معلومات قليلة في بداية تعليمه، ثم تزاد كمية المعلومات شيئا فشيئا مع مرور الزمن وتقدم المتعلم في السن، وهذا النوع من المحتوى المبني على التدرج هو البديل الذي قدمه ابن خلدون للمحتوى الذي انتقده سابقا.

إن أهم ما ينبغي أن يفهم من كلام ابن خلدون هنا هو أنه يحث على أن يكون المحتوى في المرحلة الأولى من التعليم بسيطا غير مركب، بمعنى على المعلم أن يُخضِع المعلومات التي يقدمها للمتعلم لما أضحى يسمى بعملية « النقل الديداكتيكي »، وبتعبير أوضح عليه أن يبسِّط المعلومات التي تلقاها على شيوخه أو تعلمها من الكتب، إن فكرة تبسيط المحتوى أصيلة في فكر ابن خلدون، ولا شك أن هذا التبسيط كان موكولا آنذاك إلى المعلم الحاذق، لأن الكتب المتداولة آنذاك كانت إما مطولات أو مختصرات، وهي بنوعيها غير صالحة. قال ابن خلدون : » اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا، إذا كان على التدريج، شيئا فشيئا وقليلا قليلا، يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب  »
وقد عدّ سعيد إسماعيل علي التدرج من القواعد الأساسية للتعليم في الإسلام، حيث قال: » فلقد تضمنت السنة النبوية عددا غير قليل من القواعد والمبادئ التربوية العامة التي تُفعّل من العلم التربوي وتعززه نذكر منها… التدرج: فنحن نلاحظ أن من سنن الحياة الطبيعية في تناول الطعام مثلا نتناوله جزءا جزءا حتى يتيسر العمل للجهاز الهضمي، فكذلك في تناول المعرفة لا بد من أخذها بالتدريج، حتى يستطيع العقل أن يستوعبها ويفهمها فهما جيدا « 

احميدة العوني – وجدة- salamtam@live.fr 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *