الصحراء الشرقية بين مفهوم الحق التاريخي وأطروحة قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار

بقلم: عمر الطيبي

لم يكن في جعبة نظام الحكم الجزائري ما يبرر به مواصلته احتلال مساحات شاسعة من الاراضي المغربية، ومنها الأراضي الواقعة في الصحراء الشرقية وكذلك في شرق الحدود الشمالية للبلاد، سوى أطروحتين يتيمتين، هما أطروحة « قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار » وأطروحة « قدسية دم الشهداء الذين قضوا في سبيل استعادة هذه الاراضي »، وذلك في مقابل المبدئين اللذين يستند المغرب اليهما في المطالبة باستعادة هذه الاراضي، ويتعلق الامر بمبدأ « الحقيقة والحق التاريخي » ومبدأ « قدسية دم الشهداء المغاربة الذين دافعوا عن هذه الاراضي حتى آخر رمق ».
لم ينكر مسؤولو نظام العسكر الجزائري في السنوات الاولى من قيام كيانهم الوظيفي سنة 1962، مغربية هذه الاراضي، التي الحقتها فرنسا غصبا بالجزائر الفرنسية ابتداء من سنة 1934، فقد كان ضابط الصف السابق في الجيش الفرنسي وأول رئيس لنظام العسكر أحمد بنبلة، قد أقر ضمنيا بمغربية هذه الاراضي، لكنه اعتبرها هدية من فرنسا لنظامه العسكري، ثم قام العقيد العميل هواري بومدين وشريكه في الخيانة، العقيد الصهيوني سليمان هوفمان اللذين أطاحا ببنبلة، وبعدهما جميع من تولوا منصب رئاسة هذا النظام، باغراق القضية في سردية تعج بالأكاذيب والحجج الواهية والمنطق المقلوب، جاعلين منها قاعدة أساسية للايغال في عدائهم للمغرب حتى الآن.
في هذا الاطار قام نظام الكابرانات باستفزازات عسكرية متتالية على مواقع حدودية مغربية مما تسبب في اندلاع « حرب الرمال » سنة 1963، وذلك بتخطيط وتوجيه ودعم من فرنسا، وكان الهدف من هذه الاعتداءات هو فرض مبدأ « قدسية » الحدود الموروثة عن الاستعمار كأمر واقع، وكذا من أجل تنفيذ بنود ملحق اتفاقية « إفيان » التي تم بموجبها منح الاستقلال الشكلي لنظام العسكر، وقد نصت تلك البنود على حق فرنسا الحصري في تملك واستغلال خيرات الاراضي المغربية الملحقة بجزائر الكابرانات، اضافة الى اعتبار هذه الاراضي ممرا متصلا ما بين البر الفرنسي والمستعمرات الفرنسية في افريقيا، فضلا عن ضمان حق الجيش الفرنسي في مواصلة تجاربه النووية في منطقتي الركان ووادي الناموس، وهي أراض شاسعة تحتل موقعا استراتيجيا من الصحراء المغربية الشرقية.
أما اليوم وقد انتهى المشروع التوسعي للنظام الجزائري المتمثل في استكمال المخطط الاستعماري الفرنسي الهادف لتطويق المغرب من جنوبه، و فصله نهائيا عن عمقه الافريقي، الى الفشل والهزيمة، وبعدما « أصبحت الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه » وفق الصيغة الاثيرة عند المغاربة، وبعدما جاء قرار مجلس الامن الدولي الاخير (رقم 2797) ليتوج الانتصارات المغربية المتتاية في الصحراء، بفتح الباب أمام امكانية معالجة المشكل بصفة نهائية عبر اقامة نظام حكم ذاتي في الاقاليم الجنوبية للبلاد، فقد حان موعد وضع حد نهائي لاطماع الكابرانات في الصحراء الغربية المغربية، ومن ثم التوجه نحو فتح ملف استرجاع الصحراء الشرقية وكافة الاراضي المغربية المحتلة من نظام الكابرانات.
ولعل مما يكتسى دلالة بالغة في هذا الصدد هو أن يبادر عدد من المثقفين الجزائريين الاحرار، مثل الكاتب الجزائري ـ الفرنسي بوعلام صنصال، وقيدوم الصحافيين الجزائريين سعد بوعقبة وآخرين لاداعي لذكر أسمائهم جميعا هنا، الى التذكير بواقع وحقيقة احتلال الاراضي المغربية من طرف نظام العسكر، مما كلف الاول خمس سنوات سجنا نافدا أفلت من استكمالها بفضل تدخل الرئيس الالماني لدى تبون، أما الثاني فقد تمت متابعته في حالة اعتقال مطلع الاسبوع الجاري بسبب تطرقه لزيف أطروحة « قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار ».
لكن هذه المواقف النبيلة والعادلة من المثقفين الجزائريين الاحرار قابلتها، مع الاسف، أطروحات مغلوطة من تلك الفئة من المثقفين والمؤثرين المتشبعين بالايديولوجيا الشعبوية الكابرانية، من مثل كابران المثقفين الوزير السابق نور الدين بوكروح، وكابران الصحافة والاعلام هشام عبود، وكابران المعارضة العربي زيتوت، فقد انبروا للرد على ما جاء به هؤلاء من افكار، ولكنهم لم يجدوا في جعبتهم ما يردون به سوى ما كان يرد به قدماؤهم، أي بعض الكلام الفارغ من أي مضمون عن « قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار » وعن « قدسية دماء الشهداء » وقد آن الاوان لتوضيح حقيقة الفرق بين من يعتمد الحقائق التاريخية ومن يعتمد المغالطات الايديولوجية كما عند هؤلاء، وذلك كالتالي:
أولا/ : لاعلاقة لأطروحة « قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار »بالقانون الدولي ولا بقرارات الامم المتحدة، وانما تم طبخها في مطابخ ما يسمي بمنظة الوحدة الافريقية، بما يتماشى مع مصالح الدول الاستعمارية في الحفاظ على نفوذها في مستعمارتها السابقة ضمن حدود واضحة المعالم تجنبها الاصطدام في ما بينها كما حدث في الحرب العالمية الثانية، وقد أضفى عليها الكابرانات صفة القدسية لانه بدونها يفقدون أحد عناصر التعريف بوجودهم ككيان.
ثانيا/ : يتعارض هذا الشعار، بل يتناقض مع القرار رقم 1514 المعروف باسم « اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة » الصادر عن الامم المتحدة في 14 دجنبرعام 1960، وتحديدا مع مادته التي أكدت على أنه لا يمكن انهاء استعمار الاراضي المنتزعة من دولة ذات سيادة الا باعادة دمجها في البلد الاصلي الذي اقتطعت منه معتبرة أن « أية محاولة تستهدف المساس الجزئي أو الكلي بالوحدة الوطنية ولسلامة أراضي أية دولة يتعارض مع أهداف ومبادئ ميثاق الامم المتحدة »، وهذا ما ينطبق على حالة الاراضي المقتطعة من المغرب وليس أطروحة « قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار ».
في الختام فقد رويت هذه الاراضي فعلا بدماء الشهداء، لكن دماء الشهداء المغاربة وليس دماء الجزائريين، كما يحاول اعلام الكابرانات ان يوحي بذلك، بينما الحقيقة التي مراء فيها هي ان هذه الدماء الزكية سالت في معارك غير متكافأة مع جحافل الجيوش الجزائرية المحلية المنخرطة في خدمة مخططات وأهداف الجيش الاستعماري الفرنسي، ومن هذه الجحافل تلك التشكيلات المعروفة باسماء مثل « الزواف »، و »الصباحية » و »الرماة الجزائريين »، وما شابه، وقد أن الاوان لكي يخجل الكابرنات من أنفسهم ويكفوا عن اطلاق اسم الشهداء على الغزاة القتلة
الحركيين خدام الاستعمار الفرنسي.





Aucun commentaire