Home»International»روعة المشهد الكوني عند الطواف بالكعبة:جمال وكمال

روعة المشهد الكوني عند الطواف بالكعبة:جمال وكمال

0
Shares
PinterestGoogle+

الدكتور محمد بنيعيش
كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة المغرب

يـا راحلينَ إلى مِنًى بقيـادي هيـــجتُمُ يومَ الرحيـــــل فؤادي
سرتم وسـار دليلكم يا وحشتي والعيس أطربني وصوت الحادي
حرمتمُ جفني الْمنـام لبُعدكم يا ساكنــــــين المنحنى والوادي
فـإذا وصـلتُم سـالِمينَ فبـلّغوا منّي الســـــلام أهيلَ ذاك الوادي
وتذكّروا عند الطواف متيمًا صبًّـا فَـــــني بالشوق والإبعـادِ

أولا:الطواف بالكعبة وضبط بوصلة الوجود الكوني والإنساني
موضوع العبادات يعد من أهم المواضيع الدينية والعلمية على الإطلاق، وهي تمثل الباب الأول في الفقه الإسلامي والمحور الرئيسي الذي يحدد الهوية الدينية للشخص وطبيعة انتمائه.
ومن خصائص العبادات في الإسلام أنها قد جمعت بين العقدي والعملي والحالي، أي الشعوري، عند الممارسة والتطبيق والتدقيق.كما أنها ذات ارتباط بالواقع الإنساني والكوني والوجودي ككل ، بظاهره وباطنه وحسه ومعنويه وواقعه ومتخيله . في حين قد تمثل هذه العبادات شبكة معرفية وحركة بدنية ومادة تطهيرية ،وطمأنينة باطنية وسكينة ظاهرية ،للشخص الملتزم بها وبشروطها الملازمة لها . منها شروط صحة وكمال وقضاء وأداء ونية وقصد وصفاء وإخلاص.
في حين جاءت هذه العبادات متنوعة الحركات والهيئات ،ومتعددة الشروط والأركان ومختلفة الأزمان والأماكن مع مراعاة اختلاف الاستعدادات والطاقات .
والسر في هذا والله أعلم هو خصوصية الميدان وسمو المعبود في رحمته بالعابد كي يرتقي من مقام الدونية نحو الأعلى الذي لا نهاية له ولا حد .وبهذا فكانت العبودية هي أعلى مقام ووسام يتحلى به الإنسان ويمتطيه للسباحة في عالم الملكوت والبحث عن درر الوجدو وأسراره. وهنا نجد القرآن يحدد لنا المقصد من خلق هذا الإنسان الذين أتى عليه »حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ».فقال عنه: » وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ».
ومن هنا أقول :من لا عبادة له فلا بوصلة له ،ومن لا بوصلة له لا وصول له ، ومن لا وصول له لا وجود ولا مآل له…
ومن أهم البوصلات وأعظمها في باب العبادات الدينية هي بوصلة الصلاة و الحج وتحديد القبلة فيها.
فالصلاة والحج ركنان متلازمان تلازما ذاتيا ومكانيا وزمانيا وعموديا وأفقيا وعلى كل الأشكال الهندسية والحركات الزمانية الكونية .
ومن هنا كانت الصلاة أولى أركان الدين بعد الشهادتين يتوسطهما إيتاء الزكاة وصوم رمضان، ثم الحج آخرها ومنتهاها لمن استطاع إليه سبيلا . ومن لم يحج بذاته فليحج بتوجهه وانتصابه وركوعه وسجوده نحو الكعبة المشرفة صلاة وقياما فيكون في حج دائم . حتى إنه قد خصص القرآن الكريم سورة عنوانها « سورة الحج » سيكون محورها الرئيسي هو هذه الكعبة المنتصبة والقائمة عبر القرون والسني،ن يطاف حولها من غير كلل ولا ملل، وبحب وتعظيم وتقديس وإخلاص.يقول الله تعالى عنها : » وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ».
فالآيات قد ابتدأت بالبيت « بيت الله الحرام » وانتهت به ،باعتباره محورا تعبديا ووجوديا وكونيا ومكانيا وإنسانيا في نفس الوقت.
ثانيا: الكعبة المشرفة في توسط ووصل بين الوجود الكوني والإنسان
لست هنا الآن بصدد الحديث عن أحكام الحج بتفصيل ولا عن أركانه ولا عن الأحكام الشرعية جملة ،والمتعلقة بالطواف وشروطه وإحرامه ،فهذا مبثوث في كتب الفقه والحديث فيه ما يغني ويفيد،ولكن قصدي في هذه العجالة هو الإشارة إلى مشهد الطواف حول الكعبة نفسها وقراءته بلغة ذوقية وشعور وجداني ،قد ساورني منذ مدة وجذبني إليه جذبة قوية و حلوة المذاق ومحركة للشوق، ولم لا حتى الوقوع في الصعق ،ولكنه صعق لذيذ ومبهر وجميل ما بعده من جمال !.
ذات مرة وعند أحد أعياد الأضحى المباركة كنت جالسا أشاهد التلفاز وهو يعرض طواف الإفاضة حيث اكتظاظ الحجاج وتدافعهم في شكل كتلة متراصة ومنظمة، كأبدع تنظيم وترصيص وتنضيد، إذا بي يجذبني هذا المشهد وكأنني لم أره من قبل في حياتي .مشهد له صورة تشبه دورة المجرات الكونية كما صورت لنا في علم الفلك وعرضت في أفلام الاستطلاع الفضائي.أعدت النظر ثم حدقت بأشد ما يكون التحديق والتدقيق فإذا بالمشهد يزداد جذبا واستقطابا واستعذابا.حاولت إعادة النظر ولكن هذه المرة بشكل شامل يحاول احتواء المشهد من كل جوانبه فشعرت وكأنني أدور ما الدائرين وأطوف مع الطائفين وأتحرك مع المتحركين ، وكأن الكون كله يدور بدورتهم أو أنهم يدورون بدورته، في نظام وانتظام وتوافق ووئام.عند هذا الحال صرخت من حيث لا أريد ولا أدري وبكيت بكل ما في شعوري من وما يحتويه صدري.فقد صغر الوجود لدي واختصر في محطة الكعبة المشرفة حيث كل الأشكال الهندسية والآلية والميكانيكية كلها حاضرة هناك ، وحيث الأصوات واللهجات والألوان والأعراق كلها تصيح وتنادي « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك  » .
إنه التوحيد الخالص لله تعالى ،توحيد العقيدة وتوحيد للكون وتوحيد للإنسان، والكل يدور في فلك الحقيقة وحولها وعندها وبها وإليها ،والتي قد ترجع إلى الحق سبحانه وتعالى رب العالمين والهادي إلى الصراط المستقيم.
والجميل الأجمل في هذا الطواف هو هذا الشكل الهندسي المكعب للكعبة المشرفة بجهاته الستة :فوق وتحت ويمين وشمال ووراء وقدام كأنها تمثل الجهات الستة للكون بسعته والذرة بدقتها ،والذي يرتسم حوله ضرورة وإجباريا شكل دائري طائف حوله ٌد يرسم لك المجرات العليا والأفلاك المرئية وغير المرئية ،حتى إنه ليصلك بالبيت المعمور كما ذكره القرآن الكريم: » وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ » ،و هو بيت كما جاء في الأثر يكافئ البيت الحرام (الكعبة) لكنه ليس مثلها على الأرض، بل هو في السماء يطوف حوله الملائكة، فيدخله في اليوم سبعون ألف ملك من الملائكة فلا يعودون له أبداً .
وأكثر ما يزداد هذا الشعور حضورا وحماسة حينما يكون عدد الطائفين مكثفا ،بحيث سترى ومهما حاولت أن تصرف بصرك أو تلغي تصورك كأنك في مجرة كونية دائرة ودائبة ،وخاصة إذا حدقت ببصرك وقلبك بل بكلك من كل جوانب المشهد ، فلا ترى حينذاك إلا الروعة وإحياء القلوب والوجدان والشعور بطمأنينة ما بعدها من طمأنينة والحمد لله على ذلك : » ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ».
وبهذه المناسبة و بعيدا و بدون أية خلفية سياسية أو مذهبية وطائفية أهنيء « المملكة العربية السعودية » في رجالها والقيمين على شؤونها الدينية ،وخاصة على العناية الفائقة ،التي لم يمر عبر التاريخ ، فيما أرى نظير لها بالحرمين الشريفين مكة والمدينة !!! .فهناك ،والحق يقال بالرغم من أنني لم أزر ذاك المقام بعد،تنظيم ونظافة وطهارة وإنارة وجمال وزخرفة وتهوية وأمن وأمان واطمئنان، مما جعلني مدمنا على مشاهدة بعض القنوات الخاصة بهما من أجل التجديد والتفريج،وخاصة حينما تضيق بي نفسي ويكتنفني غمي وهمي ،كقناة « مكة المكرمة » وقناة « السنة النبوية » حيث السلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين حبيبنا ونبينا وسيدنا محمد عليه صلوات الله وسلامه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أجمعين.نرجو من الله تعالى أن يديم هذا الأمن والأمان والاستقرار على هذا البلد الأمين وعلى سائر بلدان المسلمين بل العالمين آمين…

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *