توالي انزلاقات وزير العدل وهبي!

لا نعتقد أن هناك مسؤولا في البلدان الديمقراطية يمكنه إساءة التصرف تجاه مؤسسات بلاده أو ممثلي الشعب وغيرهم من باقي المسؤولين على اختلاف درجاتهم. بينما مازالت بلادنا تعج بالكثير من مظاهر الظلم في أبهى تجلياته، وتشكو من تدني مستوى الخطاب السياسي داخل المؤسسة التشريعية وخارجها، لما بتنا نسجله في السنوات الأخيرة من ابتذال وعنف لفظي، من خلال المشادات الكلامية والتنابز بالألقاب سواء بين نواب أحزاب الأغلبية ونواب المعارضة أو بين بعض البرلمانيين والوزراء، في وقت يفترض فيه أن يشكل البرلماني والوزير قدوة حسنة في السلوك والحوار، خاصة أن آلاف المواطنين صغارا وكبارا يتابعون الجلسات الأسبوعية العامة، التي تبث مباشرة على مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية.
فعلى الرغم من كون ملك البلاد محمد السادس لم ينفك يحث في عديد المناسبات على تخليق الحياة السياسية والارتقاء بمستوى خطاب النخب السياسية في البرلمان، التي يتعين عليها تحمل مسؤولياتها بما يلزم من استقامة وروح المواطنة الصادقة، ووضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار، بما يساهم في بناء جسور الثقة بينها وبين المواطنين، حيث لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون النهوض بواقع السياسة في بلادنا وتعزيز القيم الأخلاقية داخل المجتمع المغربي، مازال هناك عديد الفاعلين السياسيين لا يقيمون وزنا للعمل السياسي النبيل والمؤسسات الوطنية، من خلال ما يقومون به من ممارسات دنيئة ويقدمون عليه من تصرفات طائشة وغير محسوبة العواقب.
ويندرج في هذا السياق ما شهده المواطنون خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية التي انعقدت يوم الاثنين فاتح دجنبر 2025 بمجلس النواب، من مشادات كلامية مثيرة للاستغراب، حيث كادت أن تتحول إلى اشتباكات بالأيدي بين وزير العدل والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي وبعض البرلمانيين عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية يتقدمهم النائب عبد الصمد حيكر، قبل أن يتدخل لإنهاء النزاع نواب آخرون ومعهم وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الذي وجد نفسه مضطرا إلى إطفاء نيران الغضب وإنهاء الفوضى العارمة، من خلال إبعاد الوزير وهبي خارج القاعة…
ذلك أن الخلاف الذي اندلعت شرارته الأولى وأدى إلى ارتفاع منسوب التوتر بين وزير العدل المثير للجدل عبد اللطيف وهبي والنائب البرلماني عبد الصمد حيكر، يعود من جهة إلى عدم التزام رئيس الجلسة بالحياد وافتقاره إلى الحكمة في تدبير النقاش العمومي، ومن جهة ثانية إلى تهكم « الوزير » على مداخلة برلمانية من حزب العدالة والتنمية بخصوص « مشروع قانون مهنة العدول »، واصفا ما ورد في مداخلتها ب »بيان مجلس قيادة الثورة »، مما دفع بالثاني إلى التصدي له داعيا إياه إلى احترام ممثلي الأمة والكف عن التمادي في استفزازاته المتوالية، بالقول: « باركة من ذيك البسالة »، فما كان من الوزير إلا أن رد عليه بالقول: « سير الموسخ اللي ولدك » !
وبصرف النظر عن الحزازات القائمة بين وزير العدل والأمين العام لحزب المصباح وقيادييه، حيث نجد أن كل طرف يتربص بالآخر لتصفية حساباته الضيقة معه وتشويه سمعته، فإنه من غير المقبول نهائيا أن يخرج عبد اللطيف وهبي عن طوره ويثور في وجه عبد الصمد حيكر بذلك الأسلوب الفج دون مراعاة لمشاعره وما له من انعكاسات سلبية على نفسيته، لمجرد أنه التمس منه التعامل باحترام مع ممثلي الأمة والابتعاد عن التحرش بهم أمام ملايين المشاهدين. حيث لم تلبث أن تواترت ردود الفعل الغاضبة وتعالت أصوات الاستنكار، منددة بذلك الاعتداء اللفظي الأهوج، الذي ينم عن حقد دفين لما يتضمنه من إساءة خلال جلسة تشريعية يفترض أن يتم النقاش فيها حول القضايا الكبرى التي من شأنها أن تعود ما يعود بالنفع العميم على البلاد والعباد، بدل إمعان الوزير وهبي في أساليب التحقير.
فما أقدم عليه الأمين العام السابق لحزب « التراكتور » ثاني قوة سياسية في البلاد بعد حزب « الحمامة » حسب نتائج انتخابات 2021، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه أبعد ما يكون وزيرا للعدل، وهو الذي يكاد لا يختلف كثيرا عن عبد الإله ابن كيران الأمين العام الحالي لحزب « المصباح » ورئيس الحكومة الأسبق في مهاجمة كل من يختلف معه في الرأي، ويستوجب الإقالة من منصبه بسبب ما راكمه من انزلاقات. ولاسيما أن الكثير من الملاحظين والمهتمين بالشأن العام يرون فيما صدر عنه من سلوك أهوج بالبرلمان، لا يمس فقط بشخصه وحزبه، بل يضر كثيرا بمصداقية العمل السياسي والسلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ رغم كل ما عرفته المؤسسة التشريعية من نقاشات حادة واختلافات قوية في الرأي على مدى عشرات السنين، لم تشهد انحدارا سياسيا وأخلاقيا بمثل هذا المستوى غير المقبول.
ترى أين نحن من واجب الاحترام فيما بين النواب وبين الوزراء والنواب، الذي ينبغي أن يتأسس على بناء النقاش السياسي في أجواء من الاحترام المتبادل والتحلي بلباقة اللسان وضبط النقاش، بعيدا عن الإساءات اللفظية والشخصية، ومما ظل يدعو إليه ملك البلاد من تخليق الحياة السياسية والنهوض بمستوى الخطاب السياسي داخل البرلمان، الذي يفترض أن يشكل نموذجا حقيقيا في الالتزام بالقيم الأخلاقية والديمقراطية واحترام حرية التعبير وفق الضوابط المؤطرة للعمل التشريعي؟
اسماعيل الحلوتي





Aucun commentaire