Home»International»لماذا وضع مايكل هارت رسول الله على رأس المائة الأوائل

لماذا وضع مايكل هارت رسول الله على رأس المائة الأوائل

11
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
نعلم أن مايكل هارت، صاحب كتاب المائة الأوائل، قد أنصف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال وضعه على رأس هؤلاء المائة رغم كون الرجل مسيحي وقد عاش مسيحيا ومات مسيحيا ولا علاقة له بالإسلام، كما وضع المسيح  عيسى ابن مريم  عليه السلام في المرتبة الثالثة وموسى عليه السلام في المرتبة السادسة عشرة، أي لم تأخذه لا الحمية الدينية ولا الانجذاب العاطفي لدينه الذي يؤمن به، وإلا كان قد وضع المسيح عليه السلام في المرتبة الأولى وموسى عليه السلام في المرتبة الثانية، وقد قال:  » لم أضع المسيح في المرتبة الأولى ووضعت محمدا رغم أنهما في العظمة واحد »  وهذا معناه أن المعايير الذي اعتمدها هي من  وضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمة، ولازال الكثير من الناس يتساءلون عن المعايير التي اتخذها مايكل هارت في ترتيب هؤلاء المائة، خصوصا وأنه قد وضع من بين هؤلاء المائة جبابرة كبارا من الذين آلموا الإنسانية أيما ألم وجعلوها تعاني الويلات من خلال شرورهم واستكبارهم وبطشهم مثل هتلر ولينين والبابا أوربان الثاني الذي قاد الحروب الصليبية الأولى.
انطلق مايكل هارت قبل تصنيفه للمائة الأوائل إلى دراسة آلاف الشخصيات التي وردت أسماؤها في الموسوعات التاريخية، والتي حُصر عددها في عشرين ألف شخصية، فقام بوضع سيرة ذاتية لكل واحد منهم، وقد وضع منهجا محددا اعتمده في ترتيب المائة الأولى منهم التي ضمنها كتابه الشهير « المائة الأوائل ».
إن مايكل هارت هو رجل علم مهتم بالتاريخ حصل على الدكتوراه في الفلك وماستر في العلوم البحثة، يعمل في مركز أبحاث الفضاء بولاية ميريلاند الأمريكية. لقد كان لهذا التوجه العلمي للمؤلف تأثير كبير في المنهج المعياري الذي اعتمده، حيث نراه في بداية كتابه يتحدث عن مجموعتين من المعايير المجموعة الأولى تحدد التأثير التاريخي كمعيار رئيس، سواء كان هذا الأثر أو هذا التأثير خيرا أم شرا، فضلا عن تجاوز التأثيرات التي لا يعرف أصحابها مثل مخترع الكتابة أو مخترع العجلات… أو لا يعلم إن كانوا قد عاشوا أو لم يعيشوا مثل الفيلسوف الصيني لاوتسو وغيره، كما أن هذا التأثير يجب أن يكون ذا صبغة عالمية ممتدة لا محدودة، والمجموعة الثانية من المعايير تختص بتقرير ترتيب الشخصية كأن يجعل الشخص الذي أسس حركة معينة  مقدما على الشخص الذي لعب فيها دورا كبيرا ومهما، ولهذا نجده قد وضع كارل ماركس قبل لينين، وقد يضع شخصين اثنين في المرتبة الواحدة في حالة اشتراكهما في نفس العمل مثل الأخوين رايت. ووضع جون كينيدي في القائمة لكونه دعم برنامج « أبولو » ولم يضع أمسترونغ في القائمة حتى وهو أول إنسان مشى على القمر، لأن امسترونغ لو لم يذهب إلى القمر لذهب غيره، لكن لم لم يأت كينيدي ربما لم يأت رئيس آخر يدعم البرنامج. وقدم أفلاطون لكتاباته السياسية على فولتير وجون لوك لأن تأثير كتابات هذين الأخيرين لم يتجاوز ثلاثة قرون من الزمن، في حين نجد أن سياسات أفلاطون استمر تأثيرها لأزيد من ثلاثة وعشرين قرنا. كما اختار مايكل أنجلو في الترتيب وتخلى عن ليوناردو دافنشي برغم أن أنجلو لم يحقق النبوغ الذي حققه دافنشي وذلك لأن أنجلو امتاز بتنوع مواهبه الفنية ووصل الذروة كمصور زيتي وكناحت كما برع في الهندسة المعمارية وإرثه الفني أضخم بكثير من الإرث الذي تركه دافنشي. وفي نفس هذه السياقات المعيارية نفهم لماذا يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسيح وعن موسى عليهما الصلاة والسلام، ويتقدم إسحاق نيوتون على المسيح ابن مريم وأنشتاين.
إجمالا لقد اعتمد الرجل على المنهج العملي الذي يقوم على مدى التأثير الذي أحدثته هذه الشخصيات في عجلة التاريخ وصنعت لها رأيا عاما وتيارا مجتمعيا عالميا لا إقليميا وقد استمر في الزمن لقرون عديدة.
إن مايكل هارت بوضعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قمة المائة الأوائل الذين صنعوا التاريخ لم ينظر إليه كنبي ورسول أي لم يأخذ بعين الاعتبار البعد الديني منفردا، وإنا مدمجا مع عبقرية الشخصية التي تستطيع أن تجمع بين جوانب كثيرة منصهرة في ذاتها. فأبهرته شخصيته عليه السلام كقائد تاريخي استطاع أن يحقق ويقلب المجتمع العربي رأسا على عقب وحوله من أقصى العبودية والثأر ووأد البنات والجهل والعبث إلى بناء أعظم الحضارات الإنسانية على الإطلاق فجمع القلوب بعد شتات ووحد القبائل بعد حروب وسفك للدماء.
يقول مايكل هارت وهو يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد اخترت محمدا صلى الله عليه وسلم في أول هذه القائمة لأنه الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا. وبعد 13 قرنا من وفاته فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويا، والجميل في الأمر أن الرجل التفت إلى أن أكثر أولائك الذين اختارهم في المائة الأوائل ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا. إلا محمدا فهو قد ولد في منطقة متخلفة من العالم القديم بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن. وبسرعة اكتسب الرسول والإسلام قوة ومنعة وأصبح محمد أقوى وأعمق أثرا في قلوب الناس، ولأول مرة في التاريخ استطاع أن يوحد جميع القبائل التي كانت قبله متناحرة فملأ قلوبهم بالإيمان، ولذلك يقول: استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم الغزوات التي عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدامهم من شمالي شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية. وكان العرب أقل بكثير جدا من كل هذه الدول التي انتصروا عليها. كما يقول: إن بالانتصارات الساحقة على عهد الخليفة أبي بكر والخليفة عمر بن الخطاب لم تكن نهاية الزحف العربي والمد الإسلامي في العالم، بل لقد استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي. وقبل أن يختم حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقارن بينه وبين عيسى عليه السلام وبين القرآن والإنجيل وبين الإسلام والمسيحية كديانة سماوية تم العبث فيها وتحريفها  حيث قال: أما الرسول فهو المسئول الأول والأوحد عن إرساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعي والأخلاقي وأصول المعاملات بين الناس في حياتهم الدينية والدنيوية. كما أن القرآن الكريم قد نزل عليه وحده، وفي القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم. والقرآن الكريم نزل على الرسول كاملا. وسجلت آياته وهو عليه السلام ما يزال حيا، وكان تسجيلا في منتهى الدقة، فلم يتغير منه حرف وليس في المسيحية شيء مثل ذلك. فلا يوجد كتاب واحد محكم دقيق التعاليم في المسيحية يشبه القرآن الكريم، وكان أثر القرآن الكريم على الناس بالغ العمق، ولذلك كان أثر محمد عليه السلام على الإسلام أكثر وأعمق من الأثر الذي تركه عيسى عليه السلام على الديانة المسيحية. ويختم مايكل هارت حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: فهذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أومن بأن محمدا عليه السلام هو أعظم الشخصيات أثرا في تاريخ الإنسانية كلها.
مع العلم أن كتاب المائة الأوائل فيما بعد عرف تعديلات وتغييرات من حيث ترتيب الشخصيات، كما أدخلت فيه شخصيات جديدة، ولكن ظلت شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة في مكانها لم تتغير، أي ظل  عليه السلام دائما يتربع في قمة هؤلاء الأوائل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *