Home»Débats»الصحراء:من المطلب العقاري ،الى ثقافة الحكم الذاتي

الصحراء:من المطلب العقاري ،الى ثقافة الحكم الذاتي

2
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح

توطئة :

لا أعتقد أن هناك صحراء تتمتع بحماية عسكرية أكيدة،بتجربة حروب عدة ،أكثر من صحرائنا ؛لكن ربما لا يوجد شعب مقبل على صحرائه سياسيا ، ومعرض عنها سياحيا وثقافيا وعلميا ،مثل الشعب المغربي

الوجود بيعة،والوجود توحشا:

إن الصحراء صحراؤنا وكفى،الواقعة جنوبا؛دون مواصلة التأكيد ،إلى ما لانهاية،على أنها مغربية.

هل هناك داع لنعت جهة الشرق– مثلا- بأنها مغربية؟ لن نظل مُطالَبين ،خلال كل حديث عن الصحراء،بأن نُقرِئَ تاريخنا وجغرافيتنا للآخرين؛فنعت “المغربية” الذي يتكرر تلقائيا على ألسنتنا، لم يعد بعد القرار الأممي 2729 ،سوى فائض مرافعة لا لزوم لها ؛بل قد تضر بقضيتنا،لأنها تغري الآخر بالتوجس من تأكيد،مِلحاح، لا ينتهي .

لا شوفينية في هذا ؛ ولا شك في استيفاء مغاربة الصحراء ،وحدوييهم وانفصالييهم- تاريخا ،حاضرا،ومستقبلا، لكافة شروط المواطنة .

 بل حتى غلاة الانفصاليين ، منهم ،يؤكدون على مغربيتهم، بطرحهم الذي ليس سوى انفصالي ،وليس هوياتيا :

مغاربة ،نعم، لكن يرغبون في حيازة ملكية عقارية مغربية ،تسجل أمميا في اسمهم.

انفصاليون اختاروا –أو أريد لهم- السكن العشوائي (الاستفزازي)في تندوف ؛في وجود مدن مغربية على كامل الاستعداد لاستقبالهم ،في كل الجهات،وليس في الصحراء فقط.

ومن يتنكر منهم لمغربيته –كما سمعنا أخيرا- يسوي نفسه مع ثعالب وذئاب وضباع الصحراء ؛المنتشرة فيها انتشار توحش .

ولا يخفى أن هذا المطلب الانفصالي ،العقاري غالبا- أستثني هنا حالات مناهضة ألاستعمار- شائع عالميا ؛وهو مرتبط بالمراحل السحيقة التي تطورت فيها المجتمعات البشرية،من حالة اللاقيود ،في المعاش ،والانتشار السلمي والاقتتالي؛إلى وضع الدولة والسلطة المركزية.

ولو استجابت كل الدول المعنية، اليوم، بمطلب الانفصال،لشهدنا تناسلا دولتيا شبيها بانقسام الخلايا في المجال البيولوجي؛مع كل ما يعنيه هذا لنظام دولي ينحو نحو العولمة .نظام رغم كونه راسخ المؤسسات،تنخره حروب ومشاكل إنسانية لا حصر لها ؛إضافة إلى معضلات عقدية،ترتدي أسمال التاريخ،و لا تزيدها حلول المنتظم الدولي- السلمية والقتالية- إلا تمنعا وشراسة.

وعليه فالصحراء لن تستفيد من تكرار الإلحاح على مغربيتها ؛بل من إعادة تربية المواطنين – كلهم -على الاستحضار الدائم لبعدهم الصحراوي ؛كما يستحضرون بعدهم البحري، النهري،الجبلي،الغابوي؛تربية مجالية ومكانية ليس إلا .

ولعل الدرس الافتتاحي ،الكامن في المسيرة الخضراء،هو هذا بالضبط.لقد حرر المواطنون المدنيون الصحراء؛أما العسكريون فلم يدخلوها الا لحمايتهم من معتدين خارجيين .

لماذا يحضر في تربيتنا ،بخصوص الصحراء،البعد السياسي فقط ؟

أكثر صحاري العالم حماية:

لقد سبق أن تحدثت عن العقيدة العسكرية المغربية ،ونسبت تشكلها –مدرسة ضمن المدارس العالمية- للصحراء؛بدءا من حرب الرمال ،ومرورا بكل الحروب الصحراوية الأخرى التي أتخمتنا انتصارات لأننا مدافعون وغير مهاجمين.

لماذا يستمر لدينا هاجس التخوف،ونحشر الصحراء في الزاوية السياسية الضيقة؛بدل جعلها موضوعا للتربية على المواطنة النظرية والميدانية؟

 لماذا لا تُشد رحال المخيمات التلاميذية إلى الصحراء؟

لماذا تتوجس خيفة كاميرات سينمائيينا ،إزاء فتح الصحراء للمغاربة وللعالم؟

لماذا لا تنزل لجان البحث المتخصصة ،بجامعاتنا، إلى الصحراء ،وتقتفي خطوات “مونود” عالم الصحراء،وغيره،لتكشف لنا عن خبايا هذا العالم الذي سحر الأوروبيين ،على مدى القرن التاسع عشر ،وغامروا فيه بأرواحهم ؟ لماذا نجهل كلية هذا المجال الذي ثبَّت أركان الدولة المغربية عبر التاريخ ؟

لا أعتقد أن هناك صحراء تتمتع بحماية عسكرية أكيدة،بتجربة حروب عدة ،أكثر من صحرائنا ؛لكن ربما لا يوجد شعب مقبل على صحرائه سياسيا ، ومعرض عنها سياحيا وثقافيا وعلميا ،مثل الشعب المغربي .

ومرة أخرى ،بدل اللازمة البديهية (الصحراء مغربية) يجب التفكير في خريطة طريق تجعل كافة أبعاد الصحراء دائمة الحياة والتوقد في وجدان المواطنين .

إن الصحراء وطننا ؛وأبجدية المواطنة هي حب الوطن،حب العارف الصوفي ؛وليس المالك العقاري.

إن العالم من حولنا يعرف ما بُذل من جهود تنموية في الصحراء؛ويعرف أن ما بعد “لا اله إلا الله محمد رسول الله” لا يتشهد المغاربة إلا بمغربية الصحراء ؛لكنه يعرف أيضا أن الأغلبية الساحقة من المغاربة لم تطأ رمل الصحراء ،ولا اكتوت بحرها ،ولا سمرت مع سمارها .

هل هذا هو حال مواطني الدول الاسكندينافية،مثلا،مع منافي الصقيع و الثلوج في أوطانهم ؟ هل تقف حدود المواطنة السويدية ،مثلا،عند الحواضر الدافئة فقط؟ لا أعتقد.

إن الدول القليلة  التي تشكك في مغربية صحرائنا ،لا تواجه سوى خطاب الدولة الرسمي ،وتغيب كلية شعور المغاربة إزاء صحرائهم ؛لأن حوامل هذا الشعور منعدمة أو قليلة. يجب أن يعرف العالم إلى أي حد يحب المغاربة مجالهم الصحراوي ،وليس خريطتهم السياسية فقط.

حتى سفاراتنا في الخارج لا تستحضر هذا البعد إلا لماما لأنها تظل – إن نشطت للأمر،وامتلكت مؤهلاته- سفارات منافحة عن مغربية الصحراء ،وليس عن صحراوية المواطن المغربي ،ولو كان بطنجة.

ثقافة الحكم الذاتي:

أعتقد أن أصعب ما يواجه مفاوضات الحكم الذاتي ،وبعدها تنزيل صيغته ،المجمع عليها ؛هو الجانب الثقافي.

لن يعوز الملكية ،ولا الأحزاب السياسية ،المستقبَلة أخيرا بالقصر الملكي،تحيين وتتميم وتفصيل صيغة الحكم الذاتي ،التي تطالب بها ،بالحاح،الأمم المتحدة.

ولن يعدمَ التنزيلُ فقهاءَ القانون المغاربة –وربما حتى الأجانب – الذين سيبنون الترسانة القانونية للحكم الذاتي (مدونته ان جاز لي أن أقترح).

وحينما يستوي كل هذا مغربيا ،ستبدأ مرحلة الترافع حوله ؛لأن الطرف الآخر –حينما يلقي السلاح- لن تسعفه غير ترسانته « القانونية » ،يحاجج بها ولها ؛مشترطا ومطالبا.

حتى هذا الترافع ،رغم مشقته –لوجود طرف خارجي محرِّض وربما مفسِد- في مُكْنَة الدبلوماسية المغربية ،التي عركت المنابر الأممية،وعركتها.

لكن القوة الناعمة ،التي تشكلها الثقافة :ثقافة الحكم الذاتي ؛هي ما يمكن أن يفضي بالقرار الأممي الى كل مخرجاته الايجابية ،لتدخل المنطقة المغاربية في مرحلة بناء جديدة.

وفي حال عدم توفر كل عناصر هذه القوة ؛أو عدم اشتغالها كما يجب ؛أو وجود من يثبطها من الخارج ؛ ستكون المخرجات مثبطة ،وقاتلة لجميع الرغبات والأحلام.

وليس بعد الفشل الا العود على بدء..

بإعطاء جلالة الملك انطلاقة المشاورات السياسية،مع الأحزاب الممثلة في البرلمان ، لتقديم الصيغة المحينة للحكم الذاتي ؛أتمنى ،بل أتوقع ، ألا يغيب الفعل الثقافي الممهد للحكم الذاتي.

يشكل هذا الفعل جبهة ثالثة – شبه محايدة- ينخرط فيها مثقفو الطرفين ،لتأسيس خطاب تربوي ثقافي موحد ،سيشكل –مستقبلا- روح الحكم الذاتي ،بعد استوائه نظاما سياسيا وقانونيا ،جديدا في المملكة ؛على غرار ما يجري به العمل في العديد من ديموقراطيات العالم.

رغم توفر الكثير من عناصر نجاح هذه الجبهة ،أو القوة الناعمة ،ستكون هناك صعوبات شاقة ؛لأن نصف قرن من التربية على العداء للوطن الأم ،لن تجبها شهور ،أو سنين من العمل الثقافي الدامج ،أو المطبع.

هذا في حال رفع اليد من طرف الجزائر،أما اذا واصلت ابادتها للثقافة الصحراوية المغربية ،فستتضاعف الصعوبات .

ومهما يكن – وقد بدأت المشاورات الملكية  السياسية– فما على مثقفينا إلا المضي قدما من الآن في تحيين الخطاب الثقافي ،الذي سيبلور المعنى للحكم الذاتي .

بدون هذ المعنى سيظل حلبة للتوجس والتشكيك وعدم الثقة والنكوص ؛وما كان هذا أبدا ما يقيم صرح الفيدراليات الناجحة في العالم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *