ما السبيل إلى الإنصاف القانوني والإنساني لضحايا النزاع في الصحراء المغربية وضحايا الطرد الجماعي من الجزائر
ذة.سليمة فراجي

انطلاقًا من مبادئ الشرعية الدولية، ومن روح ميثاق الأمم المتحدة، وإعمالًا بمقتضيات القانون الدولي الإنساني الذي اسال كثيرا من الحبر واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، وإيمانًا بأن تحقيق السلم الإقليمي لا ينفصل عن ضمان العدالة والإنصاف للضحايا، ارتأيت تسليط الضوء على الجوانب القانونية والإنسانية المتعلقة بضحايا النزاع المسلح في الصحراء المغربية، وكذا ضحايا الطرد الجماعي الذي تعرض له آلاف المغاربة على يد السلطات الجزائرية سنة 1975 فيما عُرف بالمسيرة السوداء او المسيرة الكحلة والتي تعتبر مدينة وجدة شاهدة على كارثيتها الإنسانية
بالرحوع للاساس القانوني والحقوقي المتعلق بضحايا النزاع في الصحراء المغربية تؤكد اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وخاصة الاتفاقيتين الثالثة والرابعة، على وجوب حماية الأسرى والمقاتلين الجرحى وصون كرامتهم وعدم تعريضهم لأي معاملة مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. كما تنص المادة الثالثة المشتركة بين الاتفاقيات على أن الأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم المدنيون، يجب معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال ، و ان عدم إنصاف هؤلاء الضحايا يشكل إخلالًا بمبدأ المساءلة والعدالة وبناء الثقة
وفيما يخص ضحايا الطرد الجماعي للمغاربة مجردين من امتعتهم وسلبهم أراضيهم وفصلهم عن ذويهم من الجزائر سنة 1975 فان الطرد القسري الجماعي يعتبر انتهاكًا صريحًا للمادة (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تحظر الاعتقال أو النفي التعسفي. كما يتعارض مع المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل حق الفرد في اختيار محل إقامته وعدم طرده تعسفًا من بلده كما تشير المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة إلى حظر النقل الجبري أو الإبعاد الجماعي للأشخاص المحميين من الأراضي التي يقيمون فيها، ما يجعل تلك الأفعال تعتبر خرقًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني.
اما بخصوص الاعتبار و البعد الإنساني والوطني فإن معاناة أسر الشهداء والجرحى والأسرى، إلى جانب معاناة المطرودين من الجزائر الذين فُرّقوا عن ذويهم وسُلبت ممتلكاتهم، تمثل جرحًا إنسانيًا لم يندمل بعد و معالجة هذه القضايا لا تندرج ضمن الذاكرة التاريخية فقط، بل هي ركن من أركان العدالة الاجتماعية والإنصاف الوطني. وتظل مسؤولية الدولة قائمة في حفظ الذاكرة الجماعية، وجبر الضرر، ورد الاعتبار لكل من تضرّر من تلك الأحداث وفق الآليات القانونية والمؤسساتية المتاحة.
لذلك على المستوى الوطني يتعين تفعيل آلية وطنية خاصة بحصر وتوثيق ضحايا النزاع المسلح في الصحراء المغربية، وفتح باب الإنصاف والتعويض وفق معايير محددة مع إدماج ملف المطرودين من الجزائر ضمن برامج هيئة الإنصاف والمصالحة الموسعة، وتوفير الدعم القانوني والاجتماعي لهم. إضافة إلى إحداث مؤسسة وطنية لحفظ ذاكرة ضحايا النزاعات، تُعنى بالتوثيق والشهادة والتربية على قيم السلم والإنصاف.
اما بخصوص الشق الدولي فيتعين دعوة الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى متابعة تنفيذ التزامات الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، وضمان المساءلة عن الانتهاكات التي طالت المدنيين المغاربة.
مع مطالبة الجزائر بالاعتراف الرسمي بالطرد الجماعي للمغاربة سنة 1975، وتقديم جبر الضرر وفقًا لمبادئ وضوابط العدالة الدولية.
ختاما إن الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي المغربية بوصفها حلًّا وحيدا جادا وذي مصداقية لا يكتمل إلا باعتراف وطني وإنساني بالضحايا الذين دفعوا ثمن النزاع في سبيل وحدة التراب الوطني.
فترسيخ السيادة لا يكون بالقوة المادية وحدها، بل بالعدالة التي تُنصف من ضحّوا، وتعيد الكرامة لمن سُلبت منهم حقوقهم.
الإنصاف هنا ليس مجرد مطلب إنساني، بل ضرورة قانونية ومؤشر على نضج الدولة وقدرتها على تحويل الجراح إلى قوة بناء ومصالحة





Aucun commentaire