Home»International»« سيكولوجية التوتر في سلوكيات السلفية التيمية »

« سيكولوجية التوتر في سلوكيات السلفية التيمية »

1
Shares
PinterestGoogle+
 

الدكتور محمد بنيعيش
كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة المغرب

لست طائفيا ولا عنصريا متعصبا ولا انتهازيا ،ولكن ممحصا ومصححا وناصحا، في تناولي هذا الموضوع العلمي بامتياز،عساني أجد عقولا نابهة وقلوبا مشرقة وألسنة نقية تتقيد بحدود الحقيقة والمسؤولية »إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد » .

أولا :البناء النفسي وأدوات التحصيل عند التيميين

1) ليس من السهل إعطاء صورة منتظمة في ملامحها حول نفسية السلفية التيمية ،وخاصة ابن تيمية (زعيم السلفية وشيخ الجماعات الإسلامية المعاصرة )،من حيث بنيتها العامة والمراحل التي قطعتها حتى وصلت إلى نضجها الأخير، وذلك لأنه يختلف عن ابن حزم الأندلسي في « طوق الحمامة »وعن أبي حامد الغزالي في » المنقذ من الضلال »، بل يختلف عن طه حسين في « الأيام « وأحمد أمين في « حياتي » وغيرهم ممن دونوا لنا صورا عن حياتهم وخاصة من الجانب النفسي والسلوكي ،اللهم إلا شذرات فيها اعتزاز بمواقف أو وصف لنوازع.
وعلى هذا فسيكون تناولي لبناء ابن تيمية النفسي وانعكاساته على تياراتنا المعاصرة من باب ما قيل عنه ،ثم سأحاول تحليل هذه الأوصاف التي نعت بها بالمقارنة مع بعض أقواله في المسائل النفسية بقدر الإمكان .
يقول الذهبي كتابه تذكرة الحفاظ »كان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد ».

كوقفة سريعة يتين لنا من خلال النص أنه قد كان يتمتع بنفسية لها قابلية الحفظ السريع والتقاط المعلومات بسهولة فائقة وترسيخ كبير لها، كما يقول عنه ابن كثير : « ولازم السماع بنفسه مدة سنين وقل أن سمع شيئا إلا حفظه ثم اشتغل بالعلوم وكان ذكيا كثير المحفوظ « .
فهذا النص معضد للذي قبله،وفيه يتبين لنا ترجيح جانب الحفظ على جانب الذكاء، ويبرز لنا بوضوح أكثر أنه كان يتمتع بميزة الحفظ السريع والكثير أقوى من الذكاء وإن كان لا يخلو حظه الوافر منه على كل حال ، وهو ما يحكيه عنه صاحب « الوافي بالوفيات « حيث يقول :
« ورأيته مرات بمدرسة القصاعين وبالحنبلية جوابا بالفراديس وكان إذا تكلم أغمض عينيه وازدحمت العبارة على لسانه فرأيت العجب العجيب والحبر الذي ماله مشاكل في فنونه ولا ضريب،والعالم الذي أخذ من كل شيء بنصيب سهم للأغراض مصيب والمناظر الذي إذا جال في حومة الجدال رمى الخصوم من مباحثه باليوم العصيب ».
يقول ابن بطوطة عن رحلته : « وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام ويتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئا ».
فهذه العبارة الأخيرة لست أدري ماذا يقصد بها غاية:أهل جاءت على سبيل المدح أم على سبيل الذم والإشارة من طرف خفي إلى نوع شذوذ فكري أو اهتزاز ذهني عند ابن تيمية،وهو الغالب على سياق الكلام ويؤيده ما أورده عنه من مواقف شاذة على المستوى العقدي والسلوكي،يحكي أنه شاهدها وسمعها بنفسه؟ !.
2) فالغالب على الظن في إغماض العينين وازدحام العبارة على اللسان أنه من باب الحفظ السريع وتراكم المعلومات،وفي هذه الحالة قد يغيب جانب الذكاء طبعا؛ وأخص به الموظف في التفكير البطيء ،وهذا النص للصفدي قد أضاف إلينا ميزة نفسية أخرى تعتبر من لوازم الحفظ وضرورياته، ألا وهي ميزة التذكر.وهذا هو مسلك غالبية الموسومين بالسلفية ومن في صفهم من علماء الحديث، حيث يكثر استظهار النصوص لديهم والافتخار به كدليل على تصدر واحتكار الميدان!!!
فلقد امتازت ذاكرته بسرعة تداعي الأفكار، وهذه السرعة في الحفظ والتذكر والتداعي كان لابد وأن تحدث سرعة وزحمة في إخراج المعلومات من القوة إلى الفعل، فتكون ميزة هذه المعلومات ناتجة عن صفة التفكير السريع .والسرعة طبعا يكون مصاحبها توتر لا انفكاك عنه،وهو ما ميز منهج ابن تيمية في نقد المخالفين له وجعلهم مرمى في سهم واحد….
ومن المعقول أن التفكير السريع لابد وألا يكون محكما إحكاما كليا وخاليا من الأخطاء العلمية وذلك بالنسبة إلى التفكير البطيء.
لكن كما ورد في ترجماته أن الحالة العامة المضطربة التي عايشها بعد هجوم التتار واضطراب الديار كانت تستلزم منه هذه السرعة في إصدار النتائج والأحكام، وإلزام الخصوم بأنواع من الحجج قد تعتبر صوابا في كثير من الأحوال و تعتبر أخطاء في أحوال أخرى،ولكن لكل جواد كبوة،هذا بالإضافة إلى البنية النفسية التي رأينا بعض مواصفاتها عن قريب .

ثانيا:سيكولوجية الجزم الذاتي بالمعرفة ورفض الاحتمال الآخر

1) أرجع إلى تحليل ميزة الحفظ السريع والتذكر والتداعي عنده فأقول:
إن هذه الميزة ربما قد صرفته عن النظر إلى نفسه ووضعيته الداخلية ومراقبة التحركات الدفينة في أعماقها ،بالإضافة إلى أنه قد كان مؤمنا ابتداء ومتمذهبا حنبليا نشأ في أحضانه كما يتجلى هذا في بعض مقولاته حول أدوات المعرفة ومدركاتها.
إذ أنه يقر بيقينية المعرفة الحسية والعقلية ، وبأن الأمراض الحاصلة لها بمثابة الأعراض الطارئة عليها،وأنها في حد ذاتها قابلة للإيصال إلى المعرفة، حيث يقول عنها:
« فالأسباب العارضة لغلط الحس الباطن أو الظاهر والعقل بمنزلة المرض العارض لحركة البدن والنفس ، والأصل هو الصحة في الإدراك وفي الحركة ،فإن الله خلق عباده على الفطرة، وهذه الأمور يعلم الغلط منها بأسبابها الخاصة كالمرة الصفراء العارضة للطعم وكالحول في العين ونحو ذلك،وإلا فمن حاسب نفسه على ما يجزم وجد أكثر الناس الذين يجزمون بما لا يجزم به إنما جزمهم لنوع من الهوى، كما قال تعالى: « وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم » وقال : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله » . . . »
فكأن هذا الموقف يمثل نسخة طبق الأصل لما أورده الغزالي في » المنقذ من الضلال » حول شكه في الحواس والعقل واعتباره مرضا.
في حين يرى ابن تيمية أن المرض عارضي، والعارض سريع الزوال طبعا، وكذلك يصرح الغزالي بأن عارض الشك الذي أصابه قد كان سريع الزوال والانسحاب من حياته العاقلة.
بل إن ابن تيمية يذهب أكثر من هذا فيصرح بأن العلم بالأمور يكون باستشعار من الداخل والجزم به حيث لا يمكن أن يدخل الغلط والوهم قائلا:
 » والمقصود هنا أن معرفة الإنسان بكونه يعلم أولا يعلم مرجعه إلى وجود نفسه !ولهذا لا نحتج على منكر العلم إلا بوجودنا نفوسنا عالمة كما احتجوا على منكري الأخبار المتواترة بأنا نجد نفوسنا عالمة بذلك وجازمة به كعلمنا وجزمنا بما أحسسناه « .وهذا هو مصدر التعصب في نظرنا ،لأنك حينما تجزم بمجرد الجزم تكون قد حسمت في عدم المراجعة.وما يدريك أن ما جزمت به قد كان من هوى النفس أو وسوسة شيطان أو غلط حس مما يقتضي معه المراقبة والمحاسبة والتدقيق النفسي حول الخواطر والبواعث؟…
ثم أو ليس قول ابن تيمية هنا قد يقترب من قول الغزالي في مسألة الذوق وأنه إحساس باطني مع اختلاف في مستوياته طبعا،بحيث يضرب له مثلا من إحساس مادي بالعسل وغيره من الأطعمة ذات المذاق ؟ وأيضا أفلا يعتبر الذوق من الحواس الخمس،وهذا تمثيل فقط للذوق الروحي الذي قد أفاض في التعبير عنه؟.
2) فباعتباره من أهل الحديث سيشير ضمنا إلى حالته النفسية حيال المعتقد من خلال هذا النص الذي يرد فيه على المتكلمة الذين يتهمون أهل الحديث بالحشو، فيقول :
« وكيف يليق بمثل هؤلاء أن ينسبوا إلى الحشو أهل الحديث والسنة ؟ الذين هم أعظم الناس علما ويقينا وطمأنينة وسكينة،وهم الذين يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون وهم بالحق يوقنون لا يشكون ولا يمترون « .
وبغض الطرف عن البحث في تخصصه هل يعتبر من أهل الحديث المختصين أم لا إلا أن النص يطرح علينا سؤالا ملحا وهو:هل فعلا كان يتمتع بيقين جازم بما لديه من العلوم وأن له نفسية هادئة ومطمئنة،أم أنه كان مجرد مقلد في هذه المقولات وإسقاطي ومتعصب لها،فتكون له ميزة التقليد والعلم دون الإدراك،وأن علمه بالمدركات الشرعية هو بواسطة الحس والعقل المذهبي واللغة فقط،وبهذا يكون مجرد متلق للمسموعات وليس بمتقمص لمحتوياتها في مثل هذه المعرفة الدقيقة؟ .
هذا التساؤل حول ذوقيته للعلوم – إن صح التعبير- قد دفعني إليه نص آخر يتحدث فيه عن أهل التصوف قائلا : « نعم ! للمؤمنين العارفين بالله المحبين له من مقامات القرب ، ومنازل اليقين ما لا تكاد تحيط به العبارة ولا يعرفه حق المعرفة إلا من أدركه وناله ! ».
فبالرجوع إلى تفحص هذا النص وما قبله سنجد ابن تيمية قد يقر بنوع من الإدراك للعلوم الشرعية يتخطى إدراك العقل والحواس ويختلف من شخص لآخر، كما أنه لا يمكن أن يفسر بحال،لأنه ذوق له حلاوته الخاصة به ، ولا يمكن أن يعرف حقيقته إلا من أدركه وعاشه.
يتجلى هذا المفهوم في الفقرة الأخيرة من النص السابق حيث يقول فيه متعصبا:
 » فأما ما أوتيه علماء أهل الحديث وخواصهم من اليقين والمعرفة و الهدى فأمر يجل عن الوصف ولكن عند عوامهم من اليقين والعلم النافع ما لم يحصل منه شيء لأئمة المتفلسفة المتكلمين وهذا ظاهر مشهود لكل أحد ».
كما قد يوجد إبهام حول واقعية مستوى الإدراك عند ابن تيمية،وخاصة فيما يتعلق بمسألة الشعور الذوقي للعلوم هل هو روحي أم نفسي ذاتي وجزم كسائر المجزومات؟،وذلك لأنه لم يصرح بأنه شخصيا توصل إليه،وإن كنت قد أرجح الظن في وقوع نوع من هذا الإدراك لديه بحكم تسليمه لبعض الصوفية كالشيخ عبد القادر الجيلاني.ولكن إن سلمنا بالأمر فسيكون تناقضا في شخصيته ومواقفه من الآخرين ،ومجالا للتوتر النفسي الذي تتولد عنه التعصبات ومرض الأعصاب.
أما فيما يتعلق بالجانب السلوكي عند ه، فإنه قد امتاز بالشجاعة المندفعة فيما يذكر عنه،والتي كانت باللسان والسنان إلا أنها قد وصلت إلى حد أن كسرت بسبب الإفراط وتخطي حدود الاعتدال فيها،خاصة شجاعة اللسان والتغيير باليد وبواسطة العامة والأتباع، لحد أن أصبح سلطة غير مأذونة داخل سلطة، أي زعيم ثورات داخلية عشوائية تعتمد الغوغائية والمبادرة بالتحدي!.
إذ كان لا يراعي الردود التي ستنجم عن تهجماته على مخالفيه في الرأي لحد السباب ؟ مما سبب له تلك النهاية المؤلمة والمتجسدة في سجنه حتى الوفاة،بالإضافة إلى الافتراض السياسي الذي لا بد وأنه قد كان وراء هذا الاعتقال.
فحول هذا الموضوع يقول صاحب « الوفي بالوفيات »: « وأرى أن مادته كانت من كلام ابن حزم حتى شناعته على من خالفه ؟وكان مغرى بسب ابن عربي محيي الدين والعفيف التلمساني وابن سبعين وغيرهم من الذين ينخرطون في سلكهم ؟ وربما صرح بسب الغزالي وقال هو قلاووز الفلاسفة أو قال ذلك عن الإمام فخر الدين ، سمعته يقول : « الغزالي في بعض كتبه يقول : « الروح من أمر ربي »، وفي بعضها يدس كلام الفلاسفة ورأيهم فيها… »،ولم يزل العوام يعظمونه إلى أن أخذ في القول على السيدة نفيسة فأعرضوا عنه « .
من هذا النص يمكن لنا تبين الخلفيات والمؤثرات التي كانت مترسبة وراء الجانب السلوكي عنده وهو ما يعزوه إليه الصفدي في نصه هذا.كما أن انعكاسه على سلفية العصر الحديث ستكون بالقدر المضاعف ،وإن لم أقل بالوجه المحرَّف لما فيها من تجاوز سيكولوجي حتى لواقع شيخهم ،بحيث كلما كان الحضور أو الحوار معهم كان ملازما للتوتر وذلك لطغيان سيكولوجية المحفوظات على التأملات وملكة الحفظ على الذكاء فيما أظن كذلك لتوهم الجزم بالعلم واحتكار المجال!!!.
فهل فعلا كان تأثير ابن حزم عليه في هذا الجانب أم أنه كان له استعداد نفسي لذلك بحكم تكوينه وتأثير البيئة عليه ؟
من المحتمل أن يكون العامل المذكور محور هذه المؤثرات ورأسها وقد تكون متوازية وللإجابة عن هذا التساؤل يلزم بحثا أكثر تدقيقا حتى نكون على بينة من هذا الأمر وحتى نتفادى الأغلاط التي قد يقع الباحث فيها من هذا الباب وذلك حين تقييم الأفكار العامة التي أنتجها الشخص المعين للبحث.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.