جرادة : بدون مساحيق ولا أقنعة
تعرف مدينة جرادة تراجعا كبيرا وخطيرا على العديد من الأصعدة، مما أدى إلى تصاعد وثيرة وكثافة الاحتجاجات التي أصبحت تهم معظم القطاعات الهامة بالمدينة .فلا يمر أسبوع دون أن تعلو ولعدة مرات أصوات المحتجين سماء المدينة التي كانت وأصبحت أكثر من ذي قبل مدينة منكوبة ، فرغم المساحيق التي زينت واجهة المدينة وحاولت إخفاء حقيقثها المؤلمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية ، مثل المدخل الذي يضم العمالة وقصر البلدية وساحته ، وتزليج أرصفة المدينة وإعادة تزليجها والحدائق التي عوضت ما كان يخفيه جدار البؤس السابق والتي أصبحت هي الأخرى عبوسة تستقطب أفواج المحتجين،ولم تنفع المهرجانات والشعارات الزائفة في تغيير حقيقة وعمق ملامح المدينة التي تظهر جلية في عمق الأحياء الشعبية بجرادة وحاسي بلال وما تعانيه من اختلالات وبؤس ، وحتى في محيطها الغابوي الذي كان بمثابة رأسمال المدينة ورئتها و العقد الثمين الذي تتزين به وأصبح هو الآخر يعاني من التلوث بنفايات الفحم والأزبال وقطع الأشجار إلى حد الاستنزاف ، ومن أنفاق الفحم المنتشرة في كل مكان حتي بالقرب من الأحياء السكنية والمؤسسات التعليمية مهددة سلامة المواطنين خاصة الأطفال و مجسدة للاستغلال الفاحش والعشوائي للفحم الذي ينخر سلامة البيئة وصحة شباب المدينة ، بينما يملأ ريعه جيوب الأباطرة والمفسدين ، بعبارة أخرى لا يغير العطار بسرعة ما أفسده ويفسده المفسدون والمتلاعبون بخيرات وموارد المدينة على قلتها .
مع هذا الوضع أصبح أبناء جرادة خاصة المهتمين بحاضرها ومستقبلها والغيورين على ساكنتها من دوي الضمائر الحية يحسون بالغبن، وانسداد الأفق، وبمحنة الشباب المطوق بالبطالة والفقر وضيق الأفق الاقتصادي وانتشار الأمراض الاجتماعية التي تؤججها الزبونية والمحسوبية وسوء تدبير موارد المدينة وما هو متاح للتخفيف من هذه الأزمات المركبة .
وترجع أسباب هذا الوضع المتأزم بالمدينة في جزء كبيرمنها بالإضافة إلى الوضع العام الذي يعيشه المغرب في نظري إلى ما يلي :
1 ـ المحاولة العبثية لتغيير واقع المدينة من مدينة عمالية إلى مرحلة ما بعد شركة مفاحم المغرب لم تراع ولحد الآن بالشكل الكافي وبموازاة مع التحسن الطفيف والجزئي في بعض البنايات والبنيات التحتية الاستثمار في العنصر البشري الذي هو أداة وهدف كل تنمية، فلا يمكن تصور تنمية بدون عنصر بشري، ولا وجود للعنصر البشري بدون تنمية تكفل له العيش الكريم ، فالجهود التي بدلت للتخفيف من حدة البطالة والفقر بالمدينة والتي لم ترق إلى بدائل عن الفحم تبقى جد ضئيلة بالقياس إلى حجم الساكنة ومؤهلاتها .
2 ـ تعاقب مسؤولين في السلطة المحلية والإقليمية على المدينة لا يعرفون جيدا وضعها ولا تاريخها المشرف ولا طبيعة ساكنتها وقيمها الجيدة ولا مخزونها من العنصر البشري ولا يعرفون كيف يتصرفون في ظل غياب هذه المعطيات ، بل يكتفون بسمعة المدينة المخيفة أحيانا و التي لا تعكس حقيقتها ويتعاملون إما عن علم أو عن غير قصد مع فئة من الانتهازيين يجدون عندها الاستعداد الكامل للقفز على الوضع والإسهام في إدارته بشكل مشوه خدمة لمصالح ضيقة .
3 ـ في ملف التشغيل ـ محور جميع القضايا ـ ، مند مدة ليست بالقصيرة وعلى الخصوص مند بداية ولاية المسؤولين الحاليين محليا وإقليميا لم تراع مطالب الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب فرع جرادة بالشكل المطلوب رغم النضالات الطويلة والقاسية التي خاضتها وتخوضها كتنظيم قديم بالمدينة ورغم تعاطف الساكنة مع منخرطيها الذين بدأ اليأس يتسرب إليهم ، ولا مطالب غيرهم من التنظيمات المطالبة بالشغل رغم وجود بعض الإمكانات المتاحة خاصة على مستوى البلدية كفيلة بطمأنة المعطلين والاستجابة ولو جزئيا لمطالبهم تلطيفا للأجواء ، فأغلب الحوارات التي تمت مع المسؤولين بالعمالة في هذا المجال لم يرافقها التطبيق وأصبحت في نظر المطالبين بالشغل مجرد عبث وزرع لليأس ، و هذا ما تترجمه شعارات الاحتجاجات المتكررة
4 ـ عجز المسؤولين المحليين والإقليميين بالمدينة الواضح على معالجة مجموعة من الملفات رغم أن الواجب ومصلحة الساكنة الملحة تفرض ذ لك على وجه السرعة ، مثل ملف الشغيلة الجماعية بحيت دامت احتجاجاتهم السلمية وإضراباتهم مدة طويلة خاصة وأن المجلس البلدي لما له من قيمة عملية ورمزية يجسد إرادة الساكنة بكاملها ويضم ـ ممثليها ـ
المنتخبين وتتمركز فيه مصالحها الإدارية والخدماتية التي لا غنى عنها بل ويعتبر المجلس القلب النابض للمدينة ، والمتتبع لما كانت عليه وما آلت إليه أوضاع المجلس البلدي بجرادة يعرف عبثية المسؤولين محليا وعدم اكتراثهم بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم واستخفافهم بقيمة الإنسان بجرادة وبقدره، بالإضافة إلي ملف الصحة وغيره ….
5 ـ على عكس التوجه الراسخ في المدينة وساكنتها ومند أن كانت شركة مفاحم المغرب مزدهرة إلى الآن والمتمثل في حل المشاكل عن طريق الحوار وبالطرق السلمية ، بدأ الجنوح نحو تغليب الهاجس الأمني من طرف المسؤولين وعدم محاولة إشراك ساكنة المدينة وخاصة مجموعة من فعاليات المجتمع المدني في حل المشاكل التي تعاني منها المدينة ،وتحديد الأولويات ، وقد بدأ الهاجس الأمني يستفحل مند الاعتقالات التي تعرض لها أعضاء الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين فرع اجرادة ـالمناضل سعيد المرزوقي ، وأناس سليماني ومحمد فزيقي ـ يوم 28/05/2008 مرورا بالاعتقالات العشوائية التي همت بعض شباب المدينة وبعض عمال أنفاق الفحم على إثر المآمرة التي تعرض لها عمال أنفاق الفحم يوم الجمعة 25/12/2009 والتي توجت بمحاكمات صورية دهب ضحيتها مجموعة من شباب المدينة .
وقد تم مؤخرا التهديد بقمع الشغيلة الجماعية ضدا على كون الإدارة هي المسؤولة عن حماية موظفيها من التهديد بل هي التي تقاضي المسؤو ل عن تهديد الموظف أثناء مزاولة عمله .
كما يتم التوجه نحو طبخ ملفات لبعض مناضلي حركة 20 فبراير لتكميم أفواههم .
6 ـ طغيان سلطة المال والاحتكار والقبلية والرشوة التي تعيق التنمية الحقيقية في المدينة ووصول فيروسها إلى الانتخابات التي أصبحت توصل إلى مراكز القرار من يعبث يمصالح الساكنة بل ويعرقلها ، ويدوس على كرامة الإنسان التي يعتقد أنه اشتراها بماله من أجل مصلحته الشخصية المادية .
الأستاذ محمد جرادة
Aucun commentaire